;
طلعت رميح
طلعت رميح

هل تندفع أمريكا وأوروبا نحو الفاشية؟ 1954

2010-11-29 03:24:30

تتجمع النذر الآن في أمريكا وأوروبا لحدوث تحولات كبرى. المشروع الليبرالي الرأسمالي الغربي يشهد تعثرا والمجتمعات الغربية تعاني اضطرابات حادة، وأجهزة الدول في حالة ارتباك جدية، بما هيأ ويهيئ لحالة خطرة من التغييرات. الآن ثمة هزيمة لنمط المشروع الغربي وحالة بحث جدي عن طريق جديد وسط حالة اضطراب. والمؤشرات متعددة على أن الطريق الذي تندفع فيه كل تلك المكونات هو طريق الفاشية!

اللافت أن تلك التحولات الجارية في الغرب، يجري في مقابلها تطورات وتغييرات أخرى في الاتجاه المضاد في الدول الأخرى المنافسة، على صعيد الحصول على معاملات القوة العسكرية، كما أن التحولات الجارية في الغرب تجري بينما العالم يشهد تناميا لصراعات دولية عديدة، بما يشير إلى احتمالات صدام دولية كبرى.

الأمر جلل، إذ التحولات الجارية في الغرب ذات تأثير خطير على مستقبل البشرية لا الغرب وحده، إذ نحن نتحدث عن مجتمعات سبق أن أنتجت قادة فكريين وسياسيين وعسكريين تقاتلوا في حربين عالميتين، كما التوجه الراهن يجعل من أوروبا والولايات المتحدة في حالة تحول نحو فاشية موجهة ضد الآخر، كما كان الحال عليه، فترة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في الغرب.

المتابع يلحظ أن الاندفاع نحو تلك الهاوية متسارع، وأن أصوات العقل الجمعي والمؤسسي والفكري.. الحر، صارت تتلاشى. حزب الشاي في الولايات المتحدة يأتي لدفع أمريكا نحو الفاشية –هذا ما قاله الزعيم الكوبي فيديل كاسترو- فما بالنا وهذا البلد، لم يتحرر بعد من آثار المسيحية الصهيونية العقائدية التي استخدمت جورج بوش الابن في إنفاذ مشروعها، فجرى تحطيم وتدمير لدولتي العراق وأفغانستان. حزب الشاي يأتي الآن مصعدا رؤيته العنصرية ودوره في وجه أوباما الذي لم يغير مجيئه من الأمر شيئا، مما فعل أنصار وقادة المسيحية الصهيونية. حزب الشاي يأتي ليزيد الطين بلة، إذ هو يظهر أن المجتمع الأمريكي وصفوته السياسية في وضع المنتج لتيارات فاشية. أوباما لم يستطع أن يحقق تغييرا في تلك التركيبة التي شكلها جورج بوش وتيار المسيحية الصهيونية في أوساط النخب – فضلا عن أنه لم يستطع حتى إغلاق معسكر العار على الإنسانية في جوانتنامو -وها هو حزب الشاي يحول تلك الرؤية إلى حالة شعبية جماهيرية واسعة على أسس فاشية واضحة.

والمتابع يلحظ أن أوروبا تجري نحو تلبس الفاشية -وهي من سبق أن أنتجها تاريخيا - على مستويات رسمية وشعبية في آن واحد. الحركات الفاشية والنازية لم تعد مجرد مجموعات معزولة ضيقة محاربة من المجتمع والسلطات الرسمية الحارسة على حماية الديمقراطية، بل صارت جماعات ذات تأثير ضاغط على المجتمعات وتحولت إلى قوى سياسية انتخابية وتصويتية تهدد الديمقراطية والليبرالية واحترام الآخر. الشوارع تشهد أعمال قتل على أساس عنصري وعرقي وديني، والغجر يجرى تطهيرهم سكانيا وجغرافيا، والإرهاب صار لصيقا بالدين الإسلامي، والعربي والمسلم أصبح دخيلا على المجتمع هو ومن أنجب وصار حاملا لجنسية البلد الأوروبي يجري التضييق عليهم وترحيلهم. والأمور تتحضر لحملة فاشية ضد الجنس الأصفر (الصين). والخطر، أن الحكومات صارت ترضخ بالفعل لشعارات النازية والفاشية وأفكارها، إذ القوانين التي تصدر الآن، قدمتها الحكومات وتصدرها البرلمانات!

الغرب يتوجه نحو الفاشية والعنصرية، وذات الشعارات التي تسمعها الآذان وتترجم في أعمال قتل في فلسطين المحتلة، لم تعد تختلف كثيرا عن تلك التي نسمعها وتترجم في أعمال قتل في أوروبا وأمريكا أو من قبل الجيش الأمريكي وجيوش حلف الأطلسي في أفغانستان والعراق. الأمر خطير للغاية، ويكفي لإظهار ما وصلت إليه الأمور إلقاء نظرة على ما كانت عليه المجتمعات الغربية منذ عشر سنوات ومقارنتها بما دخل عليها من تغييرات واتجاه تلك التغييرات، فذلك يكشف أن تلك المجتمعات صارت مندفعة بمعدلات متسارعة نحو هاوية الفاشية والعنصرية.

الداخل والخارج

هذا التغيير الجاري في داخل المجتمعات الغربية، أصبح منعكسا في السياسة الخارجية للدول الغربية ولم يعد مجرد تغييرات جزئية في المزاج العام للجمهور، يتغير بين لحظة وأخرى، إذ تشهد الإستراتيجيات الغربية تحولا متصاعدا نحو غزو الدول الأخرى وخوض حروب ضد الخارج، مع تغيير في مفاهيم خوض الحروب، إذ لم تعد حروبا استعمارية تقليدية – كما كانت الحروب السابقة – بل صارت حروبا يجري شنها على أسس حضارية وثقافية وعنصرية.

لقد كان جورج بوش وإستراتيجيته العسكرية، هو المعبر بدقة عن بداية هذا التغيير أو كانت ذروة المرحلة الأولى من التغيير الذي دخل الآن في وضعية أخطر. لقد خاض جورج بوش حربيه في العراق وأفغانستان تحت شعارات عدائية ذات سمة عقائدية وحضارية وثقافية، وكان اختيار بلدين إسلاميين- في حد ذاته -تعبيرا عن التحولات الجارية في السياسات والإستراتيجيات الغربية، وكانت أعمال الإبادة الشاملة والتطهير العرقي والقصف بأسلحة تقتل الحياة البشرية في تلك البلدان –دون داع عسكري في الحقيقة لعدم تكافؤ القوى العسكرية أو بالنظر للتفوق العسكري الساحق للقوة الأمريكية-هي أحد أوجه البعد الحضاري والعقائدي والديني لتلك الحرب. كما كانت الحرب على الإسلام على نطاق واسع وشامل تحت شعارات الحرب على الإرهاب، هي الأخرى مؤشر على خوض الحرب على أسس أخرى جديدة، ومؤشر على عمومية التأثير الحضاري والعقائدي على الإستراتيجية الأمريكية التي صارت حربا عالمية ضد الإسلام والمسلمين في داخل الدول الغربية وفي مناطق محددة –العراق وأفغانستان-وفى عموم العالم.

كان جورج بوش قائدا لقاطرة التحول في السياسات والإستراتيجيات الغربية إلى الطابع الفاشي والعنصري المستهدف تدمير الإنسان الآخر وقتله لأسباب عقائدية أو عرقية أو بسبب اختلاف الدين والهوية والثقافة.

shape3

لكن أمر التغيير في الغرب، لم يتوقف عندما حدث في الولايات المتحدة ومن جورج بوش، إذ ثمة تغييرات أخرى مقابلة ومشابهة جرت وتجرى في الإستراتيجيات العسكرية الأوروبية ضد الخارج هي الأخرى. لقد ظهر التغيير في الإستراتيجيات الأوروبية من خلال قيام حلف الأطلنطي بممارسة ذات الإستراتيجية العدائية وعلى ذات الأسس العقائدية والحضارية والثقافية والعرقية، في العدوان على أفغانستان وخلال عملية احتلالها، إذ نحن أمام حالة إستراتيجية وسلوكية لجيش الولايات المتحدة وجيوش الدول المنضوية للحلف تقوم لخدمة ذات الأهداف وباعتماد ذات الفهم ومحددات السلوك الأمريكي في التعامل مع الشعب الأفغاني.

لقد تمكنت الولايات المتحدة من تحويل رؤيتها الجديدة إلى هدف ونمط غربي عام، بحضور حلف الأطلنطي في أفغانستان، الذي مثل الحالة الأولى التي يخرج فيها حلف الأطلنطي عسكريا خارج حدود مهامه التي حددها وثائقه وسار عليها منذ تشكيله بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى خوض تلك الحرب، والاهم في ذلك أن وجوده في أفغانستان لم يكن مجرد حالة عابرة أو اضطرارية نتجت عن ضرورة مساندة جيش الولايات المتحدة الذي كان يتعرض لهزيمة قاسية بعد توسيع بوش عدوانه باتجاه العراق، بل نحن أمام تحول كبير وللأسف، يمكن القول إنه تحول ثابت الخطى، إذ الاجتماع الأخير لحلف الأطلنطي شهد إقرارا لإستراتيجية جديدة أو تعديلا في عقيدة الحلف العسكرية، تخلص فيها من إرثه التقليدي الذي كان يقصر مهامه على الدفاع عن أراضي دول الحلف، وتحول بإقرار تلك التعديلات إلى نمط من الإستراتيجية الهجومية خارج حدود الدول المنضوية له. والأخطر هنا أن هذا التغيير يجري على أساس مضامين حضارية وثقافية وعنصرية. التغييرات الجديدة في إستراتيجية الحلف، لم يأت إقرارها ارتباطا بالتغيير الذي حدث عمليا، حين جرى احتلال أفغانستان وارتكاب أعمال إبادة فيها على أسس عقائدية وحضارية، بل جاء، بالارتباط مع التغييرات الجارية في داخل المجتمعات الأوروبية التي تشهد تحولا نحو الفاشية، على غرار ما جرى في الولايات المتحدة هي الأخرى.

حالة الخطر

وإذا شئنا التدقيق والتعميم في الآن ذاته، فإن الخطر الحقيقي وما سيجعل التحولات التي جرت وتجري في أوروبا وأمريكا خطرا عالميا كليا –ويجعل الإنسانية مهددة بالفناء-هو أن العالم كله يعيش حالة متزايدة من الاستعداد لاحتمالات الحرب أو هو يعاني هاجس الحرب، كما العالم يشهد تغييرات كبرى في موازين القوى قد تكون في حد ذاتها أحد أسباب الحروب بين من يدافع عن معالم سطوته القديمة ومن يتقدم محاولا تعزيز تقدمه، وأيضا يأتي الخطر من التهاب العالم بالنزاعات التي تشهد توترا عسكرية مباشرة.

اللغة السائدة في العالم الآن هي لغة التسلح، فكل الدول تكدس السلاح وتطور ترساناتها بأنواع جديدة أشد فتكا وأكثر قدرة في سباق محموم للتسلح، وإن كانت لغة التسلح وسباق التسلح تختلف في طريقة التعبير عنها الآن، عما كان سائدا خلال مرحلة الحرب الباردة. الصين تتسلح وتتقوى عسكريا، وهي لم تعد تتطور وفق النمط العسكري القديم المعتمد على كثرة الحشد العددي للجنود وأسلحة المشاة.. إلخ، بل صار نمط تسلحها وعقائدها العسكرية في حالة أخرى. الصين تبني وتتملك الآن حاملات طائرات على نحو يجعلها المنافس العسكري للولايات المتحدة التي تتمتع بتلك الميزة، وهو ما جرى عبر مرحلة انتقالية حددت الصين إستراتيجيتها على الدفاع عن حدودها ومجالها الحيوي الإقليمي، إلى أن وصلت إلى إستراتيجية الدفاع عن مصالحها حول العالم. والأهم هنا أن الصين قد طورت قدرتها الصاروخية إلى حد إسقاط أحد أقمارها الصناعية المنتهية صلاحيتها وهو حدث فاجأ العالم، إذ كان إعلانا بمدى التطوير التكنولوجي العسكري الذي وصلت إليه الصين، التي كان مفهوما أن حدود تطويرها التسليحي يتوقف عند حدود ما تسمح به روسيا فقط. وإذا كان هذا هو حال الصين، فالهند في الجوار هي الأخرى تتطور عسكريا على نحو هائل، وهي تتهيأ الآن -هي الأخرى – لتصبح قوة عظمى، إذ لم تعد تمتلك فقط السلاح النووي والصواريخ القادرة على إيصالها لمناطق في الإقليم بل على المستوى الدولي، كما هي في الطريق لامتلاك حاملات طائرات وأحدث الطائرات الحربية من الجيل الثالث، فضلا عن مشاركتها في مشروعات مشتركة للإنتاج العسكري فائق التطور مع روسيا. وهكذا إذا توجهنا إلى أي بقعة أخرى في العالم أو في كل أرجاء الدنيا، سنجد الحال ذاته، سواء إيران أو فنزويلا أو جورجيا أو البرازيل وبطبيعة الحال إسرائيل.. إلخ.

فإذا أضفنا لكل ذلك ما يشهده العالم من بؤر توتر عسكرية، تصبح الحالة الدولية في وضع الأزمة والتحضير للانفجار. العالم يعيش وقائع أزمات عسكرية واشتباكات متواصلة بين الكوريتين في وضع صار أشبه بفتيل قنبلة منزوع طول الوقت. وهناك أزمة دائمة بين تايوان والصين وأخرى بين الصين واليابان وثالثة بين روسيا واليابان ورابعة بين الصين والهند. وهناك أزمة أزمات إيران والغرب. والحرب في أفغانستان والعراق. والصراع على الأرض الفلسطينية والحرب بين لبنان وإسرائيل والتهديدات الإيرانية الإسرائيلية بالقصف والمحو. وهناك الأزمة الجورجية والصراع بين أرمينيا وأذربيجان والصراعات الجارية في الصومال وبين أريتريا وإثيوبيا والسودان والحرب أو الحروب في اليمن.. وهكذا الحال ممتد في أمريكا اللاتينية من هايتي إلى فنزويلا إلى كوبا.. إلخ.

العقائد العسكرية

هي نزعه عالمية أو هي حالة تعم العالم أجمع، والمهم هنا أن العقائد العسكرية التي تحكم استخدام تلك الأسلحة صارت تشهد تغييرا باتجاهات هجومية في مختلف أرجاء العالم. التطوير الذي حدث في العقيدة العسكرية الروسية مؤخرا جاء حاملا تحولات نحو إستراتيجيات الهجوم الاستباقي وبالأسلحة النووية. تلك التغييرات في العقيدة الروسية جاءت معلنة أن روسيا ستستخدم جيشها للدفاع عن مواطنيها ومصالحها في الخارج وهو ما مثل تغييرا هجوميا، وامتدادا للمعركة التي خاضتها روسيا ضد جورجيا وانتزاع اثنين من أقاليمها ومنحها استقلالا أو انفصالا تحت حماية القوة العسكرية الروسية. والأخطر، أن هذا الاندفاع نحو الخارج يأتي في ظل هذا الوضع العالمي المليء بالاضطراب.

والآن يأتي التغيير في إستراتيجية حلف الأطلنطي هجوميا هو الآخر. لقد اهتم الكثيرون في معرض مناقشتهم لتطورات اجتماع الحلف الأطلنطي مؤخرا، بقضايا الدرع الصاروخية التي تبدو حالة دفاعية في شكلها وما ارتبط بها من عودة روسيا لعلاقاتها مع الأطلنطي واحتمالات المشاركة في هذا الدرع، وبقضية انسحاب قوات حلف الأطلنطي من أفغانستان بحدود مطلع عام 2014، لكن الأخطر فيما جرى في دورة اجتماعات الأطلنطي هو إقرار العقيدة الجديدة لحلف الأطلنطي وما ورد فيها من حديث عن تأمين مصالح الحلف وخطوط ومواقع إمدادات الطاقة، إذ المعنى هنا، أننا أمام تحويل حادث خروج الأطلنطي من أسوار أوروبا-عبر حرب أفغانستان- إستراتيجي هجومي في كل مناطق العالم. نحن أمام إعلان من الحلف بالتحول إلى إستراتيجية هجومية في العالم، بديلا لإستراتيجية الدفاع عن أراضي الدول المنضوية للحلف التي كان معمولا بها منذ تشكيل الحلف عقب الحرب العالمية الثانية وحتى إقرار التعديل الجديد.

العالم في خطر حقيقي. . والبشرية مهددة الآن في بقائها، أكثر من أي وقت مضى.

عن الشرق القطرية

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد