;
أحمد عبدالحافظ الحضرمي
أحمد عبدالحافظ الحضرمي

آفاق استفتاء جنوب السودان.. ماذا بعد إعدام الدولة وذبح الوطن؟!"الحلقة2" 2712

2011-01-02 02:57:19



أحمد عبدالحافظ الحضرمي
* آفاق الاستفتاء
عند استشراف آفاق مستقبل ظاهرة أو حدث مار ..من ذلك استفتاء جنوب السودان ينبغي النظرة ا لشاملة لمجمل الجوانب والعناصر المتعلقة بذلك واحتمالاتها الممكنة ..وعلى ضوء خلفيات الماضي وتوجهات الحاضر ذات الصلة والتأثير يأتي هنا استشراف آفاق هذا الاستفتاء القادم من حيث سيناريوهات إجرائه ونتيجته وما يعقبها من مواقف وأحداث محتملة.
أ‌. سيناريوهات إجراء الاستفتاء:
إجراء الاستفتاء زعامة هو الحدث الأساسي الذي ستترتب عليه بقية الأحداث التالية وهو بدوره محكوم بالتوجهات الراهنة والقادمة حتى يوم الاستفتاء وأبرز السيناريوهات المتعلقة بهذا الإجراء وفق أحجيتها ما يلي تباعاً:
السيناريو الأول: وهو إجراء الاستفتاء في موعده المحدد بتاريخ 9 يناير 2011م لأنه موعد محدد ومتفق عليه بين الشريكين ـ المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ـ في إتفاق السلام ..ومن غير المحتمل أن يرفضه المؤتمر الوطني دون حجة قوية لا سيما وقد قايض به إجراء الانتخابات الرئاسية التي أجريت في موعدها ..وحتى لا يعطي الحركة ذرائع لخيارات أخرى وتحميله تبعاتها .
أما توجه الحركة الشعبية وأبناء الجنوب نحو إجراء الاستفتاء حتى الآن فهو أمر لا رجعة عنه ..ولذلك فإجراء الاستفتاء في موعده المحدد هو الاحتمال الأكثر وروداً وهو الحدث الأخطر وهو سيف ذو حدين ..أما كيف ولماذا؟! فذاك سيتضح لاحقاً في آفاق النتيجة وعواقبها.
السيناريو الثاني: وهو تأجيل إجراء الاستفتاء وإلغاؤه وهذا وارد فقط إذا استجدت أسباب التأجيل أو الإلغاء والتي أبرزها إتفاق المؤتمر الوطني والحركة الشعبية على خيارات أخرى يقبل بها الطرفان أو في حالة الطعن بقانونية إجراء الاستفتاء بسبب خروقات قوية من قبل الحركة أو بسبب عدم بلوغ المسجلين للنسبة القانونية لإجرائه المحددة بـ"60%" من أبناء الجنوب أو لأي أسباب أخرى ولكن احتمال هذا السيناريو أضعف من سابقه حتى الآن، لكنه الأفضل على الإطلاق بعواقبه.
السيناريو الثالث: وهو تعطيل إجراء الاستفتاء بشكل جزئي أو كلي إذا ما تزامن مع موعده حدوث تعطيل أو تفجير عنف وصراع جزئي أو كلي يحول دون ذلك ..وهذا لا يقل خطراً عن السيناريوه الأول وسيؤدي إلى نفس العواقب لكنها الأقل على المدى البعيد.
ب‌. السيناريوهات المحملة لنتائج الاستفتاء:
إذا ما أجري الاستفتاء في موعده 9 يناير 2011م القادم دون إلغاء أو تأجيل أو تعطيل فنتيجته المحتملة كما يلي تباعاً:
1) الاحتمال الأول: وهو ظهور النتيجة لصالح خيار انفصال جنوب السودان وهو الاحتمال الأكثر وروداً حتى الآن.
2) الاحتمال الثاني: وهو ظهور النتيجة متساوية "50%" مقابل "50%" لكل من خيار الانفصال وخيار الوحدة أو عدم بلوغ النسبة للحد الأدنى لاعتماد النتيجة وهو 50% + 1" لأي خيار إذا ما ألغيت أصوات كثيرة أو عزوف كثير عن التصويت وبالتالي إلغاء النتيجة وهذا الاحتمال أضعف من سابقه ..أما أضعف الاحتمالات فهو الثالث.
3) الاحتمال الثالث: ظهور النتيجة لصالح خيار الوحدة إذا ما أدرك أبناء الجنوب خطر الانفصال وأهمية الوحدة أو في حال اتفاق الشريكين للدفع نحو هذا الخيار بناء على توافق الطرفين.
ج. السيناريوهات المحتملة لما بعد نتيجة الاستفتاء:ـ "المواقف والعاقبة":
1) احتمال موقف المؤتمر الوطني وفق أرجحيتها هو رفض نتيجة الاستفتاء إذا ظهرت لصالح الانفصال وقبول النتيجة أذا كانت لغير صالح الانفصال سواءً بإلغائها أو لصالح الوحدة والاحتمال الثالث قبول النتيجة أذا كانت لصالح الانفصال كأمر واقع وسيكون أغرب مواقف نظام السودان على الإطلاق.
2) احتمالات مواقف الحركة الشعبية أولها وأرجحها قبول النتيجة إذا كانت لصالح الانفصال ورفضها إذا لم تكن لصالح هذا الخيار ـ في حال عدم توافقها مع المؤتمر الوطني ـ وستلجأ إلى خيارات ومواقف أخرى منها احتمال إعلان النتيجة لصالح خيارها أو إعلان الانفصال من طرفها.
3) أما القوى السودانية فستتراوح مواقفها بين التأييد والرفض والحياد وفق ما يخدم مصالح كل منها.. أما عاقبة إجراء الاستفتاء ونتيجته والمواقف منها.. إذا لم يتم تدارك الأمر وحودث توافق ـ فهي الانفصال سلماً أو تفجر الصراع مع إعلان الانفصال -أي الانفصال بلونه الأسود والأحمر- وعواقبه كارثية في كل الأحوال.
* عواقب الانفصال
إذا ما ت م إجراء الاستفتاء ونتج عنه أو أعقبه انفصال جنوب السودان وهو ما يلوح في الأفق أكثر حتى الآن سلماً أو مع حرب.. ما الذي يمكن أن يعتقده المرء أو كل معني بالأمر في عواقب انفصال يجزأ الدولة الواحدة ويذبح الوطن الواحد بأي لون كان ـ أسود أو أحمر؟!!
إن من الغفلة والتبلد الاعتقاد بعواقب خضراء أو بيضاء أو أنه إنقاذ لعروبة السودان كما يروج له البعض أو ينطبق عليه القول "سيبه يشيل همه وريح بالك منه" هذا محال ووهم لأن عواقبه تفتيتيه إنقراضية وكارثية مهما مر الانفصال بهدوء ومهما طال أمد بلوغ العاقبة مداها فستحل في الدار كله وفي الجار عرب وأفارقة ومن ملامح آفاقها:
أ‌. العواقب على السودان:
1) على الشمال: من أبرزها:
ـ إثارة الصراعات والتمردات بصورة أكثر حدة وفتح شهية حركات التمرد للمطالبة بالتقاسم أو استفتاءات انفصال مماثلة وتدخلات دولية وتفتيت السودان الشمالي أكثر.
ـ قد يتفجر الصراع بين الشمال والجنوب في أي وقت وأسبابه وبؤره كثيرة وتفجره بعد الانفصال سلماً سيعرض شمال السودان لتدخل أو عدوان قوى دولية طامعة لتمزيقه بحجة عدوانه على دولة أخرى وتحت غطاء الشرعية الدولية ـ هذا فضلاً عن مشاكل الحكم والصراع على السلطة هي غيرها من المشاكل التي سيثير بؤرها وتفجير صراعاتها ـ انفصال الجنوب ـ.
2) على الجنوب:ـ من أبرز العواقب:
ـ الجنوب بعد انفصاله سيكون هو نفسه الجنوب الحالي والانفصال سيثير كثيراً من المشاكل وفي مقدمتها واعقدها مقومات الدولة التي يفتقدها الجنوب بما فيها مشاكل البنى التحتية والفساد وبناء القدرات البشرية والأمية الأعلى في العالم بـ"80%" وسط الذكور وبـ"96%" وسط الإناث ومشكلات الأوبئة والأمراض كـ"الايدز الأعلى في الشرق الأوسط" وغيرها من المشاكل المتعلقة ببناء النظام والدولة.
ـ الجنوب يتسع بالتعدد والاختلاف والصراعات القبلية والأثينية ـ مع سيطرة قبيلة الدينكا أكبر قبائل الجنوب على الجنوب والحركة الشعبية ـ ووجود حركات تمرد ..وإذا ما سيست ووظفت هذه العوامل في الصراع على السلطة والثروة ستؤدي إلى صراعات وتمردات وربما تمزيق الجنوب.
3) على السودان ككل:
ـ سيفرض الانفصال على كلا الشطرين خيار الإصلاح السياسي والديمقراطية والمواطنة المتساوية كخيار وحيد وغير مضمون لتفادي الأسوأ ـ "فلماذا لا يتم الآن وفي إطار الوحدة الأجدى والأضمن للكل؟!".
ـ إلى جانب خسارة كل من الشمال والجنوب التكامل بعضها في الوحدة ستتمكن القوى الدولية والإقليمية من توظيف كل منها ضد الآخر وتنفيذ أجندتها وصراعاتها بالوكالة ضد دول أخرى والنتيجة تمزيق وتفتيت السودان وإهدار قدراته وضياع مستقبله ونهوضه الحضاري.
ب. العواقب على الدول العربية والإفريقية:
1) على مستوى الدول العربية:
ـ الدول العربية إلى جانب ما تعانيه من مشاكل وخلافات داخلية أو بينية تتسم معظمها بالتعدد المذهبي ومنها الديني والعرقي والتي أثيرت نعراتها بعد احتلال العراق في العديد من الدول العربية أصبحت مهيأة لإشعال فتيلها وأحداث تفتيتها وتمزيق معظمها أو أكبرها وسيكون انفصال جنوب السودان المفتاح المناسب والفيروس الفتاك الذي ستنتشر عدواه لتصدع الخريطة العربية وتمزيق دولها.
ـ ستتنقل عدوى فيروس انفصال جنوب السودان إلى كل الدول العربية دون استثناء ولو بعد حين ..من حيث إثارة الصراعات القبلية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية وتوظيفها في إطار الصراع على السلطة والثروة وبالتالي التمردات والحروب والتدخلات الدولية واستفتاءات وانفصالات وتفتيت ..والدول العربية كل منها سيصاب ..ومعظمها مؤهلة لذلك بمختلف الأبعاد والعناصر ـ جغرافياً إلى شمال وجنوب أو مذهبياً وعرقياً...إلخ ..ومن لا مدخل لها من ذلك فمدخل التقاسم والصراع على السلطة والثروة أو ستؤكل في الأخير من قبل القوى الطامعة بعد أن أكل الثور الأسود.
2) الدول الأفريقية ـ فتعج بالبؤر والصراعات القبلية والدينية والعرقية وبالتالي ستصاب بتفجر صراعاتها الداخلية وتمزيقها بالاستفتاءات أو بالحروب الداخلية.
3) على المستوى البيني سيؤدي الانفصال أو الصراع في السودان إلى عواقب كارثية على الدول الأفريقية وحتى العربية وإثارة الصراعات البينية السياسية والأيديولوجية وحتى الحضارية وغيرها ..فضلاً عن خسارة كل من الدول العربية والأفريقية خيرات التكامل مع السودان الموحد.
ج. عاقبة العواقب:
لن يصب استفتاء وانفصال جنوب السودان إلا في مصلحة القوى الإقليمية والدولية التي تتنافس على السيطرة على المنطقة وإخضاعها ..والتي لن تحقق ذلك إلا بوسيلتها المشتركة وهي تفتيت دول المنطقة وعلى رأس هذه القوى المحتلة والمغتصبة للأراضي العربية وتحديداً إسرائيل التي ستتمكن من السيطرة على منابع النيل وجنوب السودان والانطلاق منه لتنفيذ مآربها وإلى جانبها القوى المنافسة لها ـ المحتلة للجزر العربية "الإماراتية" ـ وبذلك تحقق هذه القوى ومعها القوى الغربية السيادة والسيطرة ويتحقق مسمى الشرق الأوسط الكبير..إلخ.
* الخاتمة.. في سبيل الإنقاذ:
إذا كانت الظاهرة الإنسانية متشابكة ولكل منها مستوياتها المتمثلة بالسبب والحدث والأثر ..وكل ظاهرة أو حدث تشكل سبباً لظاهرة أو حدث آخر هو أثرها الذي يشكل بدوره ظاهرة سببية لظاهرة أو حدث يعقبها وهكذا دواليك.
فإن أسباب حدث انفصال جنوب السودان اتضحت وتمثلها مجمل الخلفيات والمقدمات في هذا التحليل ..وهذا الحدث سيتحول إلى ظاهرة ومشكلة وكارثة تولد نفس شاكلتها في السودان وفي المنطقة العربية والأفريقية، ليتحقق للقوى الطامعة إخضاعها والتحكم بها والتسود عليها كغاية راسخة لدى هذه القوى لن تحيد عنها وهذه هي النتيجة النهائية.
وتبقى سبيل الإنقاذ في هذه المرحلة لدرء الاستفتاء أو الانفصال وليس تمرير الانفصال سلماً لأنه سيؤول إلى نفس العواقب عاجلاً أم آجلاً ..وينبغي عدم ادخار أي سبيل أو نصح ..والمسؤولية على عاتق أبناء السودان أولاً ثم العرب والأفارقة ..لأن الإنقاذ إنقاذ للكل فضلاً عن كونه واجباً دينياً وقومياً وإنسانياً ومضمون الإنقاذ هو بقاء وحدة الدولة السودانية إما عبر مبادرة استراتيجية تاريخية شجاعة من داخل النظام السوداني بإمكانية اختيار رئيس من الجنوب لفترة انتقالية تبدأ من تاريخ الاستفتاء وكلٌ يبقى حاكماً شطره ويتم خلالها صياغة دستور يقوم على بناء دولة ديمقراطية مؤسسية ومواطنة متساوية ولكل دينه .
بعدها سيكسب البشير التاريخ والوطن والرئاسة بعد هذه الفترة في ظل دولة سودانية موحدة مالم فسيبقى بعد الانفصال إن كتب له رئيساً للشمال فقط نفس ما سيكون عليه في هذه الفترة ولكن بعد خسارة الوحدة ومواجهة عواقب الانفصال الكارثية أو بالفيدرالية أو بأي خيار أو ثمن يضمن بقاء الدولة السودانية موحدة ويدرأ الانفصال ..وعلى الحكام العرب والأفارقة الدعم وعمل شيء فعلي في هذا السبيل وفي هذه الفترة الحرجة.. مالم فالكل يتفرج وينتظر كفرجة وانتظار الذبيحة لجزارها.. وما أمسى بجارك أصبح بدارك.. نسأل الله التوفيق واللطف.
* هوامش مصادر استفيد منها في بعض بيانات ومعلومات هذا التحليل:
1) محمد مبارك الجموعي ، انفصال جنوب السودان هل سيكون طاعون آخر الزمان، صحيفة "أخبار اليوم" عدد "2171" ، ج.ي، 23نوفمبر 2010 صــ8ـ
2) عبده مختار موسى ، مسألة الجنوب ومهددات الوحدة في السودان، مجلة المستقبل العربي، عدد "367" 9/2009م، صـ "63ـ 79"
3) علي صالح موسى ، الأوضاع السياسية في السودان وتطورات أزمة دار فور ، مجلة الثوابت، عدد "48" ، صنعاء أبريل ـ يونيو 2007م ، صـ7.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد