;
سعاد محمد عبدالله
سعاد محمد عبدالله

وزير لا يفهم !! 1957

2011-01-18 01:35:34


أحياناً كثيرة، أتساءل: هل نحن شعب لا يجيد الاستماع ومتعه الاستمتاع بالموسيقى والغناء والمسرح.. وبالفن بشكل عام؟
لماذا يصادرون حقنا في التذوق؟، لماذا يحرموننا من هذا الغذاء الروحي؟
حين كنت بعيدة عن أهل الفن والموسيقى في بلادنا ـ وحين أقول بعيدة أقصد هنا عن همومهم ومشكلاتهم وأعمالهم ـ ... كنت أظن أن المشكلات التي قد يتحدث عنها من قد يخوض في هذا الجانب هي الأفكار التي يحرم

أصحابها الموسيقى والغناء والنظرة الدونية المتخلفة التي مازال البعض ينظرون بها للغناء والموسيقى..
واعتقادي كان: إن الركود الفني الذي تعاني منه الحركة الفنية لا تخرج أسبابه عن تلك المعوقات التي ذكرتها.. لكن صدمتي كانت عميقة بعدما سمعته مما فاضت به شكوى بعض أعضاء الفرقة الموسيقية في عدن الذي

جمعتني بهم محاولة تحقيق فكرة كنت قد ناقشتها مع الموسيقي الشاب أحمد ابن الفنان شكيب جُمن.. ومن منا لا يعرف الموسيقي شكيب جُمن؟!، كم عزف لنا وكم غنينا معه ونحن صغار عندما كان يستضيفنا في برنامج (

نادي الأطفال). كم أتعبناه وكم كان يستحملنا.. يا الله كم أحب هذا الرجل (الله يرحمه ويسكنه جناته).
فكرتي كانت تشكيل فرقة موسيقية تحمل اسم (الأبناء) تضم أبناء الموسيقيين في فرقة عدن. فبدأت أتواصل مع أعضاء الفرقة التي صدمتني كلماتهم المحبطة المستنكرة فكرتي: كيف تريدين إحياء شيء قاموا بقتله؟، هل

ترجين ولادة مولود من جثة هامدة (جيفة)؟ وهل تعتقدين بأننا سنسمح لأبنائنا بأن يصبحوا شحاتين (أي موسيقيين) في بلد لا تعطي الإبداع والموسيقى أقل وأدنى اهتماماتها؟، في الوقت الذي أصبح العالم كله ينظر للموسيقى

بنفس الأهمية التي ينظرون بها للطعام والعلم والتعلم.
كان كبير عازفي الفرقة ـ عازفها الأول ـ أجرأهم على الحديث والتي بدت على نبرة حديثه مرارة الحزن كاشفاً مأساوية أوضاع مبدعي مكتب ثقافة عدن (الأستاذ أحمد سعيد محسن) لم يكن حديثه عن معاناته إلا باعتبارها

اختزال لمعاناة باقي مبدعي مكتب ثقافة عدن..
حكى عن ذلك الظلم الذي تكشفه 34 سنة خدمة عازفاً في هذه الفرقة مقابل معاش شهري لا يزيد عن ستة وعشرين ألف ريال.
بلهجة مشحونة بالسخط قال: يبدو أن التعامل معنا ما يزال وفق الهيكل الوظيفي لسلطنة (العبادل) حين كانت عدن مخلافاً من مخاليف لحج.. حكايات كثيرة رواها شاهداً على مأساوية أوضاعهم.
 حكايات تربك مشاعرك، لا تدري هل تضحك أمامها أم تحزن.. مما قاله عازفنا: زارتنا الفنانة فاطمة عيد والراقصة نجوى فؤاد في مسرح حافون بالمعلا أثناء قيامنا بعمل بروفات لإحدى الحفلات الفنية التي ستحييها

الفنانتين وحين طلبتا منا استخدام دورة المياه التي كانت مقفلة بسبب انقطاع المياه لعدم تسديد الفواتير المتراكمة.. لم ينقذنا من هذا الموقف سوى أحد السكان المجاورين للمسرح بعد أن سمح للضيفتين الدخول واستخدام حمام

منزله.
ومما قاله أيضاً: عزفنا أمام وزير الثقافة أهم المعزوفات العدنية والألحان العربية قبل أن ننقل إليه شكوانا.. وكان رده مختصراً في كلمتين (إنه لا يفهم) وقالها بكل برودة أعصاب وعااااادي.
وزيراً للثقافة لا يفهم!!، هل لا يفهم، لماذا لا يقوم مكتب عدن بصرف بدلات ترميم أوتار وترميم كمنجات التي كلما بليت قام العازفون بترميمها على حسابهم؟، هل لا يفهم لماذا لم يتم توفير زي جديد لأعضاء الفرقة بدلاً من

الزي الذي تآكلت خيوطه وتمزق نسيجه؟ وهل لا يفهم لماذا المعاش الشهري لأقدم عازف في الفرقة أقل من أجرة (طبالة) في فرقة مغنيات في الأعراس لليلة واحدة؟.
 وهل لا يفهماً أن العازف الأول في الفرقة يسكن في عشة متهالكة مصيرها الزوال؟ وهل لا يفهم أن تغييب الأنشطة الثقافية والفنية في المحافظات من خلال حرمانها من مخصصاتها المالية وما خلفه ذلك من فراغ يُعد أهم الأسباب

التي تهيئ الأجواء لمروجي ثقافة الأحقاد والضغائن؟! وهل لا يفهم لماذا يتم الاستحواذ على الموازنة السنوية لوزارة الثقافة داخل مبنى ديوان الوزارة وفروعها في المحافظات؟ وهل لا يفهم لماذا يعمل وزيراً للثقافة وهو أصلاً

لا يفهم؟ وهل لا يفهم لماذا هو لا يفهم؟!.
حين كنت استمع لتلك الهموم من عازفي فرقة عدن شعرت أن ستاراً قد انزاح من على بقعة في أقصى جدار الذاكرة.. كانت تحفظ بعض ما استطعت معرفته في فترات سابقة عن الحركة الفنية في عدن خلال عقد الستينات في

القرن الماضي.. لاح أمامي ما كنت قرأته عن وجود صحف كانت تصدر فترة الستينات في عدن حين كانت هناك صحافة فنية متخصصة منها ما هو أسبوعي ومنها ما هو شهري.. فرض وجودها الحراك الفني والثقافي

حينها..
كانت عدن يومها (فنياً) أشبه بالعاصمة اللبنانية (بيروت اليوم)، كانت قبلة لأهل الفن.. وتاريخنا عريق ومشهود له من قِبل الأشقاء بل كنا المصدر الأساسي للكوادر الإعلامية والفنية قبل ظهور الطفرة النفطية في

المنطقة.. وذلك الزمان الفني والأدبي هو الأرض التي نبتت فيها تلك الهامات الفنية لكبار نجوم الغناء اليمني رحمهم الله: أحمد بن أحمد قاسم، خليل محمد خليل، محمد سعد عبدالله، محمد صالح العزاني، محمد عبده زيدي،

والفنانة صباح منصر أطال الله في عمرها.
وحين تسلم الرفاق الحكم في نهاية الستينات جيروا الفن والأدب وكل مظاهر الحياة لما أسموه بتجربة الثورة وأشكالها النضالية.. كان في نظرهم السمو الروحي الذي يؤديه الغناء والموسيقى يتعارض مع قيمة التجربة

الاشتراكية الوليدة لذلك صدرت أوامرهم بالتغني بمآثر لجان الدفاع الشعبي والمليشيا الشعبية.. والخ، لكن جاء اليوم الذي تدني فيه الفن وبقي الرصيد الغنائي والموسيقي لأولئك الفنانين الكبار.
واستمر الإهمال للفن بل وصل بهم إلى درجة تكفيره.. واستمرت معاناة أهل الفن والمغنى.. وظلوا على أمل في أن تتحسن الأحوال يوماً بعد يوم وسنة تليها السنة.. إلى أن جاء اليوم الذي وجد المبدعون أنفسهم

يعزفون على قيثارة بلا أوتار.. ومدوا أيديهم ليقبضوا بها على آمال غالية فإذا بهم لا يقبضون إلا على خواء.. حتى السراب لم يجدوه.
مرت سنوات عشر ونيف.. سنوات عجاف منذ أن تولى مدير عام مكتب الثقافة منصبه. حاولوا خلالها العثور على خيط من خيوط نجاح مكتب ثقافة عدن كي يتعلقوا به حتى لا ينهار ذلك الصرح الثقافي الذي ظلوا يدافعون

عنه.. لكن هيهات العثور على ذلك الخيط.
ظل المبدعون يشتكون ويصرخون بهمومهم إلى أن بحت أصواتهم.. طالبوا برفع رواتبهم، أو ضمهم لصندوق التراث الذي يدر المال الكثير أسوة بزملائهم الموسيقيين، بعد أن تعثر تطبيق هيكل المبدعين الذي أمر به فخامة

رئيس الجمهورية قبل ست سنوات وتعثر بسبب إضافة مئات الأسماء من الإداريين للهيكل، فرفضت وزارة المالية تلك المغالطات وأوقفت العمل به.
معظم المسؤولين يعتقدون أن من حقهم ظلمنا وأن من واجبنا السكوت.. وهذه العقيدة البالية هي سبب الكثير من المشاكل.. وإن حياة اليأس والإحباط التي نعيشها بكل ما فيها من قهر ومرارة ليست ناتجة عن سوء توزيع

الثروة فحسب ولكنها ناتجة عن سوء توزيع الإنسانية.. المشكلة إذاً مشكلة الكبار وما يصنعونه بمجتمعهم.. عفواً من ظننا أنهم كبار.

لحظة..
هل تساءل بعضكم لماذا لم نعد نرى سهرات فنية على قناة عدن؟ لأن العازفين امتنعوا عن المشاركة فيها وذلك بسبب بخل قطاع التلفزيون الذي يرصد لكل عازف وبعد أيام من البروفات غير المدفوعة الأجر مبلغ وقدره ألفين

وسبعمائة وخمسين ريال (ومن شر حاسدٍ إذا حسد) والمبلغ هذا كان يصرف فترة الستينات واستمر العمل بنفس اللائحة تلك إلى اليوم بينما باقي زملائهم يستلمون مقابل السهرة التلفزيونية الواحدة مبلغ خمسة عشر ألف ريال.
شكراً للأربعة الأيام المعدودة الموزعة على: سبتمبر – أكتوبر – نوفمبر ومايو لأن لولاها لما علمنا بأن لدينا مكتباً للثقافة وبأن هناك موسيقى في اليمن.. حفلات يتيمة عقيمة يقيمونها على عجالة للاحتفاء بالأيام الأربعة

وأحياناً لا يقيمونها... أما آن الأوان للتغيير وإعادة الروح للفن وألوانه..


 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

علي أحمد العِمراني

2024-05-08 00:25:19

"1-5" حقائق عن اليمن!

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد