;
محمد بن راوح الشيباني
محمد بن راوح الشيباني

بعيداً عن السرب.. بعيداً عن القطيع 1991

2011-01-19 03:44:25


بعد قصة الشهيد (محمد البوعزيزي) بائع الخضار المتجول بعربته، الذي أشعل النار في نفسه احتجاجاً على الظلم الذي لاقاه من قبل شرطية تونسية في مدينة (سيدي بوزيد) وضع كافة البائعين المتجولين في اليمن قوارير بلاستيكية معبأة بالبنزين وملصقة بها علبة كبريت فوق بضائعهم كرسالة واضحة لجنود البلدية.. عساكر البلدية بدورهم ردوا عليهم برسالة أقوى حين تسلحوا بطفايات حريق بأيديهم استعدادا لمواجهة أي صاحب (عربية) يقدم على إحراق نفسه!!) ومع كامل اعتزازنا وافتخارنا بدم الشهيد " البوعزيزي" الذي أشعل شرارة الغضب الشعبي العارم بداية بطريقة عفوية دون أن يجد من ينصفه من بلاطجة وجهالة الأجهزة الأمنية التي تتجاوز مهامها وصلاحياتها يومياً في كل أقطارنا العربية دون استثناء.
لكن ما يعنيني هنا انه بقدر ما كانت البداية عفوية وطبيعية فقد تم التحكم بسير الأحداث وتوجيهها بعد ذلك إلى نهايتها بأصابع خارجية تقاطعت مع مصالح بعض مراكز النفوذ الداخلية.. وهذه ليست من أفكار (نظرية المؤامرة) التي يتحفنا بها بعض الأغبياء والبلداء المفتونين بـ(أميركا) ولكن بدلالاتها وقرائنها الواضحة للعيان في مسرح الأحداث واستغلالها القذر لأية أحداث في العالم الثالث لخدمة مصالحها وحتى اختلاقها وافتعالها إذا اقتضت مصالحها ذلك.. لبنان وباكستان وأفغانستان والعراق وغيرها مثالا.. وصحيح أن التاريخ ليس كله مؤامرات ولكنه أيضا ليس كله مصادفات بل هو مزيج من هذا وذاك.
وإذا كنا نحن العرب لا نفكر ولا نخطط فلا يعني أبداً أن غيرنا مثلنا والدليل تلك المقولة الشهيرة لـ(بن جوريون) عندما اعتمد نفس خطة العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م للحرب على (مصر)مرة أخرى في العام1967م وعندما اندهش قادته العسكريون من تصرفه كون الخطة مكشوفة منذ (11) سنة قال لهم بهدوء شديد(تقدموا بهذه الخطة على مسؤوليتي لأن العرب لا يقرأون وإذا قرأوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يعملون وإذا عملوا لا يحسنون وإذا أحسنوا عندها فقط يجب علينا التفكير باغتيالهم)، وهو ما حدث بالضبط مع الزعيم العربي الخالد (عبد الناصر) بعد ذلك.
 وعودة إلى الموضوع فقد كان اندلاع الأحداث في (سيدي بوزيد) طبيعياً ومفهوماً وأقصى ما يمكن اتخاذه في مثل هكذا أحداث هو إقالة وزير الداخلية لامتصاص الغضب وعودة الأمور إلى ما كانت عليه، لكنها عندما تسارعت فجأة بدون تدرج منطقي وغيرت مطالبها من احتجاج على تجاوزات الشرطة إلى المطالبة بتوفير فرص العمل لتنتهي بخروج الدكتاتور من البلاد.. فهذا تطور غير متسق مع الحدث أسباباً ونتيجة ما لم يكن وراء الأكمة ما وراءها كما يقال.
تسارع الأمور بهذا الشكل الدرامي يومئ بتدخل طرف ثالث قادر على تحريك الجيش وليس الشارع وحسب.. فالشارع في مدننا العربية سبق له وتحرك أكثر من مرة ولم يسقط حتى مجرد مدير أمن مديرية وليس رئيس بحجم الدكتاتور (بن علي) الذي يمسك بكل مفاصل الدولة والمخابرات والإعلام والبنك المركزي مثل أي دكتاتور عربي في جمهوريات الموز العربية.. والشواهد كثيرة على ذلك..
هذا التسارع الفجائي لم يكن ليأتي مصادفة بالتزامن مع زيارة الوزيرة الأميركية (قرطلة كلينتون) للمنطقة لتمارس سياسة بلادها العتيدة في الابتزاز ترغيبا وترهيبا.. مستغلة وجود الخلافات السياسية في هذا البلد أو ذاك وما لبنان وباكستان وغيرها عنا ببعيد.. ولأن (تونس)هي بالأصل تحت العباءة الأميركية منذ (الاستقلال) الصوري عن فرنسا وليس فيها ما يدعو أميركا للضغط عليها أو تهديدها إلاّ أن السياسة الأميركية ليس لها (عميل) ثابت تحافظ عليه.. ولعل (شاه إيران) بالأمس القريب نموذجاً.. وبالمقابل ليس لها عدواً دائماً والنموذج(إيران) اليوم وغدا كوبا وكوريا الشمالية.. ناهيك عن كشفها وتسريبها لحكاية العميل السري الأشهر صاحب الكود الشفري(مستر بيف) منذ العام 1957 الملك (حسين) وفضحه عبر الصحافة في العام 1977م، لذلك وجدت(أميركا) في أحداث تونس المفاجئة فرصة سانحة لا تعوض للتضحية بأحد (رجالها) في المنطقة لتضرب أكثر من(عصفور) بحجر واحد وتستغل ذلك خدمة لمصالحها الحيوية في المنطقة من خلال تركيع من بقي من الزعماء العرب متشبثا ولو بخيوط بيت العنكبوت برفضهم جعل بلدانهم تحت الوصاية الأميركية المطلقة التي تنفذ المطالب الأميركية حرفيا ضد مصلحة شعوبها بالشروط الأميركية الوقحة التي لا تتفق مطلقا مع مصلحة أي شعب في العالم.. قاده حاكمه بسوء إدارته وعبثه إلى الوقوع في الفخ الأميركي الذي لا فكاك منه إلاّ أن يشاء الله.
لذلك اعتقد جازما أن ما حدث في (تونس) هو عمل أميركي خالص بعد اشتعال الشرارة العفوية الأولى رغم أن (تونس) تعيش ازدهاراً اقتصادياً أفضل بكثير من بلدان عربية مسحوقة تحت خط الفقر حيث متوسط دخل الفرد التونسي (3720) دولار$ في السنة أي بمتوسط دخل شهري (67000) ألف ريال يمني وهذا دخل معقول.. ناهيك أن أميركا راضية كل الرضاء عنها..
ومن العصافير التي اصطادتها أميركا بنفس الحجر في أحداث تونس استغلالها السيئ للصراع السياسي في اليمن بين السلطة والمعارضة لتحقيق نزواتها في جزيرة سقطرى وغيرها.. في العام 1994م كانت أميركا تريد إسقاط النظام اليمني على خلفية موقفه السياسي من حرب الخليج الثانية الرافض لاستقدام القوات الأجنبية إلى المنطقة وليس المؤيد للغزو العراقي للكويت الشقيق الذين ندين نحن اليمانيين لهم بالكثير من الشكر والامتنان.. فأرادت إنهاء الوحدة بدعم مالي عربي وتخطيط أميركي تم أثناء زيارة النائب (البيض) لأميركا بدعوى العلاج وطرده للسفير اليمني (العيني) ومنعه من حضور المحادثات التي تمت بينه والمسؤولين الأمريكيين وهو أمر غير مسبوق في الأعراف والبروتوكولات الدبلوماسية ولا يسمح به أبدا لكنها المؤامرة على إنهاء الوحدة (ودفع الثمن) الذي هدد به (جيمس بيكر) وزير الخارجية الأميركي يومها القيادة اليمنية في تلك الفترة وهي آخر زيارة لوزير خارجية أميركي لليمن حتى زيارة كلينتون بعد "20" سنة.. والتي جاءت بنفس الابتزاز ولكن بمطالب جديدة تحت تهديد درس (تونس) للحكام العرب وإمكانية تكراره في أي بلد عربي يرفض الابتزاز الأميركي..
لذلك على الحزب الحاكم اليوم أن يعيّ الدرس جيدا ويتنازل لشعبه بإصلاح الأوضاع الاقتصادية أولا وقبل كل شيء.. فإصلاح الأوضاع الاقتصادية هو المدخل الحقيقي والوحيد لإصلاح الوضع السياسي برمته في كل الوطن.. أما تقاسم الكعكة مع المعارضة لن يقودنا إلاّ إلى إعادة إنتاج المرحلة الانتقالية بعد الوحدة وفترة الشراكة و الاعتلاف كل من جهته ولحزبه على حساب كل الوطن الذي تطاول عليه الليل بالأزمات والقلاقل..
التصالح مع الشعب بإصلاح الاقتصاد والتنمية وامتصاص البطالة وليس بمراضاة الحوثي والحراك والقاعدة فهؤلاء أدوات وصناعة أميركية خالصة مع ضمانة الجودة وقطع الغيار.. وعلى الحزب الحاكم أن يغربل نفسه أولا من المفسدين ليكسب شيئا من المصداقية المفقودة به ويشرك كافة أبناء الشعب المؤهلين في تحمل المسؤولية على أساس الكفاءة والخبرة وليس على أساس الولاء الحزبي للمؤتمر أو القبيلة.. فقد اثبتوا عجزهم وفشلهم خلال كل هذه السنين وسيكون المسؤول الوحيد أمام الله عن كل هذا الخراب الاقتصادي وهذا الفقر الكافر والأمراض القاتلة والبطالة المرتفعة ستكون أنت وحدك أخي الرئيس ولن يشاركك المسؤولية والعقاب أمام الله هؤلاء الذين ضاق الناس بهم ذرعاً بتصرفاتهم في الوظيفة العامة وتصريحاتهم الصبيانية غير المسؤولة مع الفضائيات والصحف اليومية.
رسائل معطرة:
خالص الشكر وجزيل التقدير للأستاذ/ محمد بن محمد عبد الله الاهدل -رئيس فرقة عمال الشحن والتفريغ في ميناء عدن الذي تواصل معي تليفونيا أولا للتوضيح حول طبيعة الأجور لموظفي الشحن والتفريغ في ميناء عدن- ثم عمل توضيحاً مهذباً للصحيفة نشرته الأحد الماضي وضح فيه مشكورا أن العمال في ميناء عدن يعانون نفس معاناة إخوانهم في الحديدة من حيث العمل باليومية وليس المرتبات الثابتة.. وأحيانا تمر عليهم أيام كثيرة بدون أي دخل يطعمون منه أسرهم وأطفالهم ونحن بدورنا نضع هذا بين يدي الأخوة وزير العمل ووزير الخدمة المدنية والتأمينات الاجتماعية وأمام رئيس الحكومة والقيادة السياسية للنظر في أحوال إخواننا العمال في مينائي الحديدة وعدن والمخاء.
والشكر الجزيل موصول للأستاذ القدير/ العزي مصوّعي- الإعلامي الكبير والشاعر الأشهر في مدينة (الحديدة) وأحد الشخصيات الاجتماعية والثقافية فيها ومؤسس (إذاعة الحديدة) الذي تواصل معي تـليفونياً أيضاً مثـنيا على هذه الصحيفة الغراء عن كل ما تقوم به ومذكراً لي بكل أدب وأخلاق بصحيفة (الثغر)الأسبوعية التي أصدرها في منتصف السبعينات إلى جانب صحيفة الأستاذ/ سعيد الجريك (الصباح) الطاغية الشهرة والتوزيع في تلك الفترة المجيدة الزاهية والعصر الذهبي الأروع في حياة (الحديدة) مدينة وميناء ورخاء اقتصادي لم يسبق له مثيل سوى ما تعيشه الحبيبة (عدن) اليوم واللهم لا حسد واللهم زد وبارك لإخواننا وأهلنا في (عدن).. تعويضاً لهم عن فترة الجحيم والشقاء.. وندعو الله مخلصين أن يـعُــمّ الجميع برحمته وإحسانه وسعة رزقه كي يذكروه كثيراً ويسبحوه بكرة وأصيلاً على ما رزقهم وهو خير الرازقين ..اللهم آمين.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

علي أحمد العِمراني

2024-05-08 00:25:19

"1-5" حقائق عن اليمن!

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد