;
محمد الحيمدي
محمد الحيمدي

خطاب التخوين وتشويه الحقيقة 1811

2011-01-23 01:08:10


في عالم السماوات المفتوحة يصبح من السخف تبرير القمع وتكميم الأفواه ومصادرة الحقيقة.. عبر ذات التابو التقليدي- الأضرار بالبلاد وتدمير الوحدة ـ الذي سلط حرية الفكر ونصب الكمائن لنخب السياسة والصحافة.. ذلك "التابو" المقدس ظل ومازال يطارد كل حزب وصاحب رأي مستقل ويضع كل قلم وفكر تحت مجهر الرقابة البوليسية لمباشرة حيناً والبوليسية بربطة عنق وبدلة "سموك" حيناً آخر ـ سيان الأمر ـ وفي الأنظمة العربية يتجلى الاستبداد في أبشع صور الهيمنة من خلال ادعاء كل نظام الأنفراد بالحقيقة.. وفرض الوصايا على الوطن والمواطن.. على الصحف والمنابر والأحزاب السياسية، ما يجب أن يقال أو لا يقال.. المشروع المباح وغير الشرعي المسكوت عنه .. ما يطرح من شواغل علناً وما ينبغي أن يردد من هواجس همساً.. ولعل واحدة من بدع الأنظمة القديمة / الجديدة اعتبار تشديد الخناق على الصحافة الوطنية والأحزاب لأزمة وضرورية في نص الاستبداد.. وإحدى المعدات الواقية من هبوب رياح التغيير.. وكل تلك الآثام المرتكبة في حق وعي المواطن تجري تحت بند ومسمى الوحدة والأضرار بسمعة البلاد، وتهديد الأمن القومي، ورسم صورة قاتمة عن أوضاع الداخل تظل تلك الأوضاع ـ في مطلق الأحوال أشد سواداً وقتامة من أي تناولة مهما بدت مغرفة في الكآبة والتشاؤم.
هكذا تمارس الدولة الاستبدادية تشويه الحقيقة بالصوت والصورة على رؤوس الأشهاد.. حيث تنصب المشانق للأقلام والأحزاب المغايرة وتنفذ أحكام الإعدام الأدبي والسياسي في حق المعارضة أحزاباً وأفراداً وصحفاً.. بالملاحقات البوليسية والأحكام الخطابية السياسية وتضييق الخناق تخوينياً وتجويعاً وترويضاً.. القضية/ الإشكالية تتجاوز وساوس الحكم وتدليسه ومقاربته بين الشفافية والصدق للجماهير التي ندعوا بها والتشهير والتجريم الذي نحاكم بموجبه.. التفكير الحر الذي نسعى من أجل إرسائه، وبين وهم مؤامرة قلب نظام حكم الأنظمة الانقلابية وحجب الوقائع الناطقة بسيل لا ينقطع من مظاهر الفساد والاستبداد ونسف وحدة الوطن بالخطاب التمزيقي المغلف بورقة سولفان رقيقة.
نعم.. القضية ليست في كشف مستور الأنظمة.. بل ماذا تبقى للأنظمة من مستور تخشى كشفه في الداخل وأمام الخارج، القوي المهيمن المسيطرة على مقدرات الأوطان.. من كراسي الحكام وحتى الثروات.. ومن كراس المدرسة وحتى حبة الدواء.
إنها مفارقة هي أقرب إلى السخرية ومن السخرية هي أقرب إلى الكوميديا السوداء! فأي منطق عقلي هذا الذي يسوطنا بكرابيج الحرص على وحدة الوطن.. مقدماً نفسه بفكر تظليلي وبثقافة كارثية تلاحق الجميع وتندس بين أوراقهم وأسرة مخادعهم.. تنصت وترصد وتصدر أحكام الأدانة وخطابات التخوين والمساس بأمن الدولة الاستبدادية وحتى تهديد الثوابت وزعزعة السلم الاجتماعي.. وهي مجموعة وصفات خرجت من مطابخ عطاري السلطة وقادتها.. وجميعها توصيفات ومسميات مدموغة بثقافة الاستبداد وإلغاء الآخر.
إنها بمجموعها متضادات خطابية سلطوية تدعي الحرص على الوطن المذبوح وهي تعني وطن الصفوة والقلة.. المذهب والقبيلة والطائفة.. وطنهم .. وطن الحكام.. لا وطن الجميع، ثم أين هي الثوابت التي تؤرق أنظمة الاستبداد: السيادة = صفر، الحقوق والحريات = قيمة غامضة لم تستحدث مرادفاً لها في قاموس ضاد الحكام السلم الأهلي = لوحة مملوءة بالثقوب السوداء النازفة دماً.
ثم هناك الفقر والأوبئة والبطالة وإعادة إنتاج التخلف من منهاج المدرسة وحتى تلفاز الرجل الأول والمصدر الرسمي المسؤول.. لم يعد مثل هكذا نظام ما يخشى عليه بعد أن أكمل عرية السياسي وأضحى ظهره مكشوفاً وكيانه رخواً.. واستمرارية قدرته على توظيف الوعي الشعبي الزائف في عداد المستحيلات.
وإذا كان العالم يعيش في زمن السموات فإن دولنا الاستبدادية أضافت إلى هذا المتغير تبعيتها وتخليها عن الوحدة الحقة واستقلالية الإرادة والقرار المستقل، وحاصل جمع الاثنين معاً يبرز للاستبداد تحسس مسدسه كلما اشتم رائحة الدفاع عن الحقيقة كما هي مجردة بلا رتوش تجميل أو مساحيق زينة، وبين الاثنين يثار السؤال: من يتهم من؟ ومن عليه أن يلاحق بتهمة التدمير والإساءة للوطن؟ من عليه أن يسدد فواتير تمزيق ورهن السيادة برسم البقاء؟ من عليه أن يدفع ثمن نحر المواطنة.. وتفكيك بنى الوطن.. من يستحوذ على القرار والمصير، يصنع السياسات ويقودنا جميعاً نحن الملايين صوب الهاوية بلا قرار وأزمات بلا نهايات وأنفاق مظلمة بلا نقطة ضوء في آخر النفق؟.
ثم ما الذي يمنح دولة استبدادية كل هذه الجسارة في توزيع الاتهامات التخوينية؟ كما أن كل هذه الآثام الضاغطة على الشعب لم تعد تمنح دعاة التغيير السلمي الديمقراطي فسحة أمل ضئيلة.. فائض من الوقت لاحتمال استمرار دولة استبدادية فقدت كل مبررات الحياة، كل شروط البقاء.
إنها الحقيقة ولا مجال للمواربة.. لأعزاء للمخاتلين.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

عدنان العديني

2024-05-20 00:34:14

ماذا يريد الحوثي؟

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد