;
معن بشور
معن بشور

كلام لا بد منه في ثورة مصر 2362

2011-02-09 04:19:30


فيما أنظار الأمة كلها مشدودة إلى مصر تواكب ثورة شعبها التي يمكن تصنيفها في موقع الثورات التاريخية بكل المقاييس، وفيما يتفوق حسني مبارك ونظامه في فن الكشف عن الوجه الحقيقي لعهد أمسك بمصير المصريين لعقود ثلاثة مضيفاً إلى سياسات التبعية والخنوع وممارسات الاستبداد والفساد، بعداً إضافياً هو بعد الإجرام والإرهاب عبر ما شهدناه في ميدان التحرير يوم الأربعاء الماضي، نجد أنه من الضروري أن نقف أمام حصاد أولي للمكاسب الضخمة التي حققتها هذه الثورة حتى الآن.
1. لقد أسقطت هذه الثورة، وقبلها انتفاضة تونس المجيدة، كل محاولات التشكيك بدور الشعوب وقدراتها سواء من قبل حكام استمرأوا الاستبداد والإقصاء، أو حتى على يد "منظري" سلاطين الداخل والخارج ممن احترفوا نهج الاستخفاف والازدراء بالجماهير.
2. وأسقطت ثورة مصر الشعبية كذلك منظومة سياسية وإعلامية، وربما فكرية، تمادت على مدى عقود مهمتها التشكيك بدور مصر وشعبها وهويتها وقدرتها، وهو تشكيك ينضوي تحت لواء التشكيك الشامل بالعرب كلهم الذين طالموا جرى وصفهم أنهم "ظاهرة صوتية" أو أمة "قابلة للاستبداد" في محاكاة سمجة لنظرية المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي حول "القابلية للاستعمار".
3. وأسقط شباب مصر عبر ثورتهم الرائعة، وبسالتهم الاستثنائية، وصمودهم العظيم أيضاً، تلك النظرة الظالمة "الفوقية والمتعالية" التي تحكمت بكثيرين في نظرتهم للشباب، فتوغل في وصفهم بأنهم شباب غارق في الميوعة، ومنصرف عن هموم مجتمعه وقضايا أمته، وتقيم حفلات "الندب" على مستقبل الأوطان مع شباب مسكون بملذات الحاضر، فاذا بهؤلاء الشباب ينتفضون، ويقودون مجتمعاتهم، ويبتدعون وسائل تحركهم وأساليب صمودهم، ويتجاوزون كل المؤسسات التقليدية التي لم تجد مفراً من اللهاث خلفهم.
4. وفي وقت ظن فيه النظام الرسمي العربي عموماً، والنظامان المصري والتونسي خصوصاً، أنه قد نجح في تدجين القوى السياسية، وتجويف الأحزاب وتشتيت الحركات، وتشويه النقابات، فإذا بالشباب عبر مواقع التواصل فيما بينهم، وعبر المبادرات الخلاقة التي يطلقونها، وعبر اللجان الشعبية التي يشكلونها، يفاجئون الجميع بقدراتهم على ملء فراغ أوجده استبداد الأنظمة وترهل التنظيمات، وهو فراغ تأباه الشعوب كما الطبيعة.
5. وفي وقت تباكى كثيرون، لا سيّما على المستوى النظري من غياب المشروع العربي في منطقة تتقدم فيها مشاريع أخرى كالمشروع الإيراني والمشروع التركي، بل إن البعض حاول أن يعزو ذلك إلى مطامع إيرانية أو تركية دون أن يعتبر أنه نتيجة عجز أنظمتنا ورهن إرادتها للطغاة المستعمرين، تتصاعد اليوم الآمال بأن تقوم مصر الثائرة، ومعها كل مواقع المقاومة والممانعة في أمتنا العربية، بإحياء المشروع العربي المفقود، وهو المشروع المتكامل بالضرورة مع مشاريع الأمم التي تربطنا بها دائرة حضارية واحدة، كما تشدنا إليها مصالح ومصائر وتحديات مشتركة وفي مقدمها التحدي الاستعماري الصهيوني.
6. وفي وقت شكك فيه كثيرون بوحدة العرب ونعوا عروبتهم ومجدوا عصبيات ضيقة، إقليمية وطائفية ومذهبية، وروجوا لغزائز انقسامية بالمال والإعلام والتحريض بكل أنواعه، جاءت ثورتا مصر وتونس وما أطلقتاه من تداعيات وتوقعات وتطورات على مستوى الوطن العربي الكبير لتؤكد مرة جديدة أن هذه الأمة هي أمة واحدة، وأنها وحدة سياسية اجتماعية تتأثر أجزاؤها كلها بما يواجهه أي جزء منها. فالزلزال الذي ينطلق في قطر واحد تشمل ارتداداته كل الأقطار، والانتفاضة التي يشعلها شباب بلد ما تصبح انتفاضة الشباب على مستوى الأمة، فكيف إذا كان القطر هو مصر، والانتفاضة هي انتفاضة شباب مصر.
7. لقد روّج منظرو السلاطين "والقوارين"- نسبة إلى قارون- أنه بعد سقوط الأيديولوجيات، وسقوط الأنظمة الشمولية، وسقوط الطبقات الإقطاعية القديمة، وسقوط الديكتاتورية العسكرية، وسقوط الأحزاب والقوى الشعبية، فإن منطقتنا- حسب هؤلاء- دخلت مرحلة حكم "رجال الأعمال" لأنهم عصريون وناجحون ومتواصلون مع عالم تحكمه منذ نهاية القرن الماضي، الليبرالية الجديدة "النيوليرالية"، وانعقدت في ضوء تلك النظريات تحالفات غير مقدسة بين المال والسلطة، حيث يوصل المال أصحابه إلى السلطة، وحيث تمكن السلطة أصحابها الجدد من أن يغرفوا المزيد من الأموال من خزائن الشعوب وعلى حساب عرق المواطنين ودمائهم.
ما حصل في مصر، وقبله في تونس، وبعده في غير قطر عربي، أظهر أن هذا الحلف غير المقدس قد بدأ ينهار، وأن خلف أسوار القصور، "ووقار" الحكم وهيبته، تقطن مافيات، "أين منها المافيات المعروفة؟!"، مستعدة لأن تستخدم أبشع الأساليب والوسائل لكي تبقى حيث هي في مواقع مص دماء الشعوب وخيراتها. بل تموّل بلطجية يقتلون الناس بدم بارد في ما يمكن تسميته "بفوضى البلطجة الخّلاقة" والتي سماها رئيس الوزراء الفريق أحمد شفيق بأنها "مجرد مشاغبة"، وربما "مداعبة"!!.
فليس من قبيل الصدف أن يكون مثلا أول "ضحايا" ثورة مصر أحمد عز رمز الفساد والإفساد والتزوير معاً، وأن يضطر مبارك لأن يخرج من "حكومة ما بعد 25 يناير" وزراء وصلوا إلى مواقعهم عبر مصاعد المال والثروة والفساد، رغم أنهم جيمعاً من "أعز" أصدقاء ابنه ورجاله، والأمر ذاته نراه في تونس أيضاً رغم محاولات الالتفاف الجارية حالياً.
وللمناسبة ينبغي أن نميّز بين "رجال مال وأعمال" هم أقرب إلى السماسرة وبين رأسماليين قادوا في بلادهم نهضة إنتاجية كطلعت حرب الذي يحتضن ميدانه الفسيح في القاهرة آلاف المتظاهرين اليوم.
8. قبل ثورة مصر وتونس، كان بعض "المعارضين" يبرر الاستقواء بالأجنبي والاستعانة بدبابات الاحتلال لتغيير الأنظمة التي يعارضونها بذريعة عدم قدرتهم على التغيير دون الدعم الخارجي، فإذا بشباب الأمة ومصر وتونس يقدمون نموذجاً للتغيير الصحيح بيد الشعوب نفسها، ويسقطون الاستبداد والرهان على الأجنبي. غير أن المحاولات الأجنبية، لا سيما الأمريكية، لركوب موجة التغيير في بلادنا "وهي محاولات ندينها ونرفضها لأننا ضد التدخل الأجنبي بكل أشكاله، وأيّاً تكن مبرراته"، هي إقرار بأن الشعوب إذا قررت فإن الأجنبي يلحق بها، فيما كنا نعيش مرحلة يلتحق فيها حكامنا بأذيال الأجنبي ويلهثون وراءه وينصاعون لإملاءاته.
طبعاً لثورة مصر، ومعها ثورة تونس، حتى الآن إيجابيات كثيرة على المستوى السياسي والشعبي، وقد أشار إليها العديد من السياسيين والمحللين، ولا مجال للتذكير بها الآن، لكن الإيجابية الأكبر تكمن في أنها نجحت في تغيير معادلة جثمت كالكابوس على صدورنا لسنوات، بل لعقود، وهي معادلة "الأنظمة تخيف الشعوب" لتصبح معادلة "الأنظمة تخاف الشعوب".

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد