;
محمد الحيمدي
محمد الحيمدي

عدن بؤبؤ العين وفاكهة القلب 1685

2011-02-15 03:08:57


سموا عدن ما شئتم والوصف مهما تضخم وترهل.. أو تضاءل وانحسر شموخه لا ينتقص أو يضيف للحقيقة مقدار حبة خردل.. عدن لا تتدخل بصراع ديكة.. لا ترمي بنفسها إلى مساحة إسبانية حمراء.. تتنازع مع الأخريات.. الأسماء والألقاب والنياشين.. عدن لا تخوض حرب عواصم.. ولا تسعى إلى ترسيم حكومي وختم المؤسسة لاعتمادها عاصمة أو تجريدها بقرار سياسي من مجدها التليد.. عدن هي المدينة التي لا زالت تشكل بؤبؤ العين وفاكهة القلب.. أصالة الأمس.. والغد القادم المنتظر.. يا أصدقائي لا تفتشوا عن العواصم في الممرات الشاهقة.. في اغتصاب الإسفلت لمواقع الخضرة ومشاتل الزرع.. لا تفتشوا عن العواصم في الجيوش والعتاد والمواكب الرئاسية.. فتشوا عن العواصم خلف جدران شاهقة العمران.. في الناس والعقول.. في نمط سلوك ووعي البشر.
حيث التسامح.. تكون المدينة.. وحيث الانتفاح على ثقافات وحضارات الآخر.. تكون العاصمة بمعناها المجازي وفعلها الدلالي الرمز.. حيث القدرة على الإخصاب والتلاقح وعدم الانغلاق..تكون العاصمة بوصفها المعنوي لا المادي الفج، وحيث القدرة على الإصغاء وإثارة الأسئلة والبحث الرصين عن الشواغل الإنسانية الرحبة تكون قيم المدنية في كامل عافيتها وكمال لياقتها المنتجة.. وحيث تكون كل هذه مجتمعة تكون عدن.
لا يهم ما الذي حملته عشرون سنة عجاف على المدينة المشرئبة بصنعها بعيداً خلف زرقة المياه والخلجان والبحار المنفتحة على تفاحة الأرض.. لا يهم الندوب التي تصنعها أسراب الهوام القادمة من أعالي القمم على الوجه الحضاري للمدينة.. ولا يعني عدن أن تكون على رأس جدولة الاهتمام الحكومي أو في ذيل القائمة.. فلعدن لغتها الحكيمة.. وعيونها المقتحمة.. وتفاؤلها المؤسس على يقين متوثب.. يرمح بكل قواه نحو غدٍ مختلف ومستقبل مغاير لم يأت بعد.. ولكنه قادم ولن يطول.
تسألني.. عن عدن.. أجيبك الآن.. ومتى كادت النيران تخمد أنفاس مصهر وأتون الشرر.. عدن مصهر للهويات.. وأتون للمزج وإعادة الخلق للهوية الواحدة، كسرت هجمات"سكسونية مستلبة" وحافظت مع لون الطين وسمرة الوجه على انتمائها الواحد.. لوطن واحد يتسع للجميع.. ومواطنة عادلة متساوية تحمي وتحصن الجسد من ضغوط الانكفاء على الخصوصية حد الاجتزاء من وحدانية الانتماء وحتمية المصير.
يا صديقي عدن تقاوم.. الصراخ الأزلي بين: همجية الجبل وانبساط الساحل.. بين عنف القمم.. وقدرة السهل على امتصاص العنف ومحاصرته قبل إعادته على أعقابه خائباً منكسراً.. لن أتحدث بلغة العدل والظلم.. بثنائية ما كان بالأمس.. وما هو كائن اليوم.. وما سيكون في الغد.. لن أدقق في الأرقام والأدلة المفحمة.. عن زمن الوفرة.. وراهن القحط والجفاف.. لن أقع في كمين يستدرج ويغري للحديث عن التمايز.. ومراتب المواطنة المتعددة عن السلطة والحقيقة.. عن جروح الهزائم وآثام الانتصار..لن أخوض في كل هذا..فمن يفعل هذا كمن يخوض في دمه.. لن أكون ضحية غبية للحدث عن الحزن المقيم والفرح المتشهى.. المؤجل.. أو المصادر أو الكامن في حالة توثب ولحظة انتظار,, وكهوف.. لن أكشف عن العمران الذي يشوه المدينة.. لن أقلب سجلات مراكز القوى.. أو أتلو كشف الحساب بمن يعبث بالمدينة.. يلوث السياسة.. يردم مسالك التواصل ويسد في وجه عدن الدروب الموصلة للشخصية المكملة لا الملاحقة بالوطن.. لن أعود ما فعلته عشرين سنة من عبث أوقف قلب البحار.. أهال عليها التراب.. وبدد الموروث.. أخل بالتوازن البيئي والطبيعي.. والإنساني.. لن أقرأ لك قوائم الملاك المتنفذين.. من يملك اغتصاباً أراضي عدن.. ومن ينتهك المتنفسات والشواطئ بغابات خرسانية مقيتة.. إن لغة السياسة بمثالبها ومكائدها لا تليق بمصاب عدن.. وإن آداب المحاججة وأدبيات المناظرة المنهجية.. لا تستقيم والحالة التي تعيشها عدن.
سنوات وعدن تتكوم على نفسها دفاعاً عن الذات والخصوصية.. ولا تنغلق.. عدن تختزل الصراع بين التقدم.. والتخلف.. للأصالة الجامدة والمعاصرة.. قوة الأسمنت ونفاذ القيم.. طلاء العمارات الخالية من سكانها العاجزين عن توفير النظام ومداواة تشوهات الروح وندوب الجسد.
عندها لايهم ما الذي تحول فيها.. أو حتى ما تبقى منها.. عدن تفكر بما ستكون عليه وإلى أية نهاية تصير المواجهة بين جدب البداوة وخصب المدن الحاضرة.
أما قبل وبعد.. لا يهم العقل العربي العاصمة السابقة.. العاصمة الراهنة.. إنها أشبه بالرئيس السابق.. المطاح به بانقلاب.. والرئيس الظافر القادم على دبابة انقلاب.. إن العواصم يا صديقي أشبه في الوعي العربي بحال السياسة والزعامات.. ليس هناك من ثابت.. ليس هناك من أزلي.. ليس هناك من مقدس.
 لندع.. يا صديقي حديث العواصم.. ولنقرأ قليلاً في دفاتر الوجع الإنساني الدائم في أحزان المدن.. فالمدن تحزن هي الأخرى.. تتألم ولكنها لا تشيخ أو تموت وعدن ولادة لا يصيبها العقم!!.. لننظر قليلاً.. ولنرى حصاد الأيام القادمة!!.
إشارة: "عزيزي القارئ هذا الموضوع إجابة غير مباشرة على سؤال طرحه أحد الكتاب العرب في صحيفة عربية حول عدن بعد "20" عاماً بين عاصمة الأمس.. ومدينة اليوم!".
alhaimdi@hotmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

عدنان العديني

2024-05-20 00:34:14

ماذا يريد الحوثي؟

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد