كان المطلوب التضحية بالسهل والرخيص وليس الغالي والنفيس، عندما كانت مطالب الناس أيسر بكثير من الذي يعلن عنه سيادة الرئيس، لأن المطلوب كان قطع يد سارق للمال العام أو سجن فاسد متلاعب وإعادة ما يتم نهبه للخزينة العامة , كان مطلوب فقط أن تسود العدالة النسبية في أروقة المحاكم التي يقصدها الناس لحل قضاياهم أو رفع مظلمتهم، فيجدون أنفسهم بين أيدي قضاة ((لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة ))، فلا تحل لهم قضية ولا ترفع عنهم مظلمة ويبقى السائد فيها والمنتصر من يملك المال أو الجاه ويظل الميزان المنصوب كشعار على وزارة العدل دليلاً على البيع والشراء للذم وخيانة الأمانة لا دليلاً على العدل والقسطاس المستقيم .
كان مطلوباً نوع من المساواة في المواطنة يكفلها ويحميها القانون عندما غابت هذه الحقوق بفعل تسيد القبيلة وعاداتها الجاهلية أثناء تغييب القانون بفعل السياسة الهوجاء والسلوك المتبع في التعامل مع الكثير من القضايا والتصرفات التي أشعرت المواطن بالغبن والدونية أمام الآخر.
كان المطلوب أن تخضع الوظيفة العامة للكفاءة والمؤهل والمفاضلة لا للقبيلة والوساطة والانتماء الحزبي أو الشروط الخاصة بالولاء والعلاقات الشخصية.
كان مطلوب مراقبة أداء الوزراء والمحافظين ومدراء العموم ومحاسبتهم عندما تحولوا من موظفي دولة إلى تجار وشركاء تجار ومقاولين وشركاء مقاولين يبحثون عن الصفقات التي تثريهم وعائلاتهم، متناسين أداء مهامهم في وظائفهم العامة .
كان المطلوب الاهتمام بالتعليم الذي وصل مرحلة الحضيض نتيجة انتشار الغش في العملية التعليمية وغياب المعلم المؤهل والمنهج المناسب والمطور والمدير النزيه والكفء والمؤهل .
كان المطلوب توفير الصحة والاهتمام بالخدمات الصحية ومحاربة الفساد والمتطفلين على الصحة من خارج التخصص الذين حولوها من مهمة ورسالة إنسانية إلى تجارة جشع ضحاياها المرضى من المواطنين وأهليهم الذين يعانون الأمرين عند خسارة أموالهم واستفحال أمراضهم وقد يدفع الكثيرون حياتهم ثمناً لهذا الجشع المستفحل.
أشياء كثيرة كانت مطلوبة وأشياء كثيرة كانت بحاجة للتغيير أو المعالجة أو المحاسبة وأشياء أخرى كانت تحتاج لأن يضحى بها في سبيل الوطن وهي كما أسلفنا في بداية المقال رخيصة وزهيدة لا غالية ونفيسة.. فمحاسبة الفاسدين وتطبيق الأحكام القضائية عليهم مهما كانت حتى الإعدام أو تطبيق حدود الحرابة تضحية رخيصة أمام الوطن.. وإقالة مسؤول ومحاسبته لمخالفة ولو بسيطة تضحية رخيصة في سبيل الوطن.. وإعدام قاطع طريق أو خارج عن القانون تضحية رخيصة في سبيل أمن المواطن والوطن.
ألا يتفق معي الجميع أن هذه تضحيات رخيصة لو حصلت لكانت أغنت الرئيس والوطن عن تقديم وبذل التضحيات الغالية والنفيسة أو الممهورة بالدم، لأنها كانت إحقاق لحق ونصرة لعدالة ونشر لقانون ينشدها الناس ويبحثون عنها ويأملون تحقيقها . وهي التي بغيابها تسببت في وصول الحال إلى ما هو عليه من تأزم وانعدام الثقة وإرباك وخوف وقلق , وهذا ما كنا نحتاج أن تضحي به يا سيادة الرئيس، أما ما عدى ذلك فلسنا نفهم التضحية بالغالي والنفيس وبالدم من أجل الوطن الذي آزرك ونصرك ووقف معك المواقف كلها لم يخذلك أو يخونك أو يغدر بك، بل أنه ضحى بالكثير عندما صبر كل هذه السنين على الفاسدين وهم ينهبون خيراته وثرواته ويتلاعبون بأمنه وسكينته غير أنه وجد أن صبره قد نفذ بعد أن أعيته الحيل ورأى المستحيل أقرب إليه من تغيير الأوضاع التي طالما اشتكى منها وطالب بتغييرها.
وهو اليوم بأمس الحاجة لرد الوفاء ولملمة الشتات والتمزق، فهل التضحية الموعودة هي التي نفهمها بالمفهوم الإيجابي ؟.. نأمل ذلك ونتمنى.
