تختلف الأنظمة وتحترب بالصحف وتخوض حروب البيانات ولكنها في كل الأحوال منتمية إلى جذر استبدادي واحد، ومشدودة لأواصر مشتركة وقواعد لعب تكرس سلطة الفرد المطلقة وولعه وهوسه بالحكم، واندفاعه المجنون للإطاحة بمطالب التغيير والتبادل السلمي للسلطة وتوسيع قاعدة المشاركة في صنع القرار.. حتى وإن أدى الأمر إلى إدانة كل الشعب ووصمه بالعمالة والجهالة وعدم الأهلية، بل إبادته ومحوه عن الوجود.
وفي النظم الاستبدادية تتصاعد روائح الفساد وتضيق دائرة البطانة والممسكين بمقاليد الأمور، حتى أنها بالكاد تتجاوز العائلة أو القبيلة إلى بعض المنتفعين، القانعين بقليل من فتات كعكة الحكم.. وفي المقابل تتصاعد المعاناة الشعبية وتتضاءل الحقوق ويتحول الشعب إلى بقرة حلوب تدر على الحاكم الضرائب ووقود الاستمرار على قمة هرم السلطة.
وحين تتراجع مساحة الحريات يلوذ المواطن المقموع، بالنكت والقول اللاذع لكشف المساوئ والتحرر من أعباء القهر والإحباط، ومصر على مدى تاريخها المقاوم للنظم الاستبدادية غير الديمقراطية تتقدم سائر الدول العربية في ابتكار النكتة الحارقة والكاريكاتير اللاذع.
ولأننا في اليمن نقف على قاعدة واحدة وننتمي إلى نسق واحد –شعباً وحكاماً- ملوك متفرعنين وصعاليك مواطنين هرستهم طواحين الظلم والاستبداد.. لأننا نتجرع من ذات الكأس، فلا بأس من إطلالة على مجموعة من الرسوم الناقدة مع الاعتراف بصعوبة إحلال الكلمات محل خطوط الكاريكاتير بالذات.
ومن كتاب بهجت "حكومة وأهالي.. وخلافة" نعرض بعض ما جاءت به القريحة الشعبية المصرية، المفطورة على مواجهة الملمات بالابتسامة الحكيمة.. ومجابهة عسف الحكام بتصويرهم كبهلوانات سيرك.. وننوه إلى أن ما سنقدمه من نكت ساخرة قبلت وانتشرت وراجت في عهد الزعيم الراحل "جمال عبدالناصر و السادات والمخلوع/ مبارك"، ففي مجال سيادة القمع وانتهاك حقوق الإنسان يحمل الفلاح ابن النيل صحيفة يتصدرها ما نشيت –عنوان- "يوم حقوق الإنسان" ويعلق بهجت قائلاً: معناها الحكومة لها 364 يوماً وإحنا لنا يوم".. ونرى في لوحة أخرى عسكري يقدح الشرر من عينيه، يتهدد المواطن المقهور "ده يوم واحد وفات.. استنى بقى للسنة الجاية".
 وعلى مقهى يحدث أحد العمال المكدودين نفسه، عقب سرقة عصمت السادات للملايين وهروبه إلى أوروبا "يعني لو كل واحد اشتغل أخو رئيس الجمهورية لمدة أسبوع.. مش كان زمان الشعب كله مليونيرات".. شاويش، عسكري، أرعن يلقي القبض على مواطن لرفعه يافطة "العلم نور" بحجة أن الشعار ضد سياسة الدولة لأنها تطالب –أي الدولة- بترشيد استهلاك النور.
وللسخرية من تكريم اللصوص والفاسدين ونهابي قوت الشعب ومنحهم الأوسمة والنياشين يصرخ أحد اللصوص وهو يحمل "عدة الشغل" قائلاً: "دي مش مفاتيح يا جاهل دي نياشين" وصاحب مقهى يقرر طرد الصبي القهوجي "الواد ده ملوش عيش معنا.. اديله نيشان وخليه يتوكل".
رجل بوليس –شرطة- يجري بعد مواطن فيما يعلو صوت المواطن المرعوب متوسلاً "يا عم أنا راجل شريف.. تديني نيشان ليه بس؟!".
والإمعان في سياسة تجهيل الناس يحمل مسحراتي الحكومة الطبلة والهراوة هاتفاً في الحواري "متصحاش يا نايم ويا صاحي نام" وعندما يتحول الشعب إلى كابوس ومصدر قلق لذوي الكروش الكبيرة.. يشكو أحد الكبار من هذا الشعب المتشبث بالأرض، المصر على البقاء قائلا: "اطعناه في طوابير الجمعية والعيش والسوبر.. وقرفناه بالمجاري.. وبهدلناه بالموصلات.. وكعبلناه بالشوارع.. وطهقناه بالأسعار وبرضه يا أخي مش عايز يحل –يرحل- عنا"..
حرامي على باب الكريم وأب يشرح لابنه "ده يا بني زي ما تقول لبس الأشبال أو الطلائع.. إنما لبس الحرامية الكبار غير كده".. مسؤول حكومي على شاشة التلفزيون "المعارضة بتستغل معاناة الجماهير وإحنا بنخلقها.. ده معناه إننا منتجين والمعارضة مستغلين".
مواطن يقول لمخبر: "أجهزة إعلامك بتقول أن الشعب وحشين.. وأنتم كويسين.. ما تغيرونا وتجيبو شعب غيرنا".. أم تقرص أذن طفلها بعد أن سمعته يردد كلمات أحد الوزراء "الكلام اللي يقوله الوزير ده في الجرايد ما يتقالش في البيوت.. سامع".
وفي نقد لخطاب السلطة امرأة تلقي شتائمها على الملأ: يا دون يا غجر يا إبره مصدية جنب الحيط مرمية.. يا وحشين يا زبالة".. فيما يطمئن الأخ أخته "لا دي بتتمرن علشان تمسك وزارة في التعديل الجاي".
ومن فساد خطاب الحكم إلى فساد الصحافة ننتقل مع "بهجت" لنقرأ تعليقاً لأحد القراء يقول "فيه تغيير في الصحافة الحكومة.. جريدة "مايو" حيبقى اسمها أول أبريل".. وآخر يقول "وفيها أيه لما يزرعوا قلب صناعي؟ ده الإعلام بتاعنا بيزرع لنا كل يوم أمخاخ صناعية".. وثالث يقول: "فعلاً الصحافة بتخدم الجماهير العريضة .. إنما النحيفة لا".. ورابع يقول: "أنا جايب جرنال واحد وكل يوم أغير التاريخ بتاعه وأقراه".. وتعليق خامس حول مضاعفة أسعار الصحف يقول "الجرايد بس اللي غليت إنما الكلام اللي فيها لسه أغلبه رخيص".
بعد هذه الباقة والتعليقات الضاجة بضحك يفوق البكاء.. أليس حال العرب من بعضه شعوباً مغلوبة وحكومات طاغية؟!.
alhaimdi@gmail.com