زمان ونحن أطفال كنا نظن أن ليلة القدر شيء محسوس وكنا نطلع ننتظرها في الجبا
ـ لو تجي ليلة القدر أيش باتطلب منها ؟
ـ سيارة
ـ أنا باطلب طيارة
ـ ومن ذي ع يسوقها لك ؟
ـ أنا باسوقها ، ما احب احد يسوق الطيارة حقي.
ـ إذا كنت حتى الآن مش قادر تركب حمار ، اليوم الأول رحت تركب حمار جدك زبطك وقالك " روح العب بعيد".
ـ الحمار مابش معه عقل، لكن الطائرة بتفهمها وهي طائرة
ـ وفين ع تحطها في صبل البقر والا ع تخبيها سع المحفظة تحت الفراش ؟!
وما أجملها وأروعها من فكرة كانت تسحر عقولنا وأفئدتنا كأطفال انك في لحظة أي حاجة تطلبها تتحقق لك ؟
كأن الأحلام تتطور وتتبدل مع كل عام يمر ومع كل ليلة قدر تأت يعني اللي كان يتمنى طيارة في طفولته ، أصبح يتمنى عروسة في مراهقته.
ورغم أن أحلامنا لم تكن تتحقق الا أننا كنا نحتال عليها، فالطائرة الحلم التي تطير في السماء ولا نستطيع الوصول إليها ، نستطيع أن نصنع منها أربعين طائرة بدفتر أبو أربعين ورقة.
والعروسة التي تحلم فيها تتزوج على الفور وكأنك حلمت بها لواحد ثاني ..
ومع المدى وكثرة الأحلام التي حلمنا بها طوال فترات حياتنا ولم تتحقق أصبحنا عندنا مناعة من عدم تحقق الأحلام ، فصار الواحد منا أبو شريحتين شريحة يحفظ فيها الحلم وشريحة أخرى يحفظ فيها الكابوس المقابل للحلم ..
وشيئا فشيئا أجبرتنا الظروف والصرعات المتوالية من الحياة على التخفيض من مستوى أحلامنا " على قدر فراشك احلم .." ، احلم على قدك ، واحلم من مستواك ، فصار الواحد منا لا يحلم بالسفر لأنه لا يملك ثمن أجرة باص، فما بالك بتذكرة سفر ولا يحلم بالغنى لأنه بالكاد يحصل على مصروف يومه ، .. الحلم الوحيد المتاح له انه يتفوق دراسياً ويحقق أعلى الدرجات ويصبح جراح قلب مشهور أو طيار محترف أو أو ..
ومع حالة البلاد كانت هذه الأحلام الدراسية تتحطم شيئاً فشيئاً، فالتخصص الذي تحلم به غير موجود والمدرسة التي في القرية ما فيها القسم اللي تشتي تلتحق به وظروف ابوك ما تسمح تنتقل وما فيش مدرس فيزياء ورياضيات في المدرسة وعليك التزامات تجاه أسرتك وووو .. تتجاوز كل هذه الظروف بإرادتك لتحقق أحلمك وتجيب أعلى معدل في الثانوية العامة، فيسافر واحد معدله اقل من معدلك حتى وان سافرت يواجهك الاحباط بسبب الظروف المادية السيئة والمتابعة بعد الملحقية والرسوم الدراسية ووو .. تتجاوز هذا كله وتعود حاملا الماجستير والدكتوراه في ارقى التخصصات، تكتشف أن ما احد بداويك وايش يعني ما جستير أو حتى دكتوراه أو حتى بروفسور؟
إذا توظفت تتوظف في مجال غير مجالك ، ومطلوب منك عمل ليس له صلة بأي شيء بدراستك يعني كل ما درسته وكل أحلامك اللي حلمت بها تبلها وتشرب ماءها لان مابش واقع يتقبلها ... تروح تشرح أنا حصلت على دكتوراه في مجال الذرة وكنت بدأت ... فيقولوا هذا مجنون هذا كثير كلام هذا ما نحتاجه .. حبيبي لا نشتي منك ذرة ولاجرادة ولا قملي ولا بعوضة أنت مخير تمسك قسم الأرشيف وتنفضه من الغبار أو تمسك دفتر الدوام والحضور والاختيار الثالث تسوي لك بوفية وتطلب الله داخل الشغل يعني أنت مطلوب تكون بروفسور في غسل الصحون وباحث في علوم سندويتش الفول ومطور لأساليب ملاحقة الديون التي على الموظفين لك.
جربنا كل أنواع الأحلام حلمنا بالجملة وبالتجزئة وبالتقسيط ، كل احلامنا كانت مؤجلة وكلها كانت معلقة وكلها مع وقف التنفيذ وكلها تبخرت شيئاً فشيئاً وعليه قررنا نبطل نحلم وأصبحت اليمن البلد الوحيد الذي لا تستطيع أن تحلم فيه إلا وأنت نائماً أو مخزناً ويا محبي النبي صلوا عليه.