;
طه الإدريسي
طه الإدريسي

مسلسل همي همك.. ثورة رديفة 2907

2011-09-06 03:12:19


لقد قررت أن أعنون مقالي هذا العام عن المسلسل الدرامي الرمضاني الرائع همي همك بمسلسل همي همك 2011، لأنه شكل ثورة حقيقية بالنسبة للدراما اليمنية لا تقل أهمية عن الثورات التي حدثت هذا العام، فالمسلسل الدرامي جاء متزامناً مع التحرر العربي ومع الربيع العربي، وجاء ليقول لكل الظلمة والمستبدين والذين يستخدمون سلطاتهم وأموالهم لإذلال الشعوب وقهرها والعبث بمشاعرها لا لا لا.. كفى كفى كفى..
فالشعوب العربية كلها والشعب اليمني معها أدمن فكرة التحرر وصمد صمود الأبطال في الساحات ولا يزال، كما أنه أسقط عمامة التخلف وأعلن رفضه للظلم وبدأ يحفر بقوة في عقله المتصلب والخادم للقوة على مدى عقود. خاصة وقد شاهد المسلسل الأشهر همي همك الجزء الثالث والذي باعتقادي وظف توظيفاً حقيقياً يمكن أن ينافس بقوة الكثير من الخطب والمواعظ التي تتحدث عن هذا الجانب، حيث أن الدراما جسدت الواقع العملي والإنساني لمناطق كثيرة من الجمهورية اليمنية، حيث وضعنا المسلسل بالعراء لنرى كيف أننا متخاذلين وكيف أن نهجنا وصوتنا عندما يختلف ويتناقض مع ماتراه العين وما تسمعه الأذن وما يحلم به الناس، فإن الحالقة تكون قد حلت على مجتماتنا، لا نقول تحلق الشعر ولكنها تحلق الكرامة والعزة والشخصية لنتحول إلى شخصيات مسخ وكائنات لا تحترم نفسها.
في بقعة من الأرض وتحت ضوء الشمس وفي قرن التكنولوجيا وعصر المعلوماتية يفعل الفرد بأبناء قريته وعشيرته ما يفعله طفاح من أساليب وألاعيب وطرق وسبل غاية في الإجرام والوحشية لتبرير أفعاله المنكرة، تجسد الهمجية المطلقة لنظام قائم ظل يطرح ما يطرحه من ألاعيب وقدرة على القتل والنفي والإحتجاز والمصادرة في سبيل بقائه، فقد كان همي همك هذا العام تجسيد للهم اليمني وقدرة درامية عالية على صياغة الهم العام ونهاية غاية في الجمال والروعة أثبت فيها المؤلف والمخرج والعاملين قدرة الشعب على تجاوز الظلم، وضرورة الثورة عليه، وأن المسألة فقط تحتاج إلى جرأة وتضحية، وأوصل الناس إلى يقين بأن مجرد السكوت عن المظالم والإصطفاف وراء القوة الهمجية التي تتحكم بأقوات الناس وتسترزق من قوتهم ومن عرقهم وتتحكم في ممتلكاتهم وفي أعراضهم هو الموت الحقيقي للفرد وأن الحياة تحتاج إلى اقتحام وإلى مسؤولية وأن هناك ما يمكن أن نحافظ عليه بأدوات عصرية وقانونية وهي الكرامة.
لقد أراد القائمون على المسلسل والذين ناضلوا من أجل ظهوره وبثه هذا العام أيضاً أن يوصلوا رسائل كثيرة للمشاهد اليمني وأن يوجهوا المواطنين لعمل شيء، لقد حفروا بقوة في الرأس المتصلب، وأبكوا بقدراتهم الدرامية وطريقتهم الرائعة وطبيعتهم التي جسدت الواقع المعاش في تلك المنطقة ما لم يكن بالحسبان وما يجعل من الدراما اليمنية دراما تنافس الدراما الخليجية وربما تتفوق عليها، وهذا يحسب للقائمين على هذا المسلسل راجياً أن لا يكون الأخير وأن يستمر الحفر عن ظاهرة الشيخ وعنترياته عدة مسلسلات درامية تناقش القضية من جوانب أخرى وتدرس واقع اليمنيين من جوانب قد تكون أغفلت نظراً للمنطقة التي يتحدث عنها المسلسل حتى يفهم الناس أن هذه الظاهرة وهذا النقاش الكبير الذي جرى وهذا المسلسل الثورة لا يتحدث عن واقع بعينه ولا عن منطقة بعينها ولكنه يتحدث عن كل المناطق اليمنية الذي يعبث بها الشيخ ويسيطر عليها بحيث يدركون أن مسلسل همي همك 2011 لا يمثل تلك المنطقة إلا بالهجة المتقنة وطريقة العيش وإلا فإن المسلسل حاكى الواقع اليمني برمته وحاول أن يوصل لكل من لم يقرأ عن تلك الظواهر التي يشيب لها الرؤوس رؤية شبة كاملة عن تلك الحياة البائسة التي أعتمد عليها النظام السابق.
المسلسل لفت إنتباهي من جوانب كثيرة سوف أحاول أن أورد بعضها في هذه الجزئية:
أولاً: لم يكن هذا العام عبارة عن روايات يرويها أشخاص وهذا ما جعل الدراما مختلفة، ثلاثين حلقة من همي همك تطرق المسلسل للمشاكل تطرقاً بطيئاً وهو يحاول كالجراح الماهر أن يستخلص الأمراض المزمنة العالقة في عقول وقلوب اليمنيين وأظنه قطع شوطاً كبيراً في ذلك، كما نجح في تحويل واقع معاش يتحدث عنه الناس باستحياء إلى دراما يعاينها الناس وينظرون إليها بعمق ويتضامنون مع أصحابها لإيجاد حلول ولا أظنني مخطئاً أنه سيسهم إسهاماً كبيراً في تعديل السلوك اليمني على مستوى الناس جميعاً أو ممثليهم إن صح التعبير.
ثانياً: تمثيل المسلسل للوضع القائم جسد الثورة في بعض النواحي، حيث أن الضابط الذي تولى المديرية في الفترة التي قضى فيها على طفاح وألقي القبض عليه كان يمثل حالة ثورية مختلفة، وما جعل الدراما حقيقية بأن هناك أيضاً حتى من كتبته أو معاونية من قال للضابط المسؤول بأن يقبل هدية من الشيخ طفاح لكن المسؤول رفض وهذا الحدث له دلالات كثيرة من ضمنها أن رأس النظام و رأس الحكم هو المسؤول الأول والأخير عن أي فساد في الدولة، كما أن ثمة ثورة قامت في القرية التي يحكمها الشيخ طفاح قام بها نوري إبن فتيني وتعاون معه الكثير من أهالي القرية في سبيل محو الأمية والتي ووجهت هذه الثورة بعنف شديد من قبل الشيخ طفاح وبالتالي من قبل النظام الذي جعل من الشيخ طفاح كلمة مسموعة ويد ممدودة على قوت الناس وكرامتهم، حيث أن النظام وأركان حكمه يرفضون الفهم والتثقيف، لأنه مؤذن بخراب ديارهم الذي بنوها على أنقاض الكثير من الفقراء والمعوزين والكاظمين لغيضهم خوفاً مرات.. ومرات لأن هؤلاء يعملون وفق قانون وضعوه بايديهم ليبرؤا أنفسهم، أو أعطوه صبغة قانونية مستخدمين قوتهم السلطوية أو المادية.
ثالثاً: هناك مبدأ أدركت أنه مهم في المسلسل أن الناس لديهم قابلية للفهم وللتثقيف والتعليم حتى في أحلك الظروف وأقساها، تجسد ذلك في عشة محو الأمية، وتجسد ذلك في فرحهم برجوع نوري وعوض من مصر حين أكملوا دراستهم، وتجسدت ايضاً من ذلك الحنين إلى التعليم الذي جسدته شفيقة ونورية وجعفر، كما أنهم أي الناس تواقين للحرية، وتواقين للعيش بأمان ولذلك اضطر بعضهم على السكوت لكثير من الجرائم التي ترتكب بحقهم، ذلك أن السبيل في ظل النظام السابق كان هو أن يكون شعارنا جميعاً أننا لا نفهم ولا نعقل ولا نستوعب ولا يجب أن يكون لدينا أبناء يفهمون ويعقلون ويصدحون بالحق وهنا جسد شوتر وابنته شفيقة الموقف عندما قالت وصدحت بأن من قتل نورية كان عوض لأمتلاكها القرائن التي تدل على ذلك لكن والدها أخرصها وهددها وأراد عوض إذلالها فاغتصبها، هذه حقيقة.. فحتى الأفكار تغتصب وليس الأعراض فقط.
رابعاً: أظهر المسلسل شيئاً في غاية الأهمية وهو أن ليس كل المشائخ سيئين فقد جسد الشيخ فاضل الطيبة والشهامة والكرم والأخلاق والضيافة والنصرة أيضاً، ففي المشائخ القبليين الكثير من الإيجابيات التي يمكن أن ينظر إليها الإنسان، لكن العلاقة الجدلية بين القبيلة والنظام هي مثار شك وريب بالنسبة لنا، وإن كان المسلسل أظهر الشيخ فاضل مختلف عن الشيخ طفاح إختلاف جذري إلا أن تلك الطيبة لم تكتمل فيما يخص القانون وعلاقة الشيخ به فقد كانت النصرة لأهالي القرية من جانب قبلي وعرف قبلي تمثلت في رمي الشال والوصلة حتى أخرج أهالي القرية من سجن الشيخ طفاح وهو محاكاة للواقع، ليس هناك شك في ذلك ولكن ما نريده نحن هو مشائخ قبليين يرمون نص القانون في وجه المستبد ويتركون شالاتهم تغطي رؤوسهم.
خامساً: أشار المسلسل إلى نهج انتهجه النظام القائم في مسألة الديمقراطية في مشهد جميل جداً عندما أفرج طفاح عن أهالي القرية من سجنه ليتم تخيير الناس بطريقة ديمقراطية وتم الإتفاق على أن يبصق الناس في وجه الظالم والمجرم فبصق الناس كلهم في وجه فتيني وابنه وهوما يصنعه النظام عندما يضع السيف على الرأس ثم يتحدث عن ديمقراطية ويهدد الناس باقواتهم وارزاقهم وعن طريق مشائخ قبليين يتم زراعتهم في كل منطقة بقوة الدولة لخدمة النظام، فكان هذا المشهد يستحق الإشارة إليه ولو على عجالة، بالإضافة تعريف الكرامة بأنها فقط عكس المذلة وكأننا نتحدث عن الكلمة وضدها وليس عن القيمة الحقيقية للإنسان والدافع الحقيقي لعيشه وحياته، وطريقة الأستاذ المرتعد الذي مسح من على سبورته حب الوطن من الإيمان ليكتب حب طفاح من الإيمان في دلالة واضحة على انعدام القدوة الحقيقية بالنسبة للطلاب وهنا فقط لا يمكن أن نوجه اللوم على النظام القائم ولكن على المخرجات التعليمية التي تهتم بالشهادة دون الثقافة وبالنجاح دون الفهم..
أخيراً : شوترـ زنبقة ـ زخيم ـ زهرة ـ حسن ـ بلال ـ أم جمعة ـ جمعة ـ باقص ـ سعيد ـ جعفر ـ شفيقة ـ مبروك ـ نورية ـ غيلان ـ أمل ـ أدوار جميلة يجب أن تشكر على ما صنعته طالما هي مؤمنة بالفكرة نفسها وبالثقافة التي أرادت أن تعلمها للناس، وأن الهدف الأساسي ليس إضحاك الناس ولا مانع من ذلك ولكن هو تثقيفهم وتوعيتهم راجياً وكلي أمل أن يتم معالجة نفس المشكلة من زوايا مختلفة في مستقبل الأيام.
وكل عام والجميع بألف خير وعافية..
نقلاً عن المصدر أونلاين
tahaaladreesi@yahoo.com
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبد الملك المقرمي

2024-05-05 23:08:01

معاداة للإنسانية !

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد