في لحظة الوجوم الذي عادة ما يتوشح بالصمت الغامض في أروقة الظلام، كانت الأيام والسماء والنجوم والبلاد على موعد مع الكرنفال الجديد لعهد سوف يشرع بالولوج بعد منتصف المساء من ليلة الثاني عشر من فبراير الخالد، إلا أنا فقد كنت على موعد مع الأنين الذي يسافر مع العقرب المهاجر منذ 33عاماً دونما أدنى قرار، أستعرض شريط الذاكرة الم - الملطخة بالألوان الرمادية المائلة إلى الأرجوان قليلاً وأشاهد موقعة الحزن الكبرى في أعماق النفس اليمنية التي ظلت مسكونة بالخوف والفزع ومسلوبة الابتسامة الحقيقية التي ترتسم على كل بلاد الدنيا..أتحسر كثيراً..والوقت يسارع في العدو إلى موعده المقرر..الوقت منهك مثلي ويتوق إلى أخذ قسط من الراحة لدى وصوله دون أن يحس به أحد، تتضارب أشياء في داخلي الماضي بأوجاعه المثقلة وويلاته التي تقسم فؤادي الصغير إلى نصفين.. مجازر وحشية.. سلب..اعتداء..تهميش..اغتيالات..ظلم..سفك دماء أنصار الياسمين..محرقة تعز..دمار وعنفوان يندى له جبيني وجبين التاريخ الذي وصل للتو مكتوباً على ناصيته كفى.. إلى هنا كفى ومد يده وصافحني وهو يبتسم ابتسامةً ملؤها الحياة قائلاً: أكمل المشوار يا طفلي الصغير فالوقت أمامك مفتوحاً لكي تبني حياتك والبلاد من جديد..تسلمت ساعتها شارة القيادة،ودقت ساعة النهاية المحتومة لإمبراطورية الرعب،فانطلقت من كل أعماقي أهازيج الفرح مصحوبة بأمطار العين الحلوة تعبيراً عن الفرحة الكبرى التي تقتحم سياج القلوب المؤمنة بالرياح وبالياسمين وبالقدر وان الله هو الدهر وهو نور السماوات والأرض وكل من عليها فان إلا وجهه الكريم..الغبطة تنتشر بكل الأرجاء.. النجوم تتراقص..البلاد تخلع ثوبها القشيب الأسود فيسجد الملكوت والياسمين والأشجار لله الملك العدل..يعم الصمت برهة ً من الزمن..بينما التأمل الساكن لم يزل سيد الموقف..سكن الخوف والليل والريح وسكن الجرح..ولاحت البلاد من وراء الطبيعة والظلام بدراً مكتملاً... نزهة طويلة قادمة مع الضوء، فلا ظلام ولا أفول ولا حزن ولا شيء سوى الحرية والحب والتسامح ولاشيء سوى يمن جديد..