;
عايض الزنداني
عايض الزنداني

الإسلام والاستبداد السياسي وثورات الربيع!! 1765

2012-05-20 03:05:09


عانت الأمة العربية من الاستبداد السياسي المسنود بأجهزة القمع والذي ضرب بجذوره في شتى وجوه الحياة الإدارية والمالية والاقتصادية والاجتماعية الذي أدى بدوره إلى الاحتقان الشعبي ثم الانفجار الذي عبرت عنه ثورات الربيع العربي للمطالبة بالحرية والكرامة والعزة بعد الإنهاك الذي أصابها من الطغاة الذين سفكوا الدماء وانتهكوا الحرمات وضيعوا الثروات وكانت أهم منجزات هذه الثورات الأولى إقامة أول انتخابات شفافة وحرة ونزيهة في تلك البلدان (مصر، تونس) وحصلت التيارات الإسلامية على الأغلبية في المقاعد البرلمانية.
وللأسف وجدنا بعض الكتاب والمفكرين يشن حملة عبر الكثير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة للتحذير من عودة الاستبداد السياسي الذي قامت هذه ثورات الربيع العربي ضده، لأن هذه التيارات ستدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية والربط بين الإسلام وما عانته الشعوب الأوروبية من العصور الظلامية العصور الوسطى من سيطرة الكنيسة والملوك وكان لا بد من توضيح العزم، ففي المسيحية نجد القديس بول في رسالته لأهل رومية يقول " إنه لما كانت السلطة تقوم بإرادة الله فإن كل من يقاومها يعد مقاوماً لإرادة الله ومن ثم ينصب عليه غضب الله وذلك بصرف النظر عن عقيدة الذين يتولون مباشرة هذه السلطة".. ودعا القديس المسيحيين لتأكيد هذه الطاعة للحكام بالرغم من ظلمهم، واعتمد القديس على ما جاء في الكتاب المقدس سفر التكوين الإصحاح الثالث "لتخضع كل نفس للسلاطين لأنه ليس سلطان إلا ابن الله والسلاطين الكامنة هي مرتبة من الله حتى أن من يقاوم السلطة يقاوم ترتيب الله".
ويقول لوليس الرابع عشر في مذكراته "إن سلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق، فالله هو مصدر هذه السلطة وبين يديه وحده يؤدي حساباً عن كيفية استعمالها"..
وفي عام 1770 جاء في مقدمة مرسوم ديسمبر بفرنسا في عهد لوليس الخامس عشر "إننا لم تتلق التاج إلا من لله، فسلطة عمل القوانين هي من اختصاصنا وحدنا دون تبعية ولا توزيع..
أما في الإسلام فنظام الحكم يقوم على :
 1- البيعة: والتي يجب توافر الحرية والاختيار فيها وقد أفتى الإمام مالك بأن من بايع إماماً وهو مكره فإن بيعته باطلة..
كما علق ابن تيمية في كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية في تعليق على بيعة لأبي بكر "لو قدر أن عمر وطائفة معه بايعوه وامتنع سائر الصحابة عن البيعة لم يعد إماماً"..
2- الشورى: فقد فرض الإسلام على الحاكم أخذ المشورة من المسلمين قال تعالى "وشاورهم في الأمر" آل عمران وقال تعالى "وأمرهم شورى بينهم" بل إن بعض العلماء أوجب عزل الحاكم الذي لا يستشير ويذكر القربطي في تفسيره الجزء الربع عن ابن عطية أنه قال "الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب والحاكم في الشريعة الإسلامية مسؤول عن تطبيق الشريعة وإقامة الحدود والعدل في الدولة الإسلامية ويحاسب إن هو قصر، فقد قال أبوبكر رضي الله عنه "أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم" وقال عمر رضي الله عنه " من رأى منكم في أعوجاجاً فليقومني" ولا ينتهي في الدولة الإسلامية واجب الأمة عند البيعة والشورى، بل يجد الحاكم نفسه مسؤولاً أمام الشعب الذي يظل يراقبه ويحاسبه حتى لا يظل الطريق بلا رقيب ولا ناصح قال تعالى "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفحلون" وكما جاء في الحديث الصحيح الذي أوجب على الناس نصح الحاكم إذا أخطأ قال صلى الله عليه وسلم" الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة، قالوا لمن يا رسول الله قال"لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم" رواه البخاري ومسلم" والدكتور/ يوسف القرضاوي في كتابه الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي يؤكد على أن الإسلام يرفض الاستبداد ويقول في الإمامة الصغرى يذم إمام الصلاة الذي يؤم القوم وهم لا يرضون عن إمامته كما جاء في الحديث عن الثلاثة الذين لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شيراً منهم رجل أم قوماً وهم له كارهون..رواه أبو داود عن عبدالله بن العاص.
ويكمن هذا في الإمامة الصغرى فكيف بالإمامة الكبرى أن يقود الرجل قوماً وهم له كارهون.
وإن الإسلام يرفض أن تزوج الفتاة البكر بغير إذنها وأن تفرض عليها حياة لم تخترها ولم يؤخذ رأيها فيها، فكيف يجبر أمته على حياة لم تخترها ولم يؤخذ رأيها فيها.
وإن الإسلام زرع الثورة والتمرد على الظالم والفاجر الفاسق في نفس كل مسلم، لأنه علم المسلم أن يقول في قنوته إذا أوتر كما في المذهب الحنفي "نشكرك اللهم ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك" والإمامة في الصلاة مثل مصغر للإمامة في الحياة وقد علم الإسلام المأمومين أن يصححوا للإمام إذا أخطأ ويذكرونه إذا انسى حتى يردوه إلى الصواب وعليه أن يدع رأي نفسه لرأيهم وينزل عند قولهم ولو خالف ما يعتقد صواب.
المستشرق الإيطالي ديفيد سانتيلا يقول في كتابه تراث الإسلام يقول عن نظام الحكم في الإسلام: "إن هذه الربطة التعاونية الموجودة بين الخليفة والشعب تبقى متينة وثيقة العرى مادام الخليفة صالحاً للقيام بواجبه في حماية المجتمع الإسلامي، فإذا لم يعد أهلاً لمنح الشعب لما يريده منهم بطل سلطانه وفسخ العقد شرعاً بين المتعاقدين".
والدكتور/ محمد عمارة يقول عن الآيات في القرآن الكريم (58 إلى 65) سورة النساء إنها أجملت بنود التعاقد بين الرعية والرعاة وهنا سأنقل ما ذكر من الآيات الأولى لهذا التعاقد (58-59) قال تعالى "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعم يعظكم به أن الله سميع بصير" "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله ورسوله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" سورة النساء (58 ـ 59).
 إن على أولي الأمر أن يؤدوا الأمانات، أمانة السلطات التي فوض الناس إليهم القيام بها نيابة عنهم، إلى أهلها المستحقين لها في كامل ميادين السلطات ويقول: لقد بدأت بنود التعاقد بما هو مفروض على أولي الأمر لما لسلطانهم من خطر في شؤون الدولة والعمران وللتأكيد على أن وفاءهم بما فرض الله عليهم هو المبرر لطاعة الأمة والرغبة بهم..
ونبهت الآيات أن الوفاء في تأدية الأمانات هو أمر الله وليس شأناً دنيوياً صرف بين الرعاة والرعية وإنما هو فريضة إلهية وخصصت الآيات بالذكر "الحكم بالعدل بين الناس" للتأكيد على إسلامية سلطات التشريع والقضاء..
أما الآية الثانية "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" تدل على أنه من مقابل وفاء أولي الأمر بأداء الأمانات إلى أهلها والحكم بالعدل بين الناس تكون طاعة الرعية وأن الطاعة على الرعية الواجبة ليست مطلقة " لأولي الأمر" فالطاعة أصلاً لله ثم لرسوله فيما يبلغ عن "القرآن والسنة" ثم تأتي الإشارة إلى طاعة أولي الأمر فتذكرهم بصيغة الجمع تأكيداً على نفي الاستبداد أو الانفراد بالسلطة (أولي الأمر لاولي الأمر) ثم تمضي لتحدد وتفصل في بنود هذا التعاقد فتجعل المرجعية عند حدوث التنازع بين طرفي التعاقد (الرعية والرعاة) لله ورسوله (الكتاب والسنة)..
وختاماً.. نجد أن الإسلام يرفض الاستبداد والطغيان والحاكم مسؤول مسؤولية كاملة أمام الله والمجتمع ولا يتمتع بأي مميزات تعفيه عن المسؤولية فيخضع للقانون الذي يطبق عليه كما يطبق على أي فرد من أفراد المجتمع ويذكر القرطي في تفسيره عن عمر بن الخطاب أنه قام يخطب في الناس ويقول "ألا من ظلمه أميره فليرفع ذلك إلي أقيد منه (أقتص منه) فقام عمر بن العاص فقال يا أمير المؤمنين "لئن أدب رجل منا رجلاً من أهل رعيته ستقتص منه، قال كيف لا أقتص منه وقد رأيت رسول الله يقتص من نفسه" الجزء الأول..
بل إن الإسلام يرى في الأمة التي لا تقوم بواجبها ضد الحاكم المستبد بردعه عند ظلمه يعرضها لسخط الله ونقمته العامة قال تعالى "واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة" الأنفال آية 25 والحديث "أن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أو شك أن يعمهم الله بعقاب من عنده"..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد