;
د.فؤاد البعداني
د.فؤاد البعداني

الحوار تربية وثقافة 1702

2013-04-21 16:40:26


تعد أزمة الحوار التي نعاني منها في حياتنا المعاصرة نتيجة طبيعية لضعف ثقافة الحوار المتولدة عن تقصير جميع مؤسسات المجتمع في التربية الحوارية، واستشراء بعض التصورات والمفاهيم المغلوطة، التي أسهمت في تغييب الحوار عن ثقافة المجتمع.
وعليه فنحن اليوم بحاجة ماسة لتفعيل التربية الحوارية، ابتداء بمؤسسة التربية الأولى الأسرة، وانتهاء بمؤسسات الدولة. إذ لن تسود فينا ثقافة الحوار، إلا بتربية مستمرة وشاملة على الحوار يتلقاها جميع أفراد المجتمع منذ نعومه أضافرهم وحتى انقضاء آجالهم..
وهذه غاية مهمة تتطلب بذل الكثير من الجهود، ونشر الوعي السليم، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتكامل الأدوار بين مختلف المؤسسات والجهات، لتحويل الحوار إلى سلوك عام، ومنهج جماعي، وطريقة حضارية في التعامل مع الرؤى والمواقف والأحداث، والتدرب على تقبُّل نتائج الحوار للخروج من أي اختلاف أو أزمة.
وتعد الأسرة هي المؤسسة الأولى للتربية الحوارية، والتي تحتاج بداية إلى إعادة النظر في بعض مفاهيمها ومراجعة بعض أساليبها التربوية القامعة للحوار، وتعزيز الحوار داخل مختلف الأطر الأسرية، سواء بين الزوج والزوجة، أو بين الأب والأبناء، أو بين الإخوة والأخوات، إذ الغالب هو غياب الحوار داخل الأسرة، وحرمان الأفراد منه، واستبداد ربّ الأسرة بالرأي وإلزام الآخرين بما يراه وحده دون اعتبار لرأي أحد منهم، ويزداد الأمر استبداداً وتغيباً للحوار، إذا اتصل الأمر بالأنثى، فكثيراً ما تُحرم الأنثى من إبداء رأيها إلا في حالات نادرة جداً، وقد تتعرض للصد والإنكار والاعتراض إذا ما أبدت رأيها أو أظهرت موقفها، أو عارضت رؤية الذكر المهيمنين على الآراء والمواقف والاختيارات حتى ما يتعلق بشؤونها الخاصة، ذلك أن الثقافة الذكورية المتحكمة بمجتمعاتنا ترفض إشراك المرأة في الحوار، وتستبعد إمكانية سداد رأيها وسلامة موقفها وصوابية اختيارها، وهذا بالطبع إن سُمح لها بإبداء رأيها والمشاركة في الحوار من حيث المبدأ. والبعض يستند في سلوكه هذا إلى بعض التصورات والمفاهيم الدينية الخاطئة، متجاهلاً منهج البني صلى الله عليه وسلم في محاورة أهله في شؤون خاصة وأخرى عامة ثم الأخذ بنتائج الحوار، كما حدث مع أم سلمة رضي الله عنها، في صلح الحديبية، وعمله صلى الله عليه وسلم برأيها.
وعليه فالتربية الحوارية تبدأ من داخل البيت؛ لأن المحروم منها دخل الأسرة سيكون دائماً عدواً للحوار وسيلغيه من منهجيته، وإن اضطر إليه أحياناً فسيعمد إلى تلغيمه قبل بدئه.. أما عندما يتربى الفرد على الحوار فسيصبح محاوراً وسيكون الحوار خلقاً ومنهجاً له في مجمل مواقفه وعلاقاته وحياته.. وهنا لابد من التفريق بين الطاعة وحُسن الأدب والامتثال، وحق الحوار وإبداء الرأي والتعبير عن القناعة والموقف بحرية تامة.
وكذلك المؤسسات التعليمية بحاجة لتفعيل التربية الحوارية، ذلك أنها تعاني من خلل تربوية وفكري كبير، إذ يغيب كثيراً عنها الحوار، وتغلب عليها الأساليب الإجبارية القهرية للطالب وإلزامه بما يحتوي عليه المنهج وما يقرره المدرس، ولا يسمح له بالنقاش والحوار إلا في حدود ضيقة ونادرة.
والمطلوب اليوم في سبيل تنمية ثقافة الحوار، أن يصبح الحوار منهجاً وأسلوباً رئيساً وثابتاً في التربية والتعليم، لاسيما في المجالات الإنسانية، من حيث إتاحة الفرص الكافية للطالب أن يحاور ويناقش ويرد ويعقّب ويعترض ويعرض وجهة نظره، ويسهم في صياغة المعلومة وتشكيل الفكرة، خصوصاً في التعليم الجامعي والدراسات العليا والبحث العلمي.
وهنا أيضاً لابد من التفريق بين الأدب الذي ينبغي أن يتحلى به الطالب من احترام وتقدير للمدرس وحسن استماع وإنصات، وحق النقاش والحوار بالأسلوب العلمي المصحوب بالأدب التام، فالحوار التعليمي بلا شك سيترك أثره العميق في نفس المتعلم، ومن ثم سيظل الحوار منهجاً مصاحباً له في مواقفه المستقبلية.
والأمر كذلك مطلوب من الجماعات والجمعيات الدعوية والأحزاب والتنظيمات السياسية، أن تجعل من الحوار منهجاً تربوياً لها وأسلوباً عملياً وخلقاً أساسياً من أخلاقها، وأن لا تضيق أبداً بصاحب الرأي وتعمل على رفضه قبل الحوار معه، بل عليها أن تعتمد التربية الحوارية، وتوسع دائرة الحوار وترسي دعائمه في التعامل مع مختلف الأطر، حيث إنها إذا نجحت في إدارة الحوار داخل صفوفها يمكنها النجاح في إدارته خارجها وفي تعاملها مع الجهات الأخرى، وبهذا سيتربى الأفراد على الحوار ويصبح سمة من سماتهم الفكرية والمنهجية.
والشيء المؤكد والذي ينبغي أن تدركه الجماعات والأحزاب أن انفصام عرى بعضها وتمزق صفوفها وانسلاخ بعض أفرادها وعناصرها وقياداتها الفاعلة عنها إنما هو بسبب انسداد آفاق الحوار، وضيق فرصه، ونتيجة حتمية لغياب التربية الحوارية، وأن التربية الحوارية يمكنها سد الكثير من الثغرات وإصلاح الكثير من الاختلالات، وتلافي السلبيات الماحقة للتنظيم، وحفظ الصف، وصون العقد من الانفراط، وكذلك كسب ثقة الآخرين وتضامنهم معها.
وهكذا التربية الحوارية مطلوبة من مختلف مؤسسات المجتمع، بما في ذلك مؤسسات الدولة بشكل عام، إذ يتحتم عليها تفعيل الحوار وتشجيعه ليصبح سمة عامة لجميع المؤسسات، لا تستثنى من ذلك أي جهة، بما فيها المؤسسة الرئاسية التي ينبغي أن تعتمد الحوار منهجاً في التعامل مع المسؤولين، وقبل إصدار القرارات والقوانين، وفي التعامل مع أصحاب الرأي الآخر، فالحوار لا ينتقص هيبة ولا ينقص سلطة، بل يزيدها قوة وشرعية وعمراً.
* أستاذ الفكر الإسلامي المشارك بجامعة إب والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد