;
م. محمد كمال
م. محمد كمال

ثمن المواقف الأخلاقية 1387

2013-07-30 07:15:07


للمرة الثانية خلال عام يقف "الإخوان" وحلفاؤهم موقفًا فاصلًا لا تجدي فيه الحسابات السياسية، وإنما تُستلهم له العقائد والثوابت، وكان الموقف الأول يوم رأى "الإخوان" أن "العسكر" يسرقون مكتسبات الثورة، فقرروا خوض المعركة الرئاسية ونالوا بهذا كل أنواع التجريح من القريب و البعيد، ولتوضيح موقف "الجماعة" فقد كتبت وقتها مقالًا بنفس عنوان مقالنا(ثمن المواقف الأخلاقية).
وها نحن نقف موقفًا أخلاقيًّا جديدًا يتعارض مع كل الحسابات السياسية يحسبه الجاهل غباءً أو انتحارًا، أما العقائديون وأصحاب المبادئ فسيكون موقفنا إلهامًا وزادًا لهم يثبتهم على الحق الذي يدافعون عنه أينما كانوا .
أما لماذا موقفنا هذا أخلاقي وليس سياسيًّا فالإجابة توضحها المحاور الآتية:
أولا: لأننا وقفنا ضد قوة العسكر الغاشمة:
وهذه القوة تفرض على الجميع أن يعيد حساباته فهي لا تهزل، ولا تهدد، إنها تقتل وتسحق وتشرد وتستعبد، وإذا أنذرت أخافت، فإذا زمجرت أبادت.
والمشهد يظهر خنوع الجميع "للعسكر"، ولا تحدثني عن مبادئ الليبرالية ولا الدولة المدنية ولا دولة اﻹسلام السلفية، ولا تتحدث عن سقوط إسلاميين سابقين واعتبارهم ماحدث ثورة وليس انقلابًا، ولا تذهب بتحليليك السياسي بعيدًا ...ﻷنه الخوف يا صديقي.
وكنا نستطيع أن نلم المسألة مثل الجميع حين اتصلت قيادات "العسكر" لتسويه الأوضاع طبقًا للواقع الجديد، وكان يمكننا أن نحتفظ ﻷنفسنا بمكان آمن ومميز تحت الشمس، وفي حضن العسكر الدافئ، لكننا أبينا إلا أن نقف إلى جانب الحق المبرأ ..جانب مصلحة الشعب، والذي غرر "العسكر" بعقول ملايين منهم، وأوهمهم أن دولة "العسكر" هي عالم الطمأنينة والخير، وأن دولة الحرية والديمقراطية هي دولة الاضطراب والفقر.
يقف أنصار "الرئيس" في وجه الآلة الجهنمية المتوحشة وهم يعلمون حجم التضحيات التي تنتظرهم، لكنهم على يقين أن قضية العدالة والحرية هي أعظم القضايا التي ينبغي أن يُمنح لها كل غال ونفيس لكي يسود منطق الحق لا زئير القوة، ولكي تعلو إرادة الشعب على المغامرين الذين ائتمنهم الناس على "الجيش" فصوبوا رصاصه إلى صدورهم.
ثانياً: لأننا وقفنا ضد العلمانية المخاصمة للدين :
وقد كان كثير من المفكرين يتصورون أن علمانية "مصر" غير مخاصمة للدين، ولكننا اكتشفناهم مبكرًا خاصة في معركة "الدستور"، ووجدنا أن التيار الأشد تطرفًا هو الذي يقود معسكر العلمانية في مصر، ولعل الفيديو المسرب الذي أظهر الدموية الإقصائية العلمانية على لسان "حلمي النمنم" و"تهاني الجبالي"، لعل هذا الفيديو قد أفصح عن حقيقة الخصم المصري المتنكر لهويته ودينه، والذي يرى أن هذه هي الفرصة التاريخية للتخلص تمامًا من "الإسلام السياسي" كفصيل وطني، ومن اﻹسلام كله كهوية قومية… هكذا يفكرون فينا .
أما نحن فالعالم قد شهد صبر رئيسنا عليهم ومحاولة استرضائهم، حتى بات الأمر مهينًا لأنصار "الرئيس"، لكن الفارق في التوجهين كان واضحًا، بين تيار إسلامي يريد احتضان الجميع، وبين تيار علماني تصفوى إقصائي تكفيري لا يرضى بغير الاستحواذ الكامل على السلطة ومفاصل الدولة .
نحن نقف أمام كل هؤلاء بالمرصاد، ونمنع عنهم بهجة الانتصار على قيم الشعب وهويته، فمعركتنا معهم لم تعد سياسية ولكنها معركة قيمية أخلاقية شرائعية، ومثل هذه المعارك يلزم فيها استلهام كل طاقات الإيمان والصبر، فخصومنا لديهم المدد الداخلي والخارجي بلا حساب، ولديهم الدعم والسند بلا سقف .
ثالثاً: الوقوف ضد هيمنة الدول الكبرى :
المتابع لسياسة "الرئيس"الخارجية سيعلم أنه قد أظهر شخصية دولية مدركة لأبعاد العلاقات الخارجية المؤثرة على الشأن المصري والمتأثرة به، ولم يترك قضية حساسة إلا ووضع رؤيته فيها، وكانت السمة الرئيسية التي ثبّتها "الرئيس" للإستراتيجية الخارجية هي استقلال القرار المصري، وهذا ما جعل الموقف الأمريكي متربصًا، رغم أن "الرئيس" لم يفتح ملف"كامب ديفيد"ولا ملفات المصالح الأمريكية في المنطقة، ولكن الحسابات الأمريكية أدركت أن هذه الملفات ستفتح ولو بعد حين، وأنها لن يكون لها الكلمة النهائية فيها … وهنا قامت "أمريكا" بالانقلاب- مبكرًا- على "الرئيس" مستغلة الطموح الشخصي للفريق "السيسي" .
ولهذا كانت وقفتنا في الميادين موجهة "للإدارة الأمريكية"بكل صلفها وعنادها، والأخبار المتواترة تؤكد أن غرفة عمليات أمريكية ساخنة منعقدة على مدار الساعة تتابع الموقف وتتخذ القرارات، لهذا تبدو تحركات "السيسي" غير منطقية، وتبدو دمويته غير مصرية، لأن الأمريكان هم من يتخذ له القرارات، وهم عادة تحكمهم أفكارهم التي ينفذونها بطريقة كلاسيكية على كل دولة، مما يجعل مذاق تصرفاتهم واضحًا تمامًا في القضايا التي ينغمسون فيها، كما تظهر فيها لامنطقية وغباء نابعان من سطحية متخذ القرار اﻷمريكي.
إن موقفنا الصادق الصامد سيساهم في كسر الغرور اﻷمريكي، وسيُجرّئ جميع الثورات على تحدي اﻹرادة الاستعمارية للعم سام، لنبدأ بذلك حقبة انهيار النفوذ الأمريكي وبداية نهوض الأمم شبه المحتلة لتستعيد أمجادها وتنشئ دولها المستقلة .
رابعاً: لأننا نقف لصالح الأنصار والمعارضة معًا :
اذهب إلى "رابعة" لتسمع من الجميع أننا لا نرابط هنا من أجل شخص، وإن كان "الرئيس"عزيزًا علينا، ولا لحزب أو لجماعة، وإن كانت نصرتهم واجبة.
إننا هنا من أجل فرض احترام إرادة الشعب على الجميع، وموقفنا هذا لصالح المؤيد "للرئيس" ولصالح المعارض أيضًا.
أما للمؤيد فمفهوم، وأما للمعارض، فذلك ﻷننا ندافع عن كيان دولة دستورية يستطيع المعارض بها أن يُسقط الرئيس ولو كان إسلاميًّا، وأن يدفع برئيسه العلماني، وذلك عبر آليات سياسية متفق عليها، يخضع لها الجميع وينصاعون لنتائجها، ويتكرس الاحترام لها مع مرور الوقت ونضج التجربة.
لكن في إطار العسكرة فلا إرادة للشعب، ولا صوت لمؤيد أو لمعارض، وسيوضع الجميع في مفرمة السمع والطاعة للرئيس العسكري الذي يحكم بالخوف، وقراره هو القضاء الذي لا يُرد والقدر الذي لا يُقاوم، فيتحول الشعب إلى مجموعة سجناء مرتهنة لدى العسكري الذي إن شاء منحهم لقمة وإن شاء حرمهم.
ورغم هذا سنصبر حتى يعلم المعارضون هذه القيم التي ندافع عنها، ونحن موقنون أن الصادق فيهم سيأتينا، وسيعلم أننا ندافع عن شعب بأكمله، وثورة بتمامها، ولا ندافع أبدًا عن شخص ولا جماعة.
خامساً: أننا نترك ميراثًا من الصمود لأجيالنا :
ففي أواخر السبعينيات حين كان يتهمنا إخواننا السلفيون"بالترخص"في السنن، سألنا الأستاذ "مصطفى مشهور"في ذلك، وقال يا شباب، لو كنا مترخصين لوقّعنا بالتأييد "لجمال عبد الناصر"، ويؤيدنا قول الله تعالى "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، ولكننا وطدنا عزمنا على ألا نكون تجربة خضوع للأجيال بعدنا، وفضلنا أن يسجنونا ويقتلونا و تظل راية الحق شامخة، لتأتوا أنتم وتضعوا جدارًا منيعًا بينكم وبين السقوط في وحل المداهنة أو المساومة على الدين .
وهكذا يكرر "الإخوان" وحلفاؤهم اليوم موقف الصمود رغم أن الحلول الوسط تطل بأعناقها من كل نافذة، وليس هذا عنادًا ولا فقرًا في التفكير، ولكن لكي تتناقل الأجيال راية العزة والكرامة والأمل في نصر الله سليمة من أي انتكاسة، وألا يأتي جيل من بعدنا يقول إن من كانوا قبلنا كانوا أقوى عددًا وقدرة لكنهم لم يصمدوا أمام التيارات العدائية فأين نحن منهم؟
إننا نسطر سطرًا في كتاب التمكين للحق وللدين ولكل قيمة إنسانية رفيعة، ونوقن أن المرحلة ستمر بآلامها وسننتصر بمشيئة الله.
إننا نقدم شهداءنا وشهيداتنا اليوم، وهم أغلى ما نملك، لكن الغاية التي نصبو إليها تستحق ما هو أغلى من أرواحنا.
وسيأتي جيل يستلهم مواقف الحق هذه، وسيكون أكثر قدرة وأشد عزمًا وأكثر تصميما على استكمال الرسالة.
نحن لا ندافع عن الشرعية فقط … نحن نبني دولة الحق الآن.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبد الملك المقرمي

2024-05-05 23:08:01

معاداة للإنسانية !

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد