;
محمد علي محسن
محمد علي محسن

محاولة لفهم ما حدث في عمران!! 1552

2014-07-15 17:15:20

    
ما حدث في عمران أعده نتاجاً لجملة من الأسباب ، فمن هذه الأسباب ما يتعلق بغياب الدولة- سلطة وقوة وهيبة ونظاماً ومؤسسة- وفي مساحة استأثرت بها القبيلة وأعرافها وولاءاتها قروناً من الزمن .

وزادت وضعيتها مأساوية وكارثية حين صارت هذه المساحة مؤولاً لصراع طائفي مذهبي ثأري انتقامي تاريخي سياسي قبلي وبين طرفي كلاهما يخوضان معركة ماضوية عمرها تجاوز الألف عام .

وعمران هنا ليست إلا جزءاً من جغرافية حاملة في أحشائها "فقاسة" الثأر لمقتل الحسين واستعادة الحكم لسلالة العائلة الهاشمية، فضلاً عن بيضة الجمهورية ونظامها الذي وبُعيد ستة عقود على ثورة 26سبتمبر 62م لم يستطع التغلغل والتمدد والتمكين .

فعلاوة عل ثمانية أعوام من الحرب الجمهوملكية كانت الأنظمة المتواترة قد عززت من عزلة هذا المثلث - احد أضلاعه عمران – الذي للأسف ظل عصياً عن التطويع من ناحية التجسيد والممارسة لمبادئ وقيم جمهورية وديمقراطية حزبية تعددية حداثية .

فباستثناء عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الذي كان قصيراً ولم يكن على ود مع شيوخ هذه المناطق يمكن القول إن حقب ما بعد الانقلاب على الرئيس عبدالله السلال يوم 5 نوفمبر 67م المشؤوم وحتى الحاضر جميعها تعاملت مع شمال الشمال باعتباره إقطاعيات قبلية مذهبية ممانعة للتمدن والتحضر والتحزب وسواها من المفاهيم العصرية التي تم استهلاكها كمظاهر ترفيه زائفة مضللة أكثر من اعتبارها مسائل قيمية سلوكية ممارسة في واقع مجتمعي معقد .

بالطبع عزز من هكذا ممانعة وجود رئاسة وكثير من نافذيها ورموزها الذين هم من هذه المناطق القبلية المتخلفة وأرادوها تبعاً لذلك مناطق مغلقة عليهم وعلى مصالحهم وعلاقاتهم وحتى نفوذهم على سائر البلاد والذي تم تصويره وإشاعة بين عامة الناس وكأنه حق تاريخي مرجعه هذه العزلة وهذه الهيمنة الفئوية وهذه المكانة والأهمية وهذا التمايز المجتمعي المستمد من بقاء القبائل وسلاحها في خصومة دائمة مع كل أشكال التطبيع والاندماج مع مفاهيم العصرنة والدمقرطة والفدرلة والمأسسة والهيكلة ووو إلخ .

 صحيح أن هنالك اختراقاً حدث لجدار القبيلة وتقاليدها بفعل التعددية الحزبية ؛ لكنه مع ذلك كان ضئيلاً ومحدوداً مقارنة ببقية محافظات البلاد ، ناهيك أن هذا الاختراق لم يحتوي القبيلة بحيث يكون ولاء القبيلي هنا للدولة المؤسسة فيما ولاؤه الفكري والثقافي للحزب والنظام العام ؛ بل كان هذا الاختراق قد أفضى إلى احتواء القبيلة والتنظيم السياسي معاً بحيث باتت الطائفة والمذهب هما الكيانين الجديدين المستحوذين على القبيلة والحزب .

نعم يمكن القول بان غياب الدولة- سلطة وقوة ونفوذاً وحتى فكرة ونظاماً ومفهوماً- بلا شك ترك هذا الغياب حالة من الفراغ وهذا الفراغ بدوره كان محفزاً لكثير من الأطماع والنزاعات والمظالم والخلافات والأحقاد وحتى الرغبات والمنافع الشخصية، فكل هذه الأشياء في المحصلة عثرت لها عن فرصة ومساحة كيما تعبر عن نفسها وبوسائل وأشكال مختلفة .

 قد تبدو للبعض غريبة وغير مستوعبة ؛ لكنها في الحقيقة موجودة وما نشاهده اليوم ليس إلا تعبيراً عن الأمس الذي يلقي بظلاله ؛ بل وبمكنونات ذهنية ونفسية وشخصية وفئوية رأت في فقدان النظام وتقهقر القوة وفوق ذلك تمزق وانفراط عقد القبيلة فرصة مواتية للتعبير عن ذاتها .

ولأننا إزاء واقع كارثي كهذا الذي لا توجد فيه مؤسسات دولة فاعلة وقائمة ؛ فإنني اعتبر ما جرى في عمران بمثابة طعنة في خاصرة دولة وحكومة ومجتمع ومؤسسة وبلد برمته, أياً يكن السبب والمسبب ،وأيا تكن حسابات القوى المتحاربة أو المداهنة أو الصامتة ؛ فالتهاون والتقاعس هنا أعده تهاوناً وتقاعساً مضراً بالدولة وبنظامها وجيشها ورئاستها وهيبتها ونفوذها .

النظام السابق لم يقم دولة أو جيشاً أو مؤسسة من أي نوع ، كما ونعلم جميعا بأن اليمنيين منهكون بتأمين مسألتين أساسيتين وحيويتين وملحتين ، أولها ولها صلة مباشرة بمعاناتهم اليومية ، وتاليها يتعلق ببناء الدولة الجديدة التي ينشدونها ويستلزمها كثيراً من الجهد والمال والوقت كيما تصبح الدولة كائنة بمؤسساتها وتشريعاتها وسلطانها ، وكي يصير لديها جيش وأمن قادران على حماية المواطن ومكتسباته وسيادته ووطنه .

ومع علمنا بحجم الإرث الذي تركته الأنظمة السابقة وكذا طبيعة الصراع الدائر وأطرافه المستفيدة من تغذية وإشاعة هكذا حروب قبلية ومذهبية ، ومع يقينا بان جيش البلاد مازال في وضعية لا تشفع له بخوض غمار معركة من هذا القبيل وفي مساحة تستحكم بها ولاءات المصالح الضيقة وفوق ذلك دولة ضعيفة هشة تتشاطرها المشكلات والأزمات ومن كل ناحية ؛ ومع كل ما ذكرناه ما حدث مسألة خطرة وتتعلق بنا جميعا دولة وشعب وجيش ونظام وامن وتنمية وثورة وجمهورية وانتقال سياسي ووو إلخ.

 نعم ..النظام السابق لم يقم دولة وفي مناطق تعيش فصول مأساة شخص مهووس طامع باستعادة عرش أبوه وجده ولو استدعى الأمر نحر الشعب اليمني كافة. البعض يحدثك غاضباً: أين الجيش الجرار المحارب لجماعات القاعدة في أبين وشبوه ؟ ربما غفل هؤلاء الفارق بين أبين وشبوه وحضرموت وبين صعدة وعمران والجوف ومأرب ! .

نعم جماعات جهادية استولت على مديريات بكاملها في شبوه وأبين ، ومع ذلك قام الجيش بما لم يكن يتوقع منه أحد . ونعم أن هذا الجيش ظل عاجزاً عن ردع عدوان قبائل الحوثي على وادعه في دماج ومن ثم على محافظة عمران التي تم محاصرتها واستباحتها دونما يحرك الجيش ساكناً.

هؤلاء ربما غفلوا الفارق بين الحالتين ، وحين نقول بالفارق فذاك أن في الجنوب دولة مازالت ماثلة في ذهن المواطن وفي ثقافته وسلوكه اللذين وأياً كان قبل برهة بالعيش في ظل جماعات القاعدة أو الحراك أو سواهما من الجماعات المسلحة إلا أن هذا المواطن وفي كافة الظروف لن يفضل أي من الجماعات على جيش الدولة ، لذا وما أن دخل الجيش المعركة حتى راينا المواطن في أبين وشبوه وحضرموت وقد حدد انحيازه إلى جانب الدولة وجيشها .

في شمال الشمال هنالك ثمة واقع مغاير وعلينا أن لا نكابرو فلو أن جيش الدولة تم الزج به في عمران وفي وضعه المفكك والهش الناجم عن انقسام عميق رأسي وأُفقي لكان هذا الجيش يخوض معركة خاسرة وبلا منتهى .

تذكروا جيدا أن جمهورية سبتمبر تاهت في مجاهيل عمران وصعدة والجوف وصنعاء ، كما واليمن- دولة وشعباً وسلطة وجيشاً ونظاماً ودستوراً وتنمية ووحدة وثورة وحواراً ومقررات- هي الآن في محك ما تحرزه هذه الدولة من بسط نفوذها وعلى كامل جغرافية طالما ظلت عصية ضحية معيقة ممانعة لكل أشكال التطبيع والاندماج مع مفاهيم عصرية حداثية مدنية نظامية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد