;
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر

عاصمة الحوثة والقبائل 970

2017-09-30 19:26:42

من المرجح أن العاصمة ستخضع لمفاوضات وفاقية، ما لم فإن انهيارها الأمني –بسبب كارثية التصلب وعدم التنازل وسوء التقدير- سيكون الطامة الكبرى للمشهد ولقرابة 3 ملايين يقطنونها، بينما لن يعود وضعها بسهولة لاحقاً كما قد يتخيل البعض.
معلومٌ أنه لا يمكن العبور لأمانة العاصمة دون خلخلة تلك البنى الولائية للقُبل التي تحيط بها كالسياج: أرحب، نهم، همدان، بني مطر، بني حشيش، بني بهلول وسنحان.. ففيما يتكثف وجود الإصلاح في أرحب مثلاً، يسيطر المؤتمر على بني مطر وبني بهلول وسنحان، أما بني حشيش ففيها التواجد الحوثي أكثر، بمقابل أن همدان تتقاسمها الثلاث القوى، وأما نهم فالإصلاح والمؤتمر أكثر المسيطرين.
والمؤكد أن هذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي تحدد قُبل صنعاء وضعها المستقبلي، علماً أن القبيلة عموماً براجماتية وتبحث عن مصالحها كما لا تخوض معارك خاسرة أو بدون استراتيجية.
وفي الوقت ذاته فإن تيار هادي والسعودية سيعمل- كما يبدو واضحاً- على استمالتها أو تحييدها على الأقل، أما الحوثي فقد حاول بوثيقة الشرف القبلية أن يكونوا بولاء جاهز له دون أي تمحيص، متناسياً أن كل قبيلة ستبحث ليس عن الثقة فقط فيمن سيمنحها المال أو السلاح، وإنما فيمن سيؤمن مصالحها بجهاز الدولة أيضاً، على أن القبيلة نفسها هي أكثر من تفهم ماذا يعني حصول المتغيرات الجوهرية محلياً وإقليمياً ودولياً، إضافة إلى ماذا يتطلب إخضاعها للتحول لصالح الكرت الناجح.
كل ذلك السيناريو سيكون في حال اتجه الصراع ناحية أمانة العاصمة، بينما مؤشرات عديدة تفيد بأن إجراءات تفكيك التحالفات القبلية الموالية للحوثي حولها قد بدأت. 
ولكن في حال اتجه الصراع ناحية عمران وصعدة، فعلينا أن نتذكر أنها رقعة تحتدم فيها أكثر من غيرها إضمارات المصالح الحاشدية البكيلية، بما يعني أن الصراع قد يتحول إلى حاشدي بكيلي ينطوي على وعي ثأراتي، وهو ما ستعمل القبائل على تجنبه بشتى الطرق.
على أن المؤتمر والإصلاح يسيطرون على أجزاء واسعة من حاشد، وهناك أجنحة مشائخ مع الحوثيين، أما بكيل فمعظمها حوثية مؤتمرية وهناك أجنحة مشائخ مع الإصلاح.
ولقد كانت أحداث 2014 التي تغلغلت عبرها الجماعة الحوثية للعاصمة أسفرت عن انقسام كبير لحاشد هو الأبرز من نوعه في تاريخها، في حين أن آل الأحمر كانوا من الأسباب المهمة لذلك الانقسام، كما كانوا ضحاياه، إذ نجح الحوثي في استغلال خلافات الزعامات القبلية التي تتصارع مع آل الأحمر على النفوذ المشيخي هناك، كما استغل الوضع صالح أيضاً لتأديب خصومه في تلك الرقعة شديدة المراس قبلياً، والتي ما إن اجتازها الحوثي حتى أحكم قبضته مع حلفائه على تقويض دولة هادي.
على أن آل الأحمر كانوا من أشد الذين فاقموا فساد دولة صالح وترعرعوا فيها، قبل أن ينفرطوا منه، لتبدأ بعدها مرحلة "الضحك على الذقون"، بل إن الصراع في الشمال كاد ينحصر بين صالح وأنجاله وحلفائهم والشيخ عبد الله وأنجاله وحلفائهم.. و هكذا: أي بدون أدنى اعتبار حقيقي لمصالح وحاجات الشعب في همومهم، حتى أن الطرفين كانوا ومازالوا مثل الحوثيين لا يطيقون حلم الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية، كما بسبب تلك الترويكة "المشيخة والفندمة والمسيدة" ضرب التفسخ والبؤس العقل السياسي والثقافي والاجتماعي اليمني، إلى أن تم تكريس ما هو أسوأ من الأوضاع المتدهورة التي ثار الشعب ضدها في 11 فبراير 2011، ذلك اليوم التاريخي الفارق في حياة اليمنيين.
لكن وبالرغم من كل الخذلانات والكوابح والأمراض التي أنتجتها مختلف التراكمات والتداعيات والأخطاء التي استمرت في دأبها المعتوه على تجريف الإجماع الوطني اللائق بإنقاذ اليمن: مايزال الحلم قائماً بأهمية تعاون جميع القوى والتيارات والأفكار -من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب- للإتحاد من أجل حل القضايا العالقة وإخراج اليمن من هذا الوضع الخطير الذي يعد الأفظع فى تاريخنا المعاصر، خصوصاً بعد تغول الميليشيا ومحاولات تطييف الصراع السياسي وغياب المفاعيل الوطنية الناضجة، وهي العوامل التي قادت رويداً رويداً إلى أعلى مستويات الإنحراف والتدهور فى جميع المجالات بدون استثناء، ما يتطلب حالياً وجوب تفعيل جذوة المشروع الوطني واستعادة روح الوحدة والجمهورية وكيان الدولة المغتصبة وشرعية التوافق السياسي والعملية الديمقراطية، وكذا ضرورة مغادرة عقلية الانتقامات والهيمنات، ورسوخ إرادة انتشال اليمن واليمنيين من معمعة الطغيان والفساد والحروب والفوضى والعبث و المظالم والتمزقات والانهيارات المهووسة والمتسارعة، 
في السياق يبقى من البديهي القول إن القبيلة ليست بعقيدة مذهبية أو أيديولوجية سياسية متشددة وإنما العكس تماماً.
فالقبيلة استمرت كأكثر من يفهم التجاذبات والتحولات في مراكز القوى، ولذلك فهي تميل للعاصفة تاريخياً، كما ترجح طرفاً على طرف إلى حين ترى الأفق الجديد الذي سيتشكل.. وأما اليوم فلا يمكنها استساغة ما يسمى بالحق الإلهي لآل البيت في الحكم مثلاً مهما تظاهرت بذلك، وعلى هذا الأساس كان يعول صالح في الانقلاب على حلفائه الحوثيين قبل أن يدخل التحالف في الخط ويقلب موازين المعارك رأسا على عقب..
والحال أن الحوثية كانت قد أقدمت على عمل اجتماعي وثقافي كبير على الأرض ما ساهم في تحويل الآلاف من أبناء القبائل إلى وقود حرب، غير أن القبيلة لاتستكين للوضع كما هي عادتها كونها تتغير مع تغير الظروف، 
ولعل مزاج الإمامة الذي كان قائماً ما قبل قيام الجمهورية، لا يمكنه أن يتكرر رغم كل شيء الآن مع أنه الحلم الأول بالنسبة للحوثيين.
والأصح أن العصبية القبلية مازالت أكثر من غيرها هي التي تتجلى في النهاية، كما أن تعاون أبناء القبيلة شرط ضروري لدرء خطر داهم قد يكلف كثيراً من الأنفس والخسائر والثأرات، وعليه فقد كانت القبيلة تاريخياً تبحث عن سند يلبي رغباتها ويمكنها من الحفاظ على مصالحها. 

ومن هذا المنطلق ظلت قبائل الشمال أكثر ارتباطاً بالسعودية على مدى عقود بعد 8 سنوات من الحرب بين الجمهورية والإمامة التي كانت السعودية آنذاك تدعمها.
وفيما هناك إجماع على أن أبناء المشائخ ورموز القبيلة الذين تبوأوا أهم المناصب العسكرية والأمنية والسياسية في جمهورية الدولة الهشة لاحقاً، لطالما عملوا على إعاقة وجود دولة يمنية حقيقية حفاظاً على نفوذهم، فقد كان من الطبيعي أن تنهار فكرة الدولة التي كانت بحاجة إلى التمتين وليس العكس، جراء الممارسات الازدواجية لهؤلاء، وابتهاج السعودية بالأمر حينها، إلى أن تبين لها أن عدم تحقق دولة في اليمن هو ما قاد إلى كل هذه الفاتورة الرهيبة يمنياً وسعودياً. 
والثابت أن الرئيس الاسبق ابراهيم الحمدي مثلاً كان على خطأ كبير وهو يقول بعد سنة فقط من مشروعه التحديثي التصحيحي الحالم والنبيل بأن مراكز القوى قد تساقطت وانه لن يُسمح بعودتها وأن المؤامرات ضد الدولة تحاك من قبل أصحاب الميزانيات الضخمة والبطون المنتفخة الذين احترفوا التجارة بالشعب.. 
ذلك ان هؤلاء هم الذين اغتالوه بمباركة السعودية نهاية السبعينيات، وهم انفسهم الذين بسبب مساهمتهم الحثيثة في تردي الأوضاع كان من الطبيعي أن ينفذ الحوثي إلى العاصمة في 2014.
لكن في خضم ما سبق يظل من المهم التذكير بأن القبيلة اليمنية لا تستيغ أجندة إيران خصوصاً وأن المذهب الزيدي يرفض الغلو المستورد وهابياً كان أم اثنعشرياً، كما أن الحوثي قد خسر جزءاً كبيراً من قواته التي شتتها شرقاً وجنوباً ومعظمهم من أبناء القبائل الذين انضموا لاحقاً كونهم يعتمدون على اقتصاد الحرب أكثر من غيره 
والواقع أن السواد الأعظم من أبناء القبائل البسطاء الذين كانوا يضطهدون من قبل مشائخهم مازالوا أنفسهم يضطهدون من قبل الحوثيين كذلك.
على أن هؤلاء صاروا يدركون كل يوم أكثر بأن اللعنات التي تطلقها الجماعة الحوثية لا تصيب إلا اليمنيين 
وبما أن المعارك في الشرق والوسط والجنوب لم تمضِ على مايرام للحوثيين وحلفائهم، فإن القبائل بلاشك ستسعى لخطوة جديدة مفارقة لخطوتها السابقة كما كانت تفعل دائماً في كل المنعطفات الكبرى، ثم إن أزمة التفكك التي تشهدها البلاد حالياً ستجعل الجميع ضحاياها على السواء "الذين مع والذين ضد".
وباختصار شديد فإن ما يزيد الطين بلة هو استمرار غياب مفهوم الدولة، فضلاً عن أن المعارك العسكرية وحدها لن تعيد العافية لليمن، باعتبار أن العافية الفعلية ستنبثق من مدى تنفيذ الاستحقاقات الأمنية والاقتصادية العاجلة إضافة إلى الضمانات السياسية الواقعية بالطبع. 
والخلاصة انه بدلاً من الاستمرار في قبلنة الدولة، صارت الضرورة المستقبلية تقتضي تمدين القبيلة، بينما لن يتمكن أي طرف من ذلك سوى من يستطيع ادارة التناقضات المعقدة بمشروع وطني شامل لا بمناطقية أو بمذهبية أو بحزبية على الإطلاق.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد