;
د. عبده عبدالله
د. عبده عبدالله

الحرب النفسية.. إستراتيجيتها والوقاية منها 917

2017-10-31 19:20:23

لا تطلق رصاصة أو تحلق طائرة حربية أو ينطلق صاروخ في معركة مصيرية إلا وتسبقه أو تواكبه أو تعقبه حرب نفسية تستهدف سلوك المقاتل وذلك لخلق قناعات سلبية وبث روح اليأس وإحداث حالة من الإحباط لديه وذلك باستخدام مختلف الأساليب والوسائل المعاصرة لتغيير معادلة الحرب، ولتفادي التداعيات الخطرة للحرب النفسية على المقاتل والمؤازر له، بات من الضرورة بمكان اطلاعه ومؤازريه على حقيقة هذه الحرب ووسائلها وكيفية إدارتها ليأمن من تأثيرها السلبي .
فاستخدام أي وسيلة بقصد التأثير على الروح المعنوية وعلى سلوك أي جماعة لغرض عسكري، هو ما يعرف بالحربية النفسية .
وتعتمد الحرب النفسية على الخداع والتمويه، وعلى أساس الاستخدام المنظم لوسائل الاتصال لتوجيه شخص أو أكثر وتغيير رأيه أو التعديل فيه استناداً إلى حجج أو أساليب تتضمن نوعاً من التمويه أو التضليل في الحقيقة المجردة، بهدف تحطيم إيمان الخصم بعقيدته السياسية، وتحطيم الوحدة النفسية لديه عقائدياً، واستغلال بعض الانتصارات لزرع الخوف، وما يترتب عليه من الهروب من المعركة .
والحرب النفسية قديمة حديثة، فموقف قوم موسى عليه السلام من دخول الأرض المقدسة جاء استجابة للدعاية والإشاعة بأن فيها قوماً جبارين وتصويرهم للرأي العام أنه لا طاقة لأحد بهم، فقالوا: { إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُون).
وتمثلت أسلحة الحرب النفسية التي استخدمها فرعون في الدعاية والزعم الكاذب أنه صاحب الحق، وأنه يهدي قومه سبيل الرشاد، وتخويف وإرهاب مخالفيه ، باعتبار ذلك أهم غايات الحرب النفسية في كل زمان ومكان. والإيمان هو أقوى من كل الحروب النفسية والمادية .
ومن أساليب الحرب النفسية، المكر والخديعة، وإظهار النصح والحب، وتغليف البغض والحقد به {قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُون أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون } ، وكذلك الظهور بمظهر البريء من الذنب لإبعاد التهمة كما فعل أخوة يوسف، {وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُون قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِين } وباستخدام الداعية الكاذبة، حاولت امرأة العزيز إلصاق التهمة بيوسف لما غلّب صوت العقل على نزوة العاطفة، وانتصاره على الإغراء، {وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم).
وقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم للحرب النفسية من قريش واليهود، من دعاية مغرضة، وإشاعة مغرضة، وتكذيب واستهزاء، وإغراء بالمال والجاه، وإرهاب ومقاطعة، وتولى الله الرد عليها تثبيتاً وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ويظهره قوياً أمام هذه الحرب غير الأخلاقية. وكان من عوامل انتصار المسلمين رسائل الرعب التي كانت تعصف بالعدو حيث تسبق انتصارات المسلمين، والروح المعنوية العالية لديهم، فقُبيل بدء معركة اليرموك سمع خالد بن الوليد رجلا من نصارى العرب يقول: ما أكثر الروم وأقل المسلمين. فقال له خالد: ويلك أتخوفني بالروم، وإنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال. فبهذه الروح المعنوية العالية انتصر المسلمون، التي أساسها الإيمان، والمبادئ ، وإرادة الخير للآخرين .
كما استخدم المسلمون أساليب الحرب النفسية، لإدخال الرعب في نفوس أعدائهم، وكانت لهم شعارات في الغزوات والمعارك يرفعون بها أصواتهم، ففي بدر كان شعارهم: أحَدٌ أحَدٌ، وفي أُحد: أمت أمت، وفي اليرموك: يا خيل الله اركبي، وكان للتكبير صداه في المعارك التي يخوضونها، ولم يقف المسلمون عند هذه الأساليب فقد سعوا إلى ضرب صفوف العدو من الداخل وذلك بالتفريق بينهم، وشق صفهم، حيث نجح نعيم بن مسعود رضي الله عنه في هذه المهمة التي أوكلت إليه فعصف بتحالف المشركين واليهود، وكان احتجاز النبي لأبي سفيان في مدخل جبل مكة نوعاً من الحرب النفسية، ليرجع أبو سفيان محدثاً قومه بما رآه فيقضي على أي أمل لديهم في المقاومة قبل فتح مكة .
وأبقى عمرو بن العاص رسل المقوقس عظيم مصر عنده يومين، لتتاح لهم فرصة الاطلاع على حياة الجند الذين صاغتهم التربية الإسلامية، وعندما رجعوا للمقوقس سألهم: كيف رأيتم؟. قالوا: رأينا قوماً الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة، وإنما جلوسهم على التراب وأكلهم على ركبهم. وأميرهم كواحد منهم، ما يعرف رفيعهم من وضيعهم، ولا السيد من العبد، وإذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء، ويخشعون في صلاتهم . فقال عند ذلك المقوقس : والذي يحلف به، لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها، وما يقوى على قتال هؤلاء أحد.
وقد تطورت الحرب النفسية خلال الحرب العالمية الأولى، لتصبح علماً من العلوم التي تقوم على أسس عامة، وأعيد تنظيم الدعاية بعد الحرب من قبل الحلفاء وأنشأوا إدارة للدعاية ضد العدو . وكونوا لجنة من عدة دول لهذا الغرض، بمشاركة المملكة المتحدة، والولايات المتحدة، وفرنسا وإيطاليا، وأخذت كل دولة تطور هذه الحرب، وتوظيف مختلف وسائل الأعلام والاتصال لتحقيق أهدافها .
ومن وسائل الحرب النفسية الدعاية لنشر معلومات وفق اتجاه معين من جانب فرد أو جماعة في محاولة منظمة للتأثير في الرأي العام، وتغيير اتجاه الأفراد والجماعات باستخدام وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير .
وقد سهلت وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمشاهدة انتشار الدعاية، إضافة إلى المؤسسات البحثية والبعثات والمؤتمرات .
وتعدّ الشائعة من أخطر وسائل الحرب النفسية التي تنتقل من شخص لآخر عن طريق الكلمة الشفهية دون أن يتطلب ذلك مستوى من البرهان والدليل .
وتهدف الشائعة إلى تدمير القوى المعنوية للخصم وتفتيتها، والإرهاب وبث الرعب في النفوس، لا خفاء الحقائق .
وخير وسيلة لمقاومة الشائعات ومواجهة الحرب النفسية هو التربية الأمة على الإيمان الصادق والثقة بوعد الله، وتحصينها أفرادها ضد الشائعات عن طريق دعم إيمانهم بوطنهم وأهدافهم، وتوعية الجماهير وإيقاظ الضمائر؛ وهي مهمة يجب أن تتضافر لنجاحها مختلف المؤسسات التربوية والتعليمية والإرشادية والأمنية .
ومن أسلحة الحرب النفسية غسيل الدماغ الذي يعرَّف بأنه: كل وسيلة تقنية مخططة ترمي إلى تحرير الفكر أو السلوك البشري ضد رغبة الإنسان وإرادته أو سابق ثقافته وتعليمه، يهدف السيطرة على العقل البشري، وتوجيهه بغايات مرسومة بعد أن يجرد من مبادئه.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد الجماعي

2024-05-06 23:20:44

"فسيلة" الزنداني؟

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد