;
فيصل علي
فيصل علي

جدلية الذات 801

2019-01-02 03:30:42

"ترانَا هل نَحتاج إلى وطنٍ جَـديد.. أم ترَاه وطننَـا من يحْتاج إلى شعْب جَديد !". محمود درويش نفتتح هذا العام وكثير من الأمنيات السعيدة لا تراودنا بسبب وضع اليمن الذي زادت تعقيداته، لكن أمل السلام يطل بقوة المنطق، والعقل، والإدراك، والواقع. الحروب الفاشلة لن تستمر، والسلام الحقيقي الذي ينشده كل الناس سيأتي، لأنه ببساطة صار مطلب الجميع، سنخوض عامنا هذا من البداية بحثاً عن السلام، بدلاً من الصمت أو الهروب من الواقع، فقد غبنا بما فيه الكفاية. أبشر أصدقائي المحبطين، والقلقين أن القلق والإحباط من المفردات اليومية التي لن تزول بزوال المسببات، حتى لو وصلنا إلى مرحلة الرفاهية، وهي تأتي بعد تأسيس وبناء الدولة، فإن الإحباط والقلق يستمران بلا هوادة، لا مثاليات في هذا العالم. مع التنبيه أن الحمقى غير قلقين أصلاً، فالمشكلات غير موجودة، والأمور "سبور" فلا قلق ولا إحباط لديهم، أما أنا سيد القلقين فتراودني لحظات ما بعد القلق والإحباط، وأصل إلى مرحلة الشعور بالانطفاء، وأردد مع صديقي ديستوفيسكي: "لو أنَّني أعرفُ كلمةً أعمقُ من كلمةِ انطفأتُ، لقلتها ! أنا لم أشعُر من قبلُ بِانطِفاءِ رُوحي مثلما أشعُرُ بها الآن". لكن لولا الشعور بالانطفاء لما تجددت الفكرة وارتسمت الملامح على طريقنا الذي سلكناه ابتداءً، لا أتخيل نفسي بلا قلق، وبلا إحباط، وبلا شعور بالانطفاء، فهذه ثلاثية التحفيز المستمرة محروم منها الكثير من البشر. عام مضى وعام أتى، وأنا أجادل وأحاجج ذاتي، ويرتفع الصياح في رأسي بين الحجج، كما لو أن عشرة ألاف يناقشون قضية واحدة في نفس القاعة، في هذه المرحلة صار الجدل الذاتي بيني وبيني هو الأساس، بعد مراحل متقطعة منه ومتداخلة مع جدل الآخرين، سواء أكانوا أناس لديهم القدرة على المجاراة، أو كتب دون فيها آخرون ما أتفق وأختلف معه من أفكار، فالجدل قديمه وحديثه يصنع مخارج طوارئ افتراضية، وواقعية للخروج من مراحل البحث عن الحقيقة والذات معاً. لا أخفيكم أعزائي جميعاً أني غير مرة وصلت إلى قناعة أني قد أضعت الطريق، ومرات بالكاد أخطو خطوة واحدة فيه، وأحياناً أجد نفسي مثقلاً على نفس الطريق ولا أستطيع المضي فيه، أتعب كما يتعب جامعوا الحطب والحجارة، وأرهق كما يرهق المجانين من أثر السير بلا هدى. جلستُ إلى نفسي مؤخراً وأقنعتها بضرورة التغيير، مع أنه ظل يلازمني كظلي، وما أن أتغير وأغير قناعاتي حتى أتغير مجدداً، وبعد كل هذا الجهد توصلتُ إلى قناعة أن الإنسان لا يختلف عن الحمار!! إلا في أن الحمار يعلم "بحموريته" والإنسان لا يعلم بها، وإن علم أخفى الأمر عن نفسه، وعن من هم بجواره، هذه ليست قناعة بقدر ما هي فرضية، ما الفرق أن أضاع الطريق مخلوق يمشي على رجلين أو على أربع أو يطير فوقنا بجناحين؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.. الآية. تجلس إلى البعض فتضيق نفسك وتشعر بالغثيان، لا تريد التواصل بهم ولا سماع أصواتهم وتمنعك قيمك من التصريح بذلك فتتحاشهم علهم يفهمون من تلقاء أنفسهم، ولكن لا حياة لمن تنادي. فتوقن بخرافات الأرواح الشريرة، وتقرنها "بالعين حق"، واهجوهم ولا تغزوهم، فتحدث لديك حالة من اللا عقل واللا منطق، هل لهذا الحد صار الشر منتشراً لدرجة القرف؟! ربما يدرك ذلك البعض والبعض لا يدركه، إلا أن الثقلاء موجودين في كل زمان ومكان. ولذلك لابد من التحذير من صنفين من الناس يستحسن أن لا تقترب منهم: الانتهازيين، والمتطلعين إلى الوصول عن طريقك إلى أهدافهم قصيرة المدى. و لصناعة السلام الداخلي لابد من الابتعاد عن الحماقات والتراجع عنها، ولذلك لابد من الابتعاد عن الحمقى، فهم مصدر غني بالحماقات وبالأفكار العدمية التي لا رأس لها ولا رجل. هناك أشخاص لا يصلحون أصدقاء في الواقع، ولا في الواقع الافتراضي، واعتزالهم من موجبات السلام الداخلي، وهذا ما ذهب إليه الإمام الشافعي، مع أنه لم يكن لديه حساب على الفيس ولا رقم في الواتس حين قال عنهم:(فَفِي النَّاسِ أبْدَالٌ وَفي التَّرْكِ رَاحة). علينا أن نتفق على المستوى الشخصي أن هذا العام هو عام التخفف من الحمولات الزائدة والحمقى والحماقات، فلا مجال للبقاء على نفس النهج وتجريب المجرب، عام فيه نريد تعزيز القيم العليا، وترك النزق والمجاملات على حساب الروح والجمال والفن، الحياة لا تحتمل المزيد من الضجيج. يكفي أن يكون المرء صديق نفسه، مش صاحب صاحبه على رأي إخواننا المصريين، ما دام لديك الرؤية واضحة يكفي فلا تحتاج لأحد، في العتمة هناك نور قادم من بعيد، وفي ثنايا الروح هناك حقيقة كبرى، أحمل علامتك المفضلة وتوكل، فقد فعلها نبي الله إبراهيم عليه السلام من قبل: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (120) النحل٠ من المزعج أن تعيش لترى ذنوبك وصناعتك الخاطئة، فهي من أشد أنواع العذاب، ومع أنها مؤلمة إلا أن لها جوانب إيجابية تتمثل في تحسين وتجويد المنتجات اللاحقة، علم من تصنعهم من طلابك أن الحب مقدم على الكره، وأن حسن الخلق مقدم على البذاءة، وأن الصدق هو المقياس الذي لا يتغير بتغير الأعوام، وأن التفكير هو الكتابة. قال لولده:" يا فتى اقرأ لثلاثة لي ولفيصل ولمروان"، وجاء يزف لي البشرى.. فقلتُ:" قاتلك الله من أنا لتقارني بمروان ملعون الكتابة الذي لم يبلغ أحد في اليمن والجزيرة مداه، أحببت مقالاته وخالفت بعض ما جاء فيها، إما لأنه مس بعض أصنامي الذين عبدتهم دون أن أعلم، وربما لأن الحق ظهر على لسانه قبلي، ومع ذلك لم أتقبله روائياً، وقد يعود السبب إلى نزق الطباع الذي ما زال يعتريني كما يعتري وحيد القرن. " قلت له:" أما بعد فأنت ما زلت مسكيناً لا جديد لك ولا قديم تتكئ عليه، ولن تكون كاتب ولا قارئ ولا شويعر، ولا حظ لك في هذا العالم المدهش، فلا تغشنّ الطفل نسأل الله أن يبعده عن هوسك ليعيش كالرجال." "أرسل الشاعر العراقي بدر شاكر السيّاب إلى مدير مجلة الآداب رسالة يقول فيها: "‏أرسل إليك برفقة هذه الرّسالة قصيدة لي بعنوان: أنشودة المطر. وأتمنّى أن تنال رضاك وأن تكون صالحة للنشر في الآداب، وإني لخجول جداً من أن قصيدتي هذه ستشغل في مجلة الآداب حيّزا قد يكون من الأولى ملؤه بما هو خير من قصيدتي وأجدى".. رحم الله السياب لم يكن يعرف أن من لديه حساب في وسائل التواصل الاجتماعي يعتبر نفسه خير الناشرين، وأن منشوره يحدد مسارات الكون، وأن طريقه إلى الشهرة سيوصله إلى مالم يصله السياب. لقد ضاعت الآراء في زحمة العدم والضجيج، لم يسأل أحدهم نفسه عن عمره الكتابي حتى يفشر وينشر، ويا فلان اقرأ لي، وكما أنا قد نشرت "بوسط" وبوسط هذه مفردة من بسطة الخضار، ولا علاقة لها بمفرد post الإنجليزية والتي تفيد بإلصاق ما كتب بالحائط وتفيد بأنه تم النشر. الكتابة هي التفكير، وليست مجرد مقضي غرض، ومجرد فصلهما عن بعضهما يكون الناتج مجرد رص أحرف وجمل بلا قيمة أو معنى. المحتوي المميز قادم لا محالة، والضوضاء ستزول، العالم لن يحتمل خفة العقل كثيراً وهذا رهان 2019 وما بعدها. عام مليء بالحب والخير والسلام لكم جميعاً، وكل ميسر لما خلق له إلا "المتنحين" فهم أخبر.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

علي أحمد العِمراني

2024-05-08 00:25:19

"1-5" حقائق عن اليمن!

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد