;
أحمد عبدالملك المقرمي
أحمد عبدالملك المقرمي

صفا كالبنيان المرصرص 895

2019-01-23 21:49:26

عندما يبلغ التشفي حد الإضرار بالنفس أو الوطن فتلك مصيبة وكارثة بكل المقاييس، وقد كان مثل هذا التفكير الأبله محصورا في القادة الدكتاتوريين الذين يلجأون إلى التشفي بالشعب والوطن - كلما هددتهم ثورة شعبية أو انتفاضة جماهيرية - على قاعدة: عليّ وعلى أعدائي! ونحن في اليمن عشنا وشفنا كما يقول المثل. هذا الداء الوبيل وصل- للأسف - إلى ( بعض) النخب في (بعض) المكونات السياسية، وباتت تلجأ إليه عند كل محطة تصفية لحساباتها مع الآخر. فصار عندها التشفي بالشريك أو القريب في موقف ما هو المطلوب، ولو على حساب المبدأ الوطني العام الذي يفترض أنه يضم الجميع ويهمهم. هذه الضحالة في الأداء السياسي؛ هي عبارة عن ثقافة سياسية مأزومة ومريضة، ولم يكن لها حضور - بهذه المساحة - في الماضي. (وهذه السطور لا تعمم ولكن تقصد شللا أينما وجدت). وعندما أقول لم تكن بهذا الحضور من قبل، فإن الجمهوريين أيام حصار السبعين يقدمون لنا مثلا في قمة الروعة؛ ذلك أنه لما تقدم الملكيون إلى حد حصار صنعاء - المعروف بحصار السبعين - كان الصف الجمهوري منقسما إلى حد المواجهات المسلحة، فما هو إلا أن جاء الملكيون، حتى هَبّ الجمهوريون هبة رجل واحد لمواجهة فلول الإمامة ومن خندق واحد، وغاب عن صف الجمهوريين تماما وباء التشفي والنكاية، وداء تصفية الحسابات. مثل هذا الموقف الفذ غاب عند البعض في ما تعرضت له البلاد من أحداث، وما يزال غائبا عند البعض الآخر، ممن لا يرى أبعد من حدود حارته أو قريته، ناهيكم عن المنتقمين الذين سلموا للكهنوت الحوثي كل شيء! الأصل أن المبدأ يظل بعيداً عن الحالات المرضية من التشفي أو فرصة تصفية الحسابات، فالمبدأ لا تفريط فيه، والحق أحق أن يتبع؛ ويبقى موقف الجمهوريين حين تناسوا خلافاتهم ووقفوا صفا واحدا لمواجهة الملكيين حتى تم لهم فك حصار صنعاء؛ يبقى موقفا مميزا ومتميزا مدى التاريخ، كما يبقى موقف قدوة لكل وطني بحق. فالانتصار للمبدأ لا يُكايد به، ولا يُجامل على حسابه، فالجمهوريون لم يتشفون ببعضهم، ويخبرنا التاريخ أن ابن القيم لم يجامل شيخه، شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة من المسائل، فلما قيل له ولكن شيخ الإسلام يقول فيها كذا وكذا، رد عليهم ابن القيم قائلا: شيخ الإسلام حبيب إلينا ولكن الحق أحب إلينا منه! ليست المواقف اتباعا أعمى، ولكن بصيرة وموقف، ولو خالف الشيخ أو القائد أو الحزب أو التنظيم، فالمسألة مسألة مبدأ. بل لقد سجل لنا التاريخ مواقف خصوم وأعداء لم يدفعهم التشفي للكذب نكاية بخصومهم، فعندما أحضر هرقل - قيصر الروم - أبا سفيان إلى مجلسه وهو في الشام؛ ليسأله عن الرسول صلى الله عليه وسلم - وأبو سفيان يومها لما يسلم بعد - أجاب إجابات منصفة في حق الرسول في أنه لا يكذب ولا ينقض عهدا... وهو يومئذ في عداء مع الرسول الكريم. ومثله أن رجلاً جاء إلى معاوية رضي الله عنه فراح ليصف أمير المؤمنين علي بن ابي طالب رضي الله عنه بالجبن والبخل، فأسكته معاوية قائلا له كذبت؛ فأما الجبن فلقد والله جلّى عن الرسول كربا بسيفه وشجاعة بأسه، وأما قولك أنه بخيل؛ فو الله لو أن له دار من تبر (ذهب) ودار من تبن لأنفق تبره قبل تبنه! حين يختلف الرجال فإنهم لا يتخلون عن المبادئ نكاية أو تشفيا، ولا يتنكرون لصفات ومواقف الرجال، ولا يكيدون بالكذب والافتراء والدسائس، لكن البؤس أن يصل الحال بالبعض أو بأي أحد، فيتخذ موقفا يناكف به على حساب المبدأ أو التنكر لأصحاب المواقف: ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقر الرجال فلن يهابا نحن اليوم بأشد الحاجة لأن نعيد هَبّة الصف الجمهوري المتآزر إبّان حصار السبعين، ولسنا بحاجة إلى نبش مصطلحات الفرقة والتمزق باستدعاء الطائفية والجهوية والمناطقية النتنة. يثير فيك مشاعر الرثاء والشفقة كاتب أو صحفي حزبي، أو تصريح لقائد سياسي؛ يوم أن يخوض أو يغرق في مستنقعات جهوية أو قروية، فيردد مصطلحات مناطقية تمزيقية! فمن هذا السياسي الحزبي الذي يريد أن يتقوقع بحزبه في:حي الصافية من صنعاء مثلا، أو سوق الهنود من الحديدة، أو القلوعة من عدن أو حي عصيفرة من تعز، أو.. أو.. الخ. المحافظات. إن العمل الحزبي عمل مدني، يمتد على كامل تربة الوطن، والتناكف بالقروية والمناطقية والطائفية تخلف بائس، وجهل حالك، وتقوقع مدمر. إنها استجابة كارثية حمقاء لذلك الاستهداف المبيّت الرامي لتمزيق كل قطر عربي فيما أصبح يعرف بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ. لا كنتُ ولا كان الحزب الذي أنتمي إليه إذا كان سيرفع عقيرته بمناطقية أو قروية أو طائفية، والفخر كل الفخر لعمل حزبي سياسي يمتد من أقصى اليمن إلى أقصاه، خاليا من مرض الجهوية، وبريئا من وباء الطائفية، ونقيا من السلالية. إن الظروف التي نعيشها تفرض علينا اصطفافا يعي ويدرك مدى التحدي الذي تواجهه اليمن، والذي يوجب على الجميع المضي بإرادة واحدة موحدة في تبني مبدأ الدفاع عن الثورة والجمهورية، وإسقاط المشروع الظلامي للكهنوت الذي يريد باليمن أن يعيدها إلى مجاهل التاريخ، وإلى ما قبل ثورة سبتمبر 1962م.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد