;

رؤية شرعية لمقصد الوحدة وحكم المبادرة الانفصاليةفـــــــي المنظـــــــــــور القــــــــــرآني 1568

2006-10-23 19:06:20

بقلم/ حارث عبدالحميد الشوكاني

في هذه الحلقة قبل الاخيرة يواصل الكاتب رؤيته الشرعية عن الوحدة كأصل تشريعي وضرورة حتمية باعتبارها من اهم مستلزمات القوة والحضارات والألفة والعظمة والعكس صحيح، فالتجزئة والتقزم دليل الضعف والخور والتنافر والاقتتال وانهيار الحضارات، والآيات القرآنية تترى فيها الآيات البيانات التي تشدد وتحث على التوحد والتكاتف ونبذ العصبيات والاختلاف والانقسامات إلى حد ان القرآن قرن الوحدة بأعظم مبدأ وهو المبدأ الاول الذي قامت عليه العقيدة الاسلامية ألا وهو توحيد الخالق عز وجل قال تعالى «وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون»، وما اخترق الاعداء المجتمع المسلم بداية من الخلافة الراشدة، بل وحاولوا ذلك في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عبر بث الخلافات بين الانصار بعضهم البعض والتذكير بما كان بينهم من حروب كيوم بعاث في زمن الجاهلية ثم بين المهاجرين و الانصار وهلم جراً حتى فتح باب الفتنة بمقتل الخلفاء «عمر وعثمان وعلي بن ابي طالب» واما اثاروه من نزاع بين الاخير ومعاوية رضي الله عنهم اجمعين إلا بقصد النيل من وحدتهم، وبالتالي تفكيك الخلافة الاسلامية والنيل من قوتها ووقف هذا المارد الاسلامي الزاحف ينهب الارض نهباً يقود إلى نور الهداية والخير والعزة والمنعة فخاف الاعداء على مصالحهم وثرواتهم ولتستمر لهم السيطرة ونهب خيرات الشعوب ومقدراتها، ويصل الكاتب في الاخير تحذير الاحزاب الجمهورية من مغبة الانقياد خلف المخططات الامامية الرامية إلى فدرلة الدولة اليمنية الواحدة كون «الفيدرالية» لاتناسب دولة بسيطة اندماجية وليست ذات عرقيات أو ناتجة عن اتحاد عدة دول مختلفة الايدولوجيات والتوجهات كاليمن، ومحذراً من مخططات القوى العالمية والعدو الصهيوني اليهودي الغاصب الرامية إلى شرق اوسطي جديد وتقسيم الدول القطرية وتجزئ المجزء وتقسيم المقسم.. وإلى تفاصيل حلقةاليوم.


الحلقة
الثامنة عشرة





> الوحدة أصل تشريعي لكافة أديان السماء من أقامها أقام الدين ومن هدمها هدم الدين:


الوحدة اصل عظيم من اصول كافة الاديان وثابت من الثوابت التشريعية في كافة الشرائع السماوية مما يؤكد انها سنة اجتماعية ولنتدبر قوله تعالى «شرع لكم من الدين ما وصَّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبى إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب، وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقُضى بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب، فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير» «الشورى 12-15» فهذه الايات البينات في سورة الشورى بينت المكانة العظيمة للوحدة وخطورة الفرقة بما لا يعد مجالاً للشك في ان الوحدة والنهي عن الفرقة من امهات معاني القرآن ومقصد عظيم من مقاصد جميع رسالات السماء، فالوحدة كما بينت هذه الآيات هي شريعة ثابتة اخذت مقاماً عظيماً لدى كافة رسالات السماء «شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كَبُرَ على المشركين ما تدعوهم إليه» ..فالوحدة والنهي عن الفرقة هي شريعة كل الديانات السماوية عبر التاريخ ابتداء من نوح عليه السلام إلى اخر الانبياء محمد صلى الله عليه وسلم فكل رسل السماء كانوا دعاة وحدة ونهاة فرقة.
وقوله تعالى «أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه» في هذا النص القرآني بيان صريح قطعي يدلل على اهمية مقصد الوحدة إلى درجة تفوق تصوراتنا جميعاً كاعظم مقاصد الاديان تصل إلى حد اعتبار اقامة الوحدة اقامة للدين وهدم الوحدة هدم للدين «أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه» وهذا النص الصريح القطعي الدلالة يبين لنا ان إقامة الوحدة إقامة للدين، ويتأكد هذا الفهم بقوله تعالى «ولا تتفرقوا فيه» اي ان مقصد الاديان الرئىسي هو إقامة الوحدة وبالتالي فالعدول عن الوحدة إلى الفرقة يعتبر هدماً للدين، ويتعزز هذا الفهم بأن رتب القرآن عقوبة للخارجين عن الوحدة إلى الفرقة تساوي عقوبة الخروج عن التوحيد اي الشرك بصريح القرآن «كبر على المشركين ما تدعوهم إليه» ولهذا يجب ان نفهم ان الوحدة مقدسة في القرآن والاديان قداسة التوحيد.
واذا كانت الوحدة قد اخذت هذه المكانة كتشريع ثابت لكافة اديان السماء وعظمت الاديان مقامها إلى درجة اعتبار اقامة الوحدة اقامة للدين وهدمها هدم للدين فإن هذه المكانة ليست من قبيل التشديد النظري والتشريعي فقط وانما لأنها سنة اجتماعية وقانون اجتماعي قائم في الواقع كحقيقة موضوعية.
فلو تأملنا في الواقع وفي رصيد العبرة التاريخية لوجدنا تطابقاً بين كتاب الله المسطور «القرآن» وكتاب الله المنظور «الواقع» في التأكيد بأن الوحدة سنة من سنن قيام المجتمعات والدول والحضارات وان الفرقة ومشاريع التجزئة والانفصال سنة من سنن سقوط وانهيار الحضارات والدولة.
فما من نهضة لمجتمع ودولة وحضارة وقوة عظمى إلا وكانت الوحدة بدايتها وما من مجتمع ودولة وحضارة وقوة عظمى انهارت وسقطت إلا وكان انقسامها وتفككها وفرقتها سبب هذا الانهيار والسقوط، فنحن لو اعتبرنا من تاريخنا الاسلامي وماذا انجزه في الواقع لوجدنا ان العرب كانوا قبل الاسلام يعيشون في اشد حالات التخلف والجهل حالة غياب الدولة الواحدة الوحدة الناظمة لوحدة الامة، وانقسام المجتمع العربي إلى عصبيات وشيع قبلية متحاربة متقاتلة، وعندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم كان ابرز انجاز فعله على مستوى الواقع عبر عقيدة الاسلام كما فعل الرسل من قبله هو انشاء دولة قوية واحدة انتظمت من خلالها وحدة الامة العربية والاسلامية فقامت حضارة اسلامية عظيمة في زمن قياسي وتحول رعاة الغنم إلى قادة الامم وهذا هو فعل الاديان عبر التاريخ فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم قام بمهمة توحيدية وحدوية حضارية.
واذا اخذنا رصيد العبرة التاريخية لمعرفة اسباب انهيار الحضارة الاسلامية لوجدنا الانحراف بدأ بالخروج عن مقصد الحرية الذي يجسده عملياً النظام السياسي الحر الشوروي ممثلاً في الخلافة الراشدة لأن جيل الصاحبة تربى عملياً على يد الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي السماوي يتنزل، ففهم الصحابة التوحيد كثورة تحررية سياسية واجتماعية بدليل المقولة الرائعة لربعي بن عامر «جئنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الاديان إلى عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والاخرة» فقد بين مقاصد الدين بعمق شديد وبايجاز رائع.. هذا الفهم للصحابة رضوان الله عليهم وتجربة الخلافة الراشدة جرى التآمر المجوسي اليهودي عليها مبكراً قبل ان تنمو نمواً طبيعياً وتتبلور مؤسساتها وتدون تجربتها -تجسد هذا التآمر بمقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ثم فتنة عثمان ثم فتنة علي ومعاوية ثم الانحراف السياسي عن نهج الخلافة إلى الملك العضوض والانحراف السياسي حول السلطة السياسية من اداة مجسدة لمصالح الامة إلى مغنم سياسي تتصارع عليه الاهواء السياسية، والصراع السياسي على السلطة اوجد الكثير من الحروب التي ادت إلى اضعاف الدولة وعبر الصراعات الداخلية برزت التحديات الخارجية كاجتياح المغول والتتار للدولة العباسية واسقاطها وسقوط الدولة ادى إلى تمزق الامة وكذا الحملة الصليبية ولولا عين جالوت وحطين لبقي واقع الانقسام والتمزق والضعف.
ثم جاءت المؤامرة على دولة الخلافة العثمانية الكيان السياسي الجامع للامة العربية والاسلامية والتي استهدفت وحدة الدولة والامة لأن الوحدة هي ميزان القوة الرئىسي لاي حضارة وامة، ونجح اليهود ودول الغرب في اسقاط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الاولى وتم رسم خارطة جديدة عبر اتفاقية سايكس بيكو وقسمت الامة العربية والاسلامية إلى دويلات قطرية، وعبر هذا التقسيم عبر المشروع اليهودي وتأسس الكيان الصهيوني عبر الهجرات اليهودية المتواصلة، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية قامت الدولة اليهودية ولم يخرج الاستعمار البريطاني والفرنسي إلا بعد نجاحه في تأسيس الدول القطرية وجاء اعلان استقلال الدول القطرية مكرساً لواقع التجزئة والفرقة.
والمشروع الشرق اوسطي اليوم هو مشروع يستهدف رسم خارطة سياسية جديدة اكثر تمزيقاً بحيث يتم تحويل اسرائيل إلى قوة اقليمية في الشرق الاوسط تهيمن على المنطقة وتسيطر على كافة موارده الاستراتيجية بإلغاء الدولة القطرية، لأنهم ما يزالون يشعرون بخطرها بإلغاء وحدة الدولة السياسية ووحدتها الوطنية بتمزيق الدولة إلى دويلات والشعوب إلى كتل طائفية عرقية ومذهبية متصارعة متقاتلة، والمخطط يستهدف انهاء الدول المحيطة باسرائيل والداخلة في حدود اسرائيل الكبرى وهي العراق وسوريا ومصر والسعودية والسودان في المرحلة الاولى ويتم تمرير هذا المشروع لتجزئة المنطقة باسم الاصلاح السياسي والديمقراطي، وهو شعار مخادع لأن الديمقراطية لا تعني إلغاء وحدة الدولة ووحدة الامة وتحويل المجتمع إلى عصبيات متقاتلة، فهذه اشد اشكال المجتمعات تخلفاً وقد تلقت الادارة الاميركية هذا المخطط من منظرين يهود «شيمون بيرز» في كتابه «الشرق الاوسط الجديد» «نيتني ياهو» في كتابه «مكان تحت الشمس» وقد اوضح «نيتني ياهو» في كتابه الديمقراطية التي يريدها للانظة العربية عندما قال: نريد ديمقراطية حقوق الاقليات لا ديمقراطية تعدد الاحزاب وهذه ليست ديمقراطية وانما مشروع تجزئة يمرر تحت شعار براق ووضع العراق خير شاهد.
وما نخلص إليه ان مشكلتنا في تاريخنا وفي واقعنا اليوم هو غياب وحدة الدول العربية والاسلامية، والحل لكل مشاكلنا يكمن في هدف واحد وحدة الدولة العربية والاسلامية فنقول لاحزاب المعارضة الجمهورية إذا كنا نعتبر الوحدة اليمنية خطوة على طريق الوحدة العربية والاسلامية فماذا يعني مطالبتكم بتعديل مسار الوحدة اليمنية بإلغاء الاندماجية والمطالبة بمشروع فيدرالي يجزئ اليمن على مستوى المحافظات والنواحي.
وإذا علمنا ان الوحدة سنة اجتماعية لقيام الحضارات والفرقة سنة اجتماعية لهدمها حتى على غير الدول الاسلامية، لوجدنا على سبيل المثال ان الولايات المتحدة الاميركية ارتبط تاريخ نهضتها وتحولها إلى قوة عظمى وامبراطورية عالمية بتوحدها عندما اتحدت في دولة واحدة بعد ان كانت ثلاث عشرة دولة مع ادراك ان الفيدرالية تكون خطوة نحو الوحدة عندما تكون اطاراً سياسياً لعدة دول تتوحد، اما تطبيق الفيدرالية داخل الدولة الواحدة فتكون مشروعاً للتجزئة كما يحصل الآن في العراق والمشروع الشرق اوسطي لإنهاء الدول القطرية وهو سلسلة مشاريع فيدرالية لتفكيك العراق وسوريا والسعودية ومصر وهذا الفارق بين الفيدرالية بين الدول والفيدرالية في اطار الدولة الواحدة هو مالم تفهمه قيادات احزاب المعارضة وكذلك الاتحاد السوفيتي كان قوة عالمية بعد توحده وتفكك وانهار بعد تمزق وحدته السياسية.
واذا رجعنا إلى اغوار التاريخ القديم لوجدنا نفس السنة الاجتماعية فالحضارات السامية القديمة- الحضارة اليمنية السبأية وحضارة آشور في العراق والفرعونية في مصر واكسوم في الحبشة والحضارة اليونانية ارتبطت نهضتها وازدهارها بوحدتها، وكان من اخطر العوامل التي ادت إلى انهيارها انهم اخذوا بمبدأ اللامركزية السياسية حتى انقسمت تلك الدول بعدد مدنها حتى اصبح هذا الانقسام على مستوى المدن ظاهرة في الحضارات السامية فاطلقوا على هذه الظاهرة تسمية «دول المدينة» وكتب كثير من فلاسفة المرحلة حول هذه الاشكالية مثل افلاطون وارسطو.
> الإسلام يأمرنا بالوحدة وينهانا عن الفرقة:
الوحدة كما اسلفت سنة كونية وسنة بشرية واصل من اصول كافة الأديان ومقصد وفريضة اسلامية لانها اساس قيام المجتمعات والدول والحضارات واول خطوة من خطوات الاصلاح السياسي، لذلك امرنا الله بها وجوباً ونهانا عن الفرقة تحريماً واعتبر الوحدة قرينة الايمان والفرقة قرينة الكفر وانها ميزان القوة لمواجهة المخططات الغربية، ولنتدبر قوله تعالى «يأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هو المفلحون، ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم، يوم تَبْيَضُّ وجوه وتَسْودُّ وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون، وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون، تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلماً للعالمين، ولله ما في السماوات والارض وإلى الله ترجع الأمور، كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون، لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون» «آل عمران100-111».
ولو تأملنا هذه الايات العظيمة من سورة «آل عمران» سنجد التحذير لنا من مخططات اهل الكتاب اليهود والساسة الغربيين الهادفة إلى تجزئة وتمزيق وحدة الامة العربية والاسلامية، واعتبر القرآن النكوص عن الوحدة إلى الفرقة ارتداد عن الايمان إلى الكفر بصريح الايات «يأيها الذين آمنا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين، وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم، يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وانتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون».
وبعد التحذير من اهل الكتاب ومخططاتهم الاستعمارية لتمزيق الامة العربية والاسلامية نجد ان الله سبحانه وتعالى يأمرنا بالوحدة والامر كما يقول علماء الاصول يقتضي الوجوب وينهانا عن الفرقة والنهي يقتضي التحريم.
فقوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً» امر صريح بالوحدة وقوله تعالى «ولا تفرقوا» نهي صريح عن الفرقة وقوله تعالى «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم بأصبحتم بنعمته إخوانا»، فالاسلام منهج لاصلاح حياتنا في الدنيا والاخرة ومن اعظم ثمار الاسلام هدايتنا إلى صراط النعمة في الدنيا والاخرة «اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين» فالتوحيد والوحدة هي اعظم النعم لإصلاح حياتنا الدنيا، بدليل قوله تعالى «واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا».
والقرآن هنا يبين لنا سنة من السنن الاجتماعية المتعلقة باحوال الدول والمجتمعات تقدماً وتخلفاً، هذه السنة الاجتماعية التي يطرحها القرآن ويؤكدها علماء السياسة والاجتماع والحضارات تتمثل في تقسيم احوال المجتمعات تخلفاً وتقدماً إلى مرحلتين:
1- مرحلة ما قبل الدولة «مرحلة التخلف» وهي المرحلة التي تغيب فيه الدولة التي هي الناظمة لوحدة الامة فيسبب غياب الدولة إلى انقسام المجتمع إلى عصبيات وطوائف متحاربة متقاتلة.. هذا المجتمع لابد ان يكون متخلفاً لانه في اجواء الحرب والصراع ينعدم الامن وتنعدم التنمية وهي الصورة التي كان عليها عرب الجاهلية، وتتكرر هذه الصورة كسنة اجتماعية في كل ظرف تتمزق فيه الدولة فيحصل تمزق للمجتمع إلى طوائف متقاتلة متصارعة كالصومال اليوم، فمشكلته باختصار حالة غياب الدولة ولو سألنا اي صومالي اليوم بسبب الحروب والمعاناة ماذا تريد لاجاب دولة قوية حتى ولو مستبدة لإيقاف نزيف الحرب، وهذا المشهد اليوم موجود في العراق، لأن الدولة بالنسبة للمجتمع كالرأس بالنسبة للجسد كسنة اجتماعية واذا قطعت رأس الانسان لا نرى إلا الدم والموت وكذلك الحال بالنسبة للمجتمعات والدول اذا تم إلغاء الدولة وفصلها عن المجتمع بالتجزئة والتفكيك انقسم المجتمع إلى طوائف متحاربة فلا ترى إلا الموت والدم النازف وهذا حصل في لبنان، ايضاً الحرب الاهلية وصراع الطوائف هذه السنة الاجتماعية اشار اليها القرآن بقوله تعالى «قل هو القادر على آن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون» «الانعام 65» فقوله تعالى «أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض» هنا اشارة إلى سنة اجتماعية ثابتة مطردة عبر التاريخ حالة غياب الدولة وانقسام المجتمع إلى شيع، والشيع بالمصطلح القرآني هي العصبيات المختلفة «مذهبية، قبلية، طائفية، عرقية» وبيَّن القرآن لنا النتيجة لغياب الدولة وانقسام المجتمع إلى طوائف متحاربة بقوله «قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم»- حالة الحرب الاهلية بين الطوائف والدم والقتل، ولهذا شدد القرآن على وحدة الدولة ووحدة الامة واعتبر تفكك وحدة الدولة السياسية ووحدتها الوطنية إلى شيع- اي طوائف متحاربة كفر لخطورة الامر على الناس «إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء» «الانعام 159» «ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون» «الروم 32».

تنويه
حدث في حلقة يوم امس سقط غير مقصود اخل بالمعنى ولهذا لزم التنويه، حيث ورد في الحلقة يوم امس ما نصه: «فجاءت الديمقراطية كتعبير عن هروب اوروبا من حكم روح الاسلام والقرآن عبر التجربة صوب هذين المقصدين الحرية والوحدة» والصحيح كما ورد عن الكاتب نصاً «فجاءت الديمقراطية كتعبير عن هروب اوروبا من حكم الطاغوت باتجاه مقصد الحرية الذي هو مقصد الاديان اساساً فاقتربت اوروبا من روح الاسلام والقرآن عبر التجربة صوب هذين المقصدين الحرية والوحدة» فعذراً للقراء الاعزاء وجل من لا يسهو.<


 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد