;
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
مجلة فورين بوليسي الأمريكية

هل الرئيس اليمني الجديد عند مستوى هذه المهمة؟ 3580

2012-03-29 15:56:44


بقلم: توم فين                                              ترجمة/ أخبار اليوم

على مدى عقود من الزمن كانت صور علي عبد الله صالح جزءا من المشهد في العاصمة صنعاء، مُعلقة على جدران المكتبات والمساجد والمقاهي والساحات.
برغم ذلك ففي غضون الشهر الماضي اختفت صورة المستبد ذات الشوارب، وبصورة عاجلة تم إحلالها بصور لامعة لرجل أصلع مهيب المظهر. وكُتب شعار على الصور الجديدة (معا نبني اليمن الجديد).
للمرة الاولى في 33 عاما، أصبح لدى اليمن رئيس جديد للدولة. مدفوعا للمنصب بفعل انتخابات بمرشح واحد مثيرة للجدل أجريت الشهر الماضي، يواجه الرئيس عبد ربه منصور هادي مهمة صعبة في قيادة البلاد نحو انتخابات متعددة في عام 2014. إنها مهمة تتطلب مهارة سياسية كبيرة وممارسة السلطة في ظل أفضل الظروف.
مع أن هادي لا يتمتع بثقل سياسي، فهو الزعيم الذي اُختير في المقام الأول لطول باله. في اليمن، التي عانت منذ عقود من الحروب الاهلية في القرن العشرين، يُعتبر هادي نظيف اليد، والزعيم السياسي الوحيد التي تبدي جميع الفصائل المتحاربة استعدادها للتحالف معه. الآن سيرى اليمنيون إذا كان بإمكانه أن يرتقي إلى مستوى التحدي.
في السنة التي سبقت انتخابات الشهر الماضي، شهد اليمنيون موجة من الفوضى التي اثقلت كاهلهم حتى بمعايير الاضطرابات السابقة. النموذج اليمني للربيع العربي قلب الأمور رأسا على عقب. هجوم القنبلة على قصر صالح أصابه بالشلل. القوات المسلحة انقسمت. المعارضة المهيمن عليها الإسلاميون سيطرت على نصف الوزارات في الحكومة الانتقالية الجديدة. والاقتصاد المتعثر ترك السكان يترنحون على حافة المجاعة. فلا عجب إذا شعر الكثيرون بالقلق من إنزلاق البلاد الى حرب أهلية.
على الرغم من كل الكلام عن الديموقراطية والانتخابات وحكومة الوحدة الوطنية، فلا تزال اليمن خاضعة إلى حد كبير للحكم الاستبدادي، وهذا يعني أن تقدمها يتوقف إلى امتداد جوهري لدوافع وقدرات الرجل الذي يقود أعلى منصب فيها. فلا يزال مصير البلاد لغزا لمعظم مواطنيه.
هذا المحارب القديم في الجيش والمتحول إلى سياسي قفز بسرعة من الظل الى دائرة الضوء وهو الآن المسؤول عن حكم واحدة من أكثر الدول انقساما وفقيرا وتمزقا في العالم.
عند سؤال اليمنيين العاديين عنه لن نجد غير نفس الجواب الباهت: "كان نائبا لصالح".
في الواقع إن هادي لا يزال مُعرف بسلفه وهذا ليس مستغربا. فمنذ استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري عام 1978، كان واضحا أن صالح، الاستاذ في لعبة الشطرنج السياسي، يدير دفة السلطة منفردا. وكان وضع الرجل الثاني كسارية الاحتفالات، وهي الوظيفة التي كانت مناسبة تماما لهادي الرجل الهادئ واللطيف الذي ظهر من البدايات متواضعا وبدون طموحات سياسية كبيرة.
ما ورثة خلال عقد من الزمن هو شريط القص وصور رسمية نيابة عن الرئيس صالح مما أكسبه لقب "السيدة صالح". آخرون يسمونه "تمثال" السياسات اليمنية.
يقول أحد كبار السياسيين من حزب الإصلاح الإسلامي: "إنه مثل المزهرية تضعها فوق الرف. لقد نجح في الظهور لطيفا وفي نفس الوقت بأنه جزءا من الماضي".
على الرغم من السنوات التي قضاها في الظل، فإن هادي في نواح كثيرة يُعتبر نقيضا لرئيسه السابق. فصالح مشهور بخطاباته النارية والمتقلبة وفي بعض الأحيان المشوشة، وذلك على النقيض من خجل هادي أمام الكاميرا وثقته الناضجة.
الرئيس الجديد معروف عنه أنه يتعرق ويرتبك عندما يجد نفسه في مشهد عام.
وفي حين استحوذ أفراد عائلة صالح المقربون وعشيرته الممتدة على مناصب رفيعة المستوى والثروة التي جنوها من وراء المناصب، فإن هادي لم يثبت أقاربه في مناصب سواء كان مرد ذلك اختياريا أو عجز سياسي.
طالبا عدم الكشف عن اسمه، قال أحد المسئولين من حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم: "إنهم لا يعيشون حياة رغدة، هم متواضعون جدا جدا. إنه المسئول الوحيد البارز في الحكومة الذي لم أسمع أي شخص يشكو من اختلاسه أو اغتصابه للأراضي".
لذلك ربما لا يوجد أحد يمتلك قوة هادي الكبرى حتى مع المعارضة. يقول ياسين سعيد نعمان زعيم الحزب الاشتراكي اليمني: "نحن جميعا على استعداد لمنحه الفرصة".
يمكن للمرء أن يأمل فقط في استمرار هذا الإجماع حتى انتخابات 2014. فإذا ما حدث ذلك، فإنه سيكون انتصارا ملحوظا على إرث اليمن المنقسم على نفسه.
كما يراها المتفائلون، فإنها بالضبط جذور هادي التي يمكن أن تساعد على رأب الصدع المؤلم بين الشركاء السابقين.
ولد هادي في عام 1945 في قرية وسط محافظة أبين الوعرة، التي كانت جزء من الجمهورية الاشتراكية السابقة في جنوب اليمن (الدولة الشيوعية الوحيدة في الشرق الأوسط آنذاك).
مدشنا حياته المهنية الطويلة في الجيش، تخرج هادي من الكلية العسكرية في عدن وهو في سن التاسعة عشر قبل ان يتوجه الى كلية ساندهيرست في بريطانيا ومن ثم إلى القاهرة والاتحاد السوفيتي لفترات من التدريب العسكري الاستراتيجي. عاد من الاتحاد السوفيتي في عام 1980 وتقلد عدة مناصب حتى تم اندماج جنوب وشمال اليمن في عام 1990.
الآن أصبح هناك الكثير في الجنوب، وفي مقدمتهم الحراك، يطالبون بالعودة إلى الاستقلال. كان هادي واحد من قلة من قادة الجنوب الذين استفادوا من اندماج اليمن. فلا يزال بعض الجنوبيين يسمونه "الزمرة" بمعنى القوات التي خانت الجنوب لدعم صالح.
عندما اندلعت الحرب الأهلية الوحشية في اليمن عام 1994 بذل هادي جهودا مضنية لدعم صالح، مما حدا بالأخير إلى تنصيبه وزيرا للدفاع واستخدم معرفته الوثيقة بمنطقته للمساعدة في هزيمة رفاقه الاشتراكيين السابقين في الجنوب.
يقول الناشط الجنوبي كريم الدورسي: "لقد ذبحنا في 1994، والآن تنتخبونه رئيسا للبلاد في محاولة ليشعرنا أن الوضع سيكون أفضل؟؟".
لقد قال هادي إن "الحوار وبالحوار فقط" يمكن حل هذه الضغينة التي طال أمدها، لكن سيكون هناك حاجة إلى شيء ملموس أكثر إذا أرادوا أن يتجنب البلاد التعرض للتشظي إلى قسمين مرة أخرى.
وفي الوقت نفسه فإن صناع القرار في واشنطن يركزون اهتمامهم على سؤال محدد: كيف سيحرز هادي نجاحا في معركة اليمن الطويلة والممولة من الولايات المتحدة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية؟
لقد نجح صالح لعدة سنوات في إحداث توازن ملحوظ: فبشكل حاذق اقنع المسئولين الأمريكيين على مواصلة تدفق المليارات من الدولارات لخزائن حكومته كدعم "لحربه على الارهاب". لقد استخدم تلك الاموال ضد الجهاديين لكنه أيضا بناء بها وحدات النخبة في الجيش اليمني والمجهزة بأحدث التجهيزات تحت سيطرة أفراد من عائلته حتى يكون بإمكانه استخدامها لقمع التمردات الداخلية.
ورغم أن علاقة صالح مع واشنطن شابتها السخونة والبرودة، لكنه لم يفقد السيطرة تماما. ففي مؤشر على وضعه الجيد، منحته الحكومة الأمريكية الشهر الماضي تصريحا للسفر إلى نيويورك لتلقي العلاج الطبي.
وعلى النقيض من ذلك فإن الصعوبة تتزايد على هادي في الحفاظ على تلك العلاقة الحميمة مع أمريكا. فالعلاقة الوثيقة مع واشنطن تثير الاستياء بين الجماهير الذين يعتبرونها نفوذا أمريكيا، ناهيك عن اعتبار هجمات الطائرات بدون طيار على المواطنين اليمنيين تعديا على السيادة الوطنية لبلادهم. كما أن الاحتجاجات المناهضة للولايات المتحدة آخذة في الارتفاع.
إنها معيار لعدم الثقة التي يظهرها اليمنيون في وصفهم للسفير الأمريكي بـ"الشيخ فيرستاين" لاعتقادهم إنه الحاكم الحقيقي وليس هادي. وما يزيد الأمر تعقيدا قيام متشددين مرتبطين بالقاعدة بقتل مدرس أمريكي هذا الأسبوع.
مع ذلك لا شيء من هذا قد أثنى هادي من الترويج لشعار أن المعركة التي تمولها الولايات المتحدة ضد التطرف في بلاده هي "واجب وطني وديني".
يعتقد بعض اليمنيين أن لدى هادي دوافع أعمق لمواصلة المعركة ضد الجهاديين. يقول المسئول في المؤتمر الشعبي العام: "سيكون أقوى من صالح على القاعدة. إنه قبيلي. والمتشددون يحتلون محافظة أبين، مسقط رأسه. فهل يمكن أن يتهاون معهم؟"
العامل القبلي سيكون حاسما في تحديد نجاح حكم هادي المؤقت.
إن إدارة وتلاعب صالح في السياسات القبلية كانت مفتاحا لنجاحه. بعد ثلاثة عقود من الحكم، خسر صالح فقط في السنوات الأخيرة الدعم من بعض أكبر التكتلات القبلية وأبرزها قبيلة حاشد القوية، بعد أن أصبح واضحا أنه يعد نجله ليحل محله.
أسرة هادي تنتسب إلى قبيلة صغيرة نسبيا، مما جعله يتمتع بقليل من الوزن السياسي الذي يتمتع به صالح. في الوقت الراهن، القبائل توفر القليل على الأقل من الدعم الاسمي لهادي، لكن من الصعب القول كم سيستمر.
كما أن عليه أن يواجه تركة من سياسات المحسوبية التي خلفها صالح. لقد تعهد هادي بـ"إعادة هيكلة" الجيش، الذي اعتبرها الكثيرون بمثابة حملة وشيكة لتخليص الجيش من عشرات من أقارب صالح الذين تغلغلوا في الصفوف العليا للجيش.
كما أن رجال قبيلة صالح لا يحظون بأي شعبية. فهذا الاسبوع استسلم هادي لأشهر من المظاهرات الصاخبة المطالبة بإقالة قائد القوات الجوية محمد صالح، وهو الأخ غير الشقيق لصالح، بعد أن تعهد بإقالته. هذا التعهد قد يقدم للرئيس الجديد نوعا من النفوذ الذي هو في أمس الحاجة إليه.
وبطبيعة الحال فإن هذا يعني أن لدى هادي الإرادة السياسية اللازمة لوضع بصمته على مؤسسة سياسية هو نتاج منها. يتساءل العديد من المراقبين عما إذا هادي هو حقا المسيطر، حيث يلحظون أن صالح، استاذ الفاتن السياسية، لا يزال يمارس نفوذا كبيرا من وراء الكواليس. بعد كل ذلك صالح نفسه وصف هادي بأنه "نظيف اليد" عندما سلم السلطة الى تلميذه السابق الشهر الماضي.
يمكن القول إن هادي قد أظهر بعض الصفات المثيرة للإعجاب: فبينما يتصرف بوصفه واحدا من قادة نظام غير أخلاقي بوحشية، لكنه أيضا الرجل الذي قضى حياته ممتثلا لسلسلة من قياداته في الجيش.
الآن يجد نفسه يقود حكومة مدنية على الطريق نحو الديمقراطية، وهي الدولة التي يتخيلها معظم اليمنيين بشكل خافت.
كما يقول المراقبون فإن هادي في أحسن الأحوال سيحافظ على الوضع الراهن سليما بدرجة أقل أو أكثر، وفي أسوأ الأحوال، سيثبت ضعفه في الحيلولة دون انقسام البلاد مرة أخرى.
يقول الوزير السابق عبدالرحمن الإرياني: "لقد وجدته إنسانا بمعنى الكلمة. إنه ليس مثل علي عبد الله صالح".
ويقول الإرياني إنه كان مصدوم بتواضع هادي.
لكن التحذير سرعان ما يأتي: "إذا تمكن من الحفاظ على البلاد من الانهيار خلال هذين العامين، فسيكون هذا انجازا كبيرا".
فحتى هذه اللحظة على الأقل، هادي هو الأمل الوحيد لليمن.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد