الأبعاد الأيدلوجيةوالسياسيةلتحالف أحزاب المشترك وأخطارها على مستقبل اليمن
د/حسن الكحلاني

استاذ الفلسفة بجامعة صنعاء

تقوم التحالفات بين الاحزاب السياسية التي تمتلك رؤى موحدة أو متقاربة حين تكون الثوابت الوطنية والقومية لديها واضحة وهناك اتفاق حولها، ويكون الخلاف في كيفية تحقيق تلك الاهداف.. هذا النوع من التحالفات يكتب له النجاح وقابل للتحقق في الواقع العملي، اما التحالفات التي تقوم بين احزاب متعارضة في ايديولوجياتها واهدافها الاستراتيجية فإن مصيرها الفشل لأن تحالفاتها تقوم على مصالح آنية ومؤقتة، فحينما تصل إلى السلطة وهو الهدف المشترك بينها تبدأ الخلافات الناتجة عن اهدافها المتعارضة.

فالتحالفات الناجحة والهادفة هي التي تقوم بين قوى سياسية موحدة الاهداف على الرغم من اختلافها في الوسائل- وعلى سبيل المثال يمكن اقامة تحالف بين احزاب ذات توجهات وطنية وقومية أو بين احزاب ذات توجهات اصولية دينية، اما ان تقوم تحالفات بين احزاب تختلف في ايديلوجيتها واهدافها العامة كما هو حال تحالف احزاب المعارضة اليمنية الآن فهو نوع من المخاطرة بمصير الشعب، فقيام تحالفات بين قوى متناقضة لا يجمعها اي هدف استراتيجي سوى الوصول إلى السلطة يعني العودة إلى زمن الصراعات الدموية التي تجاوزناها- فمن الغرابة ان نجد تحالفا كهذا بين عدد من الأحزاب المتعارضة في الاهداف- احزاب ترفع شعارات وطنية وقومية تتحالف مع احزاب ترى في الوطنية والقومية كفرا وعودة إلى الجاهلية، أو بين هذه وبين حزب يرفع شعاراً يسارياً اممياً يرفض الفكرة القومية تماما ويعاديها، وتتم هذه التحالفات بين احزاب ناضلت من اجل الثورة والجمهورية والوحدة تتحالف مع احزاب معادية للثورة.. هذه هي طبيعة التحالفات السياسية في اليمن قوى لم تتمكن من تحديد اهدافها الوطنية أو القومية أو الدينية ولا تدرك ظروف العصر الذي نعيشه أو انها لم تتمكن من فهم طبيعة الايديولوجيات السياسية التي ترفع شعاراتها، كل ذلك يؤدي إلى نتائج خطيرة حيث تتعمق التناقضات الفكرية لدى ابناء الشعب الواحد وتخلق صراعات جديدة كنا قد تجاوزناها بعد الثورة التي انتصرت في 26 سبتمبر 1962م و14 اكتوبر 1963م ضد الامامة والاستعمار وتجاوزناها بعد دحر الحركة الانفصالية في صيف 1994م.
لقد شهدت اليمن صراعات دموية بين رجال الثورة منذ نهاية 1967م حتى 1978م كان اهم عوامل تلك الصراعات:
جعل السلطة هدفا لتلك القوى، عدم التخلي عن رواسب الوعي المناطقي القديم، هيمنة النزعة الشمولية والديكتاتورية التي ترفض الاعتراف بالاخر وحقه في الحرية والوجود.
ومع بروز شخصية الرئىس علي عبدالله صالح وتسلمه السلطة في 17 يوليو عام 1978م بعد مقتل رئىسين هما الرئىس المقدم احمد الغشمي في 24 مايو 78م والرئىس سالم ربيع علي بعده بيومين في 26 مايو 78م، بدأ الرئيس علي عبدالله صالح بتحديد الاهداف الوطنية العامة وهي الوحدة والديمقراطية والتنمية.
بالحوار تحققت الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م، لكن طبيعة النظامين الشطريين السابقين اقتضت وجود تحالف بين المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني استمر من عام 90إلى عام 94م ونتيجة للاختلافات الايديولوجية والمنطلقات الفكرية بينهما حدثت الازمة، وكان سببها عدم وجود قيادة موحدة الارادة والاهداف، ادى اختلافها إلى التوتر الذي تصاعد نتيجة لعدم وجود ثقة متبادلة بين الطرفين، ولعدم وجود اتفاق ورؤى موحدة حول كثير من السياسات الداخلية والخارجية، فلم توجد قيادة موحدة بل وجدت قيادة جماعية ممثلة بمجلس الرئاسة الذي ضم خمسة اشخاص يمثلون توجهات سياسية مختلفة هي المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي وحزب الاصلاح، كان كل فريق يعمل بشكل مستقل عن الاخر، وكانت الرئاسة برأسين والسفينة بقائدين كل يشدها إلى الاتجاه المناقض للاخر.. هذا التناقض في الافكار والاهداف لا يؤدي إلى التكامل والانجاز الوطني بل إلى التفكك والصراعات وتتحول القرارات إلى افعال سلبية لا يوحدها هدف مشترك، كانت مؤسسات الدولة مشلولة لا توجهها ارادة موحدة وكانت المؤسسة العسكرية منقسمة تفتقر إلى نظام يوحدها ليس لها ولاء موحد، وكانت النتيجة الصراع الذي تطور حتى وصل إلى مرحلة الانفجار في صيف 1994م حينما رفض الحزب الاشتراكي نتائج الانتخابات البرلمانية في 1993م، ورفض كل التنازلات التي قدمها المؤتمر الشعبي العام والرئىس علي عبدالله صالح، واعلنت بعض القيادات في الحزب الاشتراكي الانفصال في صيف 1994م وكانت اليمن بين مفترقي طرق اما انتصار المشروع الانفصالي الذي لو تم لما كان هناك امكانية للعودة إلى الوحدة أو انتصار المشروع الوطني الوحدوي الذي يعني ترسيخ الوحدة إلى الابد، ولكن لماذا تم كل ذلك؟ كان يفترض ان تأتي الانتخابات البرلمانية في عام 1993م لتحسم الصراع وتحسم تقاسم السلطة وتوحد نفسية الناس ونفسية الحاكم فيحكم الحزب الذي يحصل على الاغلبية ويسود الاستقرار، إلا ان فكرت التحالفات ظلت قائمة ولم تعطَ اهمية للانتخابات الديمقراطية فظلت القيادة ممزقة متناحرة لكونها تمثل احزابا متعارضة الاهداف، ان فكرة التحالف لا تساعد على الافعال الناجحة، فكل قرار يخضع إلى المساومات بين الفرقاء حتى يفرغ من محتواه وان تم الاتفاق عليه بعد تعديله لصالح الاطراف المتنازعة لا يمكن ان يجد طريقه إلى الواقع العملي، فهناك عوائق كثيرة تقف امامه، فالجهات المنفذة هي ايضاً تمتلك رؤى مختلفة لا يوحدها نظام أو هدف مشترك، فيتوقف العمل وتسود الفوضى.. وهذا ما كان سائداً منذ عام 1990م وحتى 1994م، فكل مسؤول لا ينفذ اي قرار إلا اذا تلقى توجيهات من حزبه ولا يعمل بالقرارات الصادرة عن التحالف.
لقد عبر الرئىس علي عبدالله صالح عن هذا الانقسام في القيادة حينها في احدى لقاءاته مع اساتذة جامعة صنعاء، قالها بمرارة: بوصفي رئىساً للدولة والممثل الوحيد والشرعي للدولة اليمنية في الداخل والخارج حينما كنت ابعث بممثل إلى احدى الدول لنقل رسالة ينبغي عليه ان ينقل رسالة رئىس الدولة بأمانة، إلا ان ما كان يحدث هو العكس؛ لكون الموفد ينتمي إلى حزب اخر كان ينقل الفكرة إما بشكل مشوه ومختلف عما ذهب من اجله أو في حالة اخرى يسلم الرسالة ان كانت خطية ويقول تلك رسالة الرئىس، اما انا فإن لي رؤية اخرى ويطرح فكرة مناقضة لفكرة الرئىس.
والنتيجة انه لا يمكن لأي دولة ان تتعامل مع بلد ودولة ممزقة الارادة ليس لها قرار موحد ولا يمكن ان تتطور العلاقات بين اليمن والبلدان الاخرى ويصعب ابرام الاتفاقيات مع اي دولة اخرى فتتوقف علاقاتنا الخارجية كما تتوقف افعالنا الداخلية، وعلى سبيل المثال ففي الازمة العراقية ومع بداية الحصار والحشود العسكرية لاحتلال العراق كان لدى الدولة اليمنية رؤيتان تتمسك الاولى بالمواقف القومية والحقوق العربية وترفض اي تدخل اجنبي ضد العراق، كما رفضت تدخل العراق في الشأن الكويتي وترفض الاستعانة بالاجنبي لإسقاط الانظمة الوطنية كان هذا الموقف الوطني والقومي الاصيل هو موقف الرئىس علي عبدالله صالح رئىس المؤتمر الشعبي العام يمثل نهجاً وطنياً وعربياً يجمع عليه غالبية اليمنيين.
اما الموقف الثاني؛ فكان يقف على النقيض من الموقف القومي السابق ويمثل هذا الموقف حزب الاصلاح والحزب الاشتراكي الذي يرفض الفكر القومي متأثراً بالفكر الاممي الذي يعارض الفكر القومي؛ إلا ان هؤلاء لم يتمكنوا من فهم اختلاف المواقف، فالموقف الاممي الذي ساد في الاتحاد السوفيتي كان هدفه نبيل يسعى لتوحيد القوميات في دولة كبرى لها اهداف مشتركة تقف جميعها ضد الاستعمار، اما هؤلاء فلم يدركوا انهم برفضهم لوجودنا القومي انما يسيرون عكس التيار، فهم يتنكرون للامة التي ينتمون إليها وهي الامة العربية، فقد وقفوا في الازمة العراقية إلى جانب القوى الاستعمارية والقوى الرجعية التي تسير مع الاستراتيجية الاستعمارية التي كان هؤلاء يحاربونها سابقاً، ولكنهم الآن يقفون إلى جانب المخطط الاستعماري والرجعي ضد امتنا العربية مرددين الذرائع الاميركية باسم الحرية والديمقراطية وكانوا يرحبون بسقوط النظام الوطني العراقي مرددين الشعارات الاستعمارية عبر صحافتهم وخطابهم السياسي.
ونتيجة لاختلافهم مع شريكهم في الحكم كانوا على استعداد للعمل مع اي قوى حتى وان كانت تتعارض مع اهدافهم المعلنة، لأن الهدف الحقيقي والوحيد لهم هو الوصول إلى الحكم، وهذا ما يحدث الآن حين يتحالفون مع القوى الظلامية، وقد اتضح الآن ان ما يجمعهم هو تطابق افكارهم الظلامية، فجميعهم ماضويون، الماضي هو مشروعهم، لقد ذهبوا في الماضي إلى تشويه موقفنا القومي حين وقفنا إلى جانب الحق العربي، وكانت النتيجة طرد اكثر من مليون من اليمنيين العاملين في الخليج وبدأ الحصار الاقتصادي والسياسي على بلدنا وضد دولتنا الوليدة، وتآمروا مع اعداء اليمن الموحد؛ الذين ازعجهم الانتصار اليمني الذي تم في عصر التفكك، والغريب انهم لم يندموا على ذلك الفعل بل نجدهم الآن يعودون لفتح ذلك الملف ضد وطنهم، لقد ادى ذلك التحالف في الحكم في الفترة من 90إلى 94م إلى فشل ذريع لكل مؤسسات الدولة وكاد حلمنا ان ينهار إلا ان توحد الارادة الوطنية بقيادة مؤسس الدولة اليمنية الحديثة؛ الرئيس علي عبدالله صالح قد افشل المؤامرة وانتصر اليمن الموحد، لقد تحققت لبلادنا المنجزات العظيمة في اللحظات التي توحدت فيها الارادات والاهداف الوطنية والقومية، حدث هذا مع تولي فخامة الاخ الرئىس علي عبدالله صالح قيادة اليمن الجديد، حقق الوحدة- وحافظ عليها وحقق النهج الديمقراطي واسلوب الحوار على المستوى الداخلي والخارجي وبالحوار نفسه مد جسور الحب والتعاون مع اخوتنا وجيراننا وتحولت الحدود الملتهبة إلى جسور للمحبة والتواصل.




 



في الإثنين 11 سبتمبر-أيلول 2006 08:40:35 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=55098