قراءة في المشهد اللبناني.. عندما يكون الاغتيال مخرجاً وسفك الدم حلاً..!! «3»
كتب/عبد الفتاح البتول

من الخطأ الشرعي والقانوني توجيه اتهام لأي طرف من الاطراف اللبنانية في اغتيال وزير الصناعة والقيادي بحزب الكتائب بيار امين الجميل قد يكون المستفيد هو المتهم ولكن من المستفيد؟! لا نستطيع ان نجزم بذلك، طرف يرى انه غير مستفيد من هذه العملية وانه لا يمكن ان يلجأ إلى الحل الدموي، هذا شيء معروف ولكننا وعند مناقشة تداعيات اغتيال -الجميل- نقف عند المعطيات السياسية والمؤشرات الاولية ومن ذلك التأكيد على خطأ وخطورة التصعيد السياسي والاعلامي والتحشيد الذي قام به حزب الله وحلفاؤه خلال الايام الماضية، وكنت في المقال السابق قد اشرت إلى خطورة مثل هذا التصعيد والحدية من الخطاب السياسي عبر استقالة الوزراء ثم الخطاب الإعلامي والتعبئة الجماهيرية عبر خطاب الامين العام لحزب الله، ومع هذا كله فلا احد يستطيع تحميل حزب مسؤولية ما حدث، كما لا يصح توجيه اصبع الاتهام له، فاغتيال الجميل في هذا التوقيت لا يخدم استراتيجية حزب وخططه المستقبلية، وبكل المقاييس ومع كل الاحتمالات الواردة فإن الجهة التي اقدمت على هذه الجريمة السياسية والجنائية ارتكبت جرماً كبيراً ووقعت في خطأ جسيم وغباء سياسي وخاصة اذا كان الهدف من العملية عرقلة المحكمة الدولية حيث ان هذا الاغتيال اكد ورسخ وجود المحكمة ودخولها حيز التنفيذ الفعلي والعملي، ومع صحة وصوابية القول بأن مثل هذه المحكمة تشكل انتهاكاً لسيادة الدولة اللبنانية وانتقاصاً من استقلالها وشرعية وجودها والاساءة لمنصب رئىس الجمهورية حيث سيكون الرئىس -اميل لحود- احد المستجوبين في هذه المحكمة، وهذا صحيح اذا كانت الاوضاع طبيعية والبلاد مستقلة فعلاً، اما ان تكون مناطق الجنوب تحت الاشراف والانتشار الدولي وان اسرائيل قادرة في اي وقت على فرض حصار بري وبحري وجوي، السيادة منتقصة اصلاً بالوصاية السورية والتدخلات الاجنبية، السيادة ينتقصها السفير الاميركي والفرنسي، السيادة اللبنانية منتقصة من جميع اطرافها وحزب الله سبب من اسباب هذا الانتقاص فهو دولة داخل دولة، وهو الذي يفتح لبنان للتدخل الايراني والتمدد الفارسي، اذن فالمحكمة الدولية بدعاً ولا جديد في الانتقاص من السيادة، اما قولهم «ان استجواب الرئىس اللبناني امام محكمة دولية اساءة وتشويه لصورة الزعماء والرؤساء العرب».. وهذا لعمري من العجب العجاب، أليست محاكمة الرئيس العراقي الشرعي صدام حسين من قبل القوات الاجنبية قوى الشر والاحتلال الاميركي؟! ألم يكن من اهداف تطويل محاكمة صدام حسين بهذه الطريقة الهزلية والعبثية رسالة لكل الرؤساء والزعماء العرب، ان الذي قتل الحريري هوالذي اغتال اليوم يوم بيار الجميل والذي قام بهذا كله يتآمر على لبنان وامنه واستقراره وسيادته.

ان هناك جهات قوية ومؤثرة دولية واقليمية تلعب بالورقة اللبنانية، ولاشك ان النظام السوري يتحمل وزر العديد من هذه الجرائم فالوجود السوري الذي طال امده وكثر شره كان غباءً سياسياً، ثم كان تمديد فترة الرئىس اميل لحود بتوجيه من سوريا، ثم اغتيال الشهيد الحريري نظراً لموقفه الرافض لهذا التمديد وهذا التوجيه، ونعرف جميعاً ان اغتيال الحريري حدث ووقع في وقت كانت القوات السورية تسيطر على لبنان وتفرض وصاية عليها، ولا يمكن لعملية اغتيال كبيرة بحجم اغتيال الحريري دون علم أو تعاون أو نظر القوات السورية، انه الغباء السياسي والخطأ الذي يقود إلى خطيئة والخطيئة التي تقود إلى الجريمة، هذا الغباء والاستيراد السياسي هو الذي يدفع بالنظام السوري لتقديم تنازلات كبيرة والقيام بالاعتراف بالحكومة العراقية العميلة للاحتلال الاميركي والغزو الايراني، كيف يقبل الرئىس السوري التعاون مع الاحتلال الاميركي عبر حكومة المالكي لضرب المقاومة العراقية، لماذا يعمق النظام السوري تحالفه الاستراتيجي مع النظام الايراني ومغازلة المحتل الاميركي في الوقت الذي يدمر فيه العراق ويقتل اهله ويشرد مواطنيه على يد قوات الاحتلال الاميركي البربري، وقوات الميليشيات الشيعية الايرانية الصفوية!! من اجل عرقلة المحكمة الدولية يحدث كل هذا.. ألم اقل لكم امس وقبل امس: ان الازمة اللبنانية ليست داخلية فحسب وان لها تمددات اقليمية ودولية، وان حزب الله ليس مستقلاً في قراره ولا محايداً في مواقفه، وانه منحاز لايران وخياراتها الاستراتيجية، وان ايران ليست جمعية خيرية تقدم مساعدات انسانية للدولة اللبنانية عبر حزب الله، وان وراء الأكمة ما وراءها، وان الامر ابعد من حكومة وحدة وطنية أو اجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ما الذي يدفع بالرئىس نبيه بري-رئىس مجلس النواب ورئىس حركة امل الشيعية إلى ان يترك موقعه المتوازن كعامل وفاق وداعية حوار خلال السنوات الماضية، ثم ينحاز فجأة ويعلن صراحة تحالفه الاستراتيجي مع حزب الله كمعارضة شيعية تسير في الفلك السوري الايراني- لقد كسب نبيه بري بهذا العمل ود وولاء القيادة الايرانية التي توجه كل دعمها ورعايتها لحزب الله ونصر الله بينما الاستاذ والمؤسس بمعزل عن هذا العطاء السخي والسلاح القوي، لقد قرر حزب الله وحركة امل ترك الخلاف جانباً والعمل هذه الفترة في إطار شيعي جامع ترعاه- طهران- وجاءت استقالة وزراء الشيعة الخمسة كخطوة طائفية وتشكيل معارضة شيعية للاكثرية السنية، والحلف المقدس بين طهران ودمشق تشكل منذ قيام الثورة الايرانية وحربها ضد العراق بقيادة صدام حسين البعثي المختلف مع بعث سوريا والسني المختلف مع شيعة ايران وهكذا وفي خضم الحرب الأهلية اللبنانية وجد الحلف السوري- الايراني مرتكزاً جديداً في لبنان ومنذ البداية وصل عدد من آيات طهران ومعهم مجموعات من الحرس الثوري الايراني إلى لبنان عبر دمشق وبالتنسيق معها، وكانت حركة امل اسبق في التأسيس من حزب الله، فقد كانت حركة امل هي النواة الاولى لحزب الله، وفي هذه المرحلة «1982- 1985م» رعت بعض المجاميع شعار جمهورية اسلامية في لبنان، ولأسباب عديدة ظهر وكأن طلائع حزب الله تعتمد منطق العنف والتكفير والصدام المسلح، فوقعت اغتيالات طالت شخصيات فكرية وسياسية وثقافية، ونشبت معارك دموية شرسة وكانت اشرس هذه المواجهات واكثرها دموية المواجهة بين حزب الله- الشيعي- وحركة امل الشيعية، وسرعان ما تبدل الخطاب وتبدلت الادوات والعلاقات كما تبدل شكل التنظيم وشعاراته «1» لاشك ان موقف حزب الكتائب المسيحي الذي ينتمي إليه بيت الجميل معروف بوقوفه ضد الفلسطينيين وقتلهم، ولكن ربما غاب عن اذهان الكثير حرب المخيمات في لبنان والتي شنتها منظمة- امل- الشيعية- ضد الفلسطينيين في شهري مايو ويونيو 1985م بحجة نزع سلاحهم وفي هذه الاثناء لزمت القيادة الايرانية الصمت ثم بدأت تتحدث عن وقف القتال وتجنب استمرار نزيف الدم دون الاشارة إلى الطرف المعتدي «2» وهذا الموقف- كما يذكر الاستاذ فهمي هويدي، موقف بدأ خاضعاً للحسابات اكثر منه ملتزماً بالمبادئ فقد وضعت الاجهزة الايرانية الرسمية في اعتبارها ان- امل- هي في النهاية منظمة شيعية «3»، ان لبنان في اتون فتنة لها جذور وخلفيات وانسياب وذيول، ولها قوى اساسية واخرى فرعية، ولها بداية ولكن لا يعلم حتى اليوم كيف ستكون النهاية وهذه القراءة الشخصية للمشهد اللبناني والتركيز على حزب الله الشيعي وبهذا الربط التاريخي لا علاقة له بالجانب الجنائي والامني لاغتيال بيار الجميل، فهذا امر متروك للتحقيقات الامنية والاجهزة القضائية، وخاصة ان هذه القراءة الثالثة سبقها قراءتان قبل عملية الاغتيال، لقد قلت في الحلقة الأولى من هذه القراءة: ان تصعيد الخطاب السياسي والاعلامي لحزب الله سيؤدي إلى احتقان سياسي من السهل ان يتحول إلى صراع دموي وخاصة في بلد مثل لبنان، لاسيما في ظل هذه الظروف والمتغيرات الاقليمية والدولية والتحالفات القائمة الواضحة والخفية فهناك تحالف اميركي- اسرائىلي معروف ومشهور، وفي الوقت ذاته هناك تحالف استراتيجي اميركي -ايراني شيعي تبرز مظاهره ومعالمه في افغانستان والعراق وتصل إلى سوريا ولبنان وستصل إلى ما بعد لبنان..!!.


 

في الأربعاء 22 نوفمبر-تشرين الثاني 2006 08:14:25 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=55107