«مشترك» اليمن والتمرد الحوثي ..إلى أين؟
أحمد عبدالواحد الزنداني

ان المراقب لأحوال اليمن لايكاد ينتهي من متابعة أزمة حتى يشرع في متابعة أزمة أخرى ولعل انتماء اليمن إلى دول العالم الثالث وبالتحديد إلى العالم العربي والإسلامي يفسر إلى حد كبير توارد الأزمات عليها كون هذه الدول وهي المغلوبة على أمرها لا تزال سياساتها تدور في إطار رد الفعل أكثر من أن تكون صاحبة المبادرة في صناعة الأحداث على المستوى الدولي والإقليمي وحتى المحلي، كما أنها تقع في قلب ما يسمى بالشرق الأوسط المنطقة التي تدعى الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية بأنها المنطقة التي إستعصت على النظام الدولي والتي ستخضع لما اسمته كونداليزا رايس الفوضى البناءة من خلال إثارة الحروب والنعرات العرقية والطائفية لإخضاعها لما خطط له قادة النظام الدولي، ولا أريد أن اخوض هنا في الأسباب والمسببات لكثرة ما كتب عن وضع هذه الدول من حيث تدني مكانتها الدولية من جانب وسوء إدارة حكومات هذه الدول وسقوطها في مستنقع الفساد من الجانب الآخر وما نتج عن ذلك من مشكلات يعاني منها أنباء هذه الشعوب من فقر وبطالة وتخبط وقلة وعي في الحقوق والواجبات تجاه الدولة والمجتمع وبالذات في الجوانب السياسية كما أنني لن أكرر ما أكده الكثيرون من خطورة التمرد الحوثي ليس على اليمن فحسب وانما على الامة العربية والإسلامية باسرها الامر الذي حسم بشكل قاطع بعد صدور بيان علماء اليمن مؤخراً، غير انني سأركز على موقف نخبة من ابناء المجتمع اليمني وهي ذات حضور قوي في مؤسسات المجتمع المدني في اليمن وهذه النخبة هي نخبة المشترك والتي يعول عليها في عملية النهوض بالمجتمع اليمني وترشيد حكومته وحملها على القيام بواجباتها وتحمل مسؤولياتها فلقد استبشر الكثيرون خيرا بنجاح الاحزاب السياسية الرئيسية في البلاد باستثناء حزب المؤتمر كونه الحزب الحاكم بتوحيد سياستها والعمل سوياً تحت مظلة المشترك من اجل تكوين معارضة قوية تعمل على خلق نوع من توازن القوى في الساحة لتأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطنين الذين يبدو ان قيمة اصواتهم في الانتخابات ارتفعت ارتفاعاً ملحوظاً وخاصة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة وبدأ البعض يلمس بشكل أو بآخر تحسن اداء بعض الوزارات كالمالية والتعليم العالي وان لم يكن بمستوى الطموح وبالنسبة لي فان ذلك التحسن لا يعود فضله للحكومة بقدر ما هو للمعارضة التي دفعت بعجلة التغيير لترسم ملامح مشروع وطني حاول الحزب الحاكم السير في ركابه الزمن ويصير شيئاً من الماضي وفي غمرة الأمل حاول اليمن للمرة الثالثة التمرد الحوثي فعاودت الحكومة محاولة اجتثاثه من جديد وشمر الجيش عن ساعده ليخوض صراعاً مريراً مع المتمردين والتف المجتمع حول حكومته رافعاً يديه للمولى عز وجل متضرعاً بالدعاء لينصر الحق وأهله على المتمردين الذين يريدون جر البلاد إلى مستنقع الصراع الاثنى عشري على اساس طائفية مقيتة ليس لليمنيين فيها ناقة ولا جمل، وكمتابع للوضع لفت انتباهي وبشكل قوي موقف المشترك الذي بدا لي وللكثيرين موقفاً سلبياً غير واع لخطورة الموقف المشترك يتعامل مع هذه القضية الوطنية الحساسة لحسابات حزينة متناسياً خطورة الدعوة الحوثية على العقيدة والمبادئ والثوابت الوطنية التي يهدد المساس بها الامن القومي اليمني، وكان لي ان التقيت مع احد قيادات المشترك فتناقشت معه بشفافية كاملة وبينت له ان المشترك يسيء التصرف وكذا عدم رضى الكثيرين عن هذا الموقف المتخاذل وبطبيعة الحال رد على بدوره بأني لم اقرأ جيداً بيانات المشترك ولم اتابع محاولاتهم الحثيثة لدفع هذا الخطر العظيم عن اليمن إلا انه اقر بأن موقف المشترك سلبي لأن السلبية هنا هي من صالح اليمن وليس العكس متهما الحكومة بسوء إدارة المعركة الامر الذي يؤدي إلى اذكاء الفتنة بل انه ذهب إلى ابعد من ذلك معتقداً ان الحكومة اشعلت الحروب الثلاثة مع الحوثيين بهدف اجهاض المشروع الديمقراطي في اليمن وكذا لتستفيد من الدعم الخارجي والذي سيقدم إليها دونما اكتراث لما قد يجره التدخل الخارجي من مخاطر على سيادة البلاد وامنه واستقراره متهماً الحكومة بعدم الجدية في معالجة المواقف كونها اهملت المؤسسات الدسورية ولجأت إلى القبلية مشيراً إلى «داعي القبيلة» الذي وجهه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر إلى قبائل صعدة وإلى توظيف كرت علماء اليمن الذين هم كما قال اهلا للاحترام والتقدير مع تحفظه على كثير مما ورد في بيانهم وكونه سياسيا فله وجهة نظر في امور قد لا يلتفت لها العلماء ورأى ان الحل لن يكون إلا بأخذ بدعوة المشترك لجميع التنظيمات السياسية والعلماء والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني لتداول الامر والخروج برؤية واضحة للقضاء على هذا التمرد وهنا رأيت انه من اللازم اخضاع وجهة النظر هذه للتحليل والدراسة بهدف اعادة المشترك على اتخاذ القرار السليم لما لمسته من قصور واضح في التعامل مع هذه الازمة وخاصة لعلمي بأن بعض المنتمين إلى المشترك لديهم آراء تخالف التوجه الرسمي للمشترك الذي نحن بصدد تحليله والرد عليه اولاً الدعوى بأن الحكومة تسيء ادارة المعركة مما ينعكس ايجابياً على الحوثيين لا يبرز بأي حال من الاحوال ادارة المظهر للحكومة في صراعها مع المتمردين بل ان المنطق السليم هو رصد تلك الاخطاء للمطالبة في التحقيق بها بعد الحرب وليس اثناء المعركة ومن المعروف ان القنوات مفتوحة مع الرئىس ومن يريد مصلحة الوطن عليه ان يوصل نصائحه للرئيس وحسب لا ان يجعل من الأخطاء مادة اعلامية يشق بها الصف ليقدم هدية مجانية للمتمردين. النقطة الاخرى هي الادعاء بأن الحكومة اشعلت الحرب بهدف القضاء على المشروع الديمقراطي اليمني والحقيقة انه لمن المؤسف حقاً ان تصل بنا المناكفات السياسية إلى هذا الدرك من سوء الظن بالحزب الحاكم وقيادته ورئىسه الذي حكم البلاد منذ ما يقرب من الثلاثين عاماً ولو كان النظام الحاكم بهذا القدر من ضيق الافق لسقط منذ وقت طويل فلقد مرت البلاد بالعديد من الازمات السياسية على ما بها من حروب وضغوط دولية واقليمية ومحلية، كما ان النظريات السياسية التي درست سلوك الدول الصغرى في النظام الدولي بينت ان بقاء انظمتها الحاكمة يعتمد على انتهاج سياسة قائمة على عمليات توازن دقيقة بين الضغوط الداخلية والخارجية على الدولة وان من اولوياتها الحفاظ على الاستقرار قدر المستطاع لا اجترار المشكلات المقيضة للاستقرار في البلاد وعليه فإنه لمن الحماقة التجني على الحكومة بمثل هذا القول بل ان هكذا اتهام قد يقيض المشروع الوطني لأن النظام الحاكم قد يلجئ إلى مراجعة الحقوق الديمقراطية الممنوحة اذا اضرت بالامن القومي اليمني والذي له ارتباط مباشر بأمن النظام الحاكم كما جرت عليه العادة في دول العالم الثالث وعلى سبيل المثال فالحد من الديمقراطية لضمان الامن والاستقرار ليمثل مخرجاً للنظام الحاكم لتحلل من التزاماته خاصة وان هذا حال الدول المزدهرة في العالم الثالث كالصين وماليزيا وسنغافورا وكذا دول الخليج العربي ولأن هذا البعد ليس موضوع نقاشنا فلمن اراد الاستزادة في هذا الجانب فليراجع كتاب عصر الحرية للكاتب الشهير فريد زكريا والذي نشر في العام 2003م وانه لمن الغريب حقاً اتهام الحكومة بعدم الجدية بمعالجة الازمة وانها اهملت اللجوء إلى المؤسسات الدستورية ولجأت إلى القبلية ممثلة بالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وجمعية علماء اليمن والتي برز فيها بشكل ملحوظ الشيخ عبدالمجيد الزنداني وكلاهما قياديان بارزان يبدو ان المشترك قد اخذته العزة عن الانصياع لارادتيهما على ما لكليهما من مكانة شعبية واسعة ورصيد تاريخي حافل بالمواقف المشرفة، والحقيقة والكل يعلم ذلك ان مجلس النواب وبالإجماع كان قد منح الحكومة تفويضا مطلقاً بالحسم العسكري مع المتمردين وان لجوء الرئيس إلى القبيلة أو العلماء لهو قرار حكيم فهو لا يعني عدم الجدية في معالجة الموقف بقدر ما يعنى العكس كونه يوسع دائرة المشاركة ويقوي الدولة في مواجهة التمرد لما للقبائل والعلماء من اثر طيب على نفسية مختلف الشرائح اليمنية وهو قرار ينم عن فهم لطبيعة التركيبة والنفسية اليمنية وان الرئيس ليلام لو انه لم يقم بذلك والعجيب ان حل الازمة في نظر المشترك هو الدعوة للتنظيمات السياسية والعلماء والحكومة للنظر في الازمة والخروج برؤية واضحة وما أعجب منه هنا هو رفض المشترك الإستجابة لحضور دعوات مماثلة كتلك التي حضرتها التنظيمات السياسية مع رئىس الوزراء وعديد من منظمات المجتمع المدني مؤخراً كما ان محاولة المشترك القيام بدور الحكومة وقيادة الجميع بالرغم من ان المشترك يمثل المعارضة ليبعث على التساؤل اي حكومة تلك التي ستقبل بفسح المجال امام المعارضة والقبول بدور ثانوي وهي المسؤولة امام الشعب لا المعارضة؟! والأسوأ من ذلك هو عدم فهم المشترك ان ما يحدث هو ازمة سياسية وصلت إلى حد الصراع المسلح وان طبيعة ازمة كهذه تعني ظرفاً استثنائياً يقتضي القيام باجراءات مختلفة عن غيرها من الإشكاليات التي جرى حولها الاختلاف مع فرقاء العمل السياسي في الظروف الاعتيادية واذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر دور الحزب الديمقراطي في اميركا عندما هوجمت في الحادي عشر من سبتمبر الشهير فقبلها كان الحزب الجمهوري بقيادة جورج دبليو بوش قد عتلى كرسي الحكم منذ ثمانية شهور لينتهج سياسة مغايرة «وخاصة في مجال السياسة الخارجية تخالف تماما سياسات سلفه الديمقراطي بل كلنتون غير ان ازمة الحادي عشر من سبتمبر دفعت بالحزب الديمقراطي إلى الوقوف صفاً واحداً خلف جورج دبليو بوش وقراراته رغم انها رعناء تاركا كل الخلافات جانباً، ببساطة شديدة لأنها ازمة مست الامن القومي الأميركي هذا الفهم يتمتع به فقط المؤمنون بالديمقراطية التي من شأنها مصلحة الوطن لا اغراض شخصية تنحط على صخرتها الشعارات الرنانة التي يرددها البعض على مسامع الجماهير ليلاً ونهاراً وأخيراً انبه المشترك إلى ان سياسته هذه تدفعه إلى انزلاق خطر قد ينتهي به الحال إلى لفظه من قبل الشعب اليمني فهو من حيث لا يدري ومن خلال انتقاده للدور القبلي وكذا مخالفته للكثير مما جاء به العلماء في بيانهم يقف على النقيض من الشعب اليمني في مجمله، فالشعب اليمني لم يذق بعد حلاوة التعددية السياسية بل المعاناة والمزيد من المعاناة بعكس ما لمسه من القبيلة والعلماء من مواقف ناضجة في أحلك ساعات تاريخه المعاصر والذي لا زال حياً في ذاكرة الكثيرين من أبنائه ولذا نرجو من المشترك مراجعة موقفه لأن الإلتفاف الجماهيري حول الحكومة وخاصة بعد الإنتصار على التمرد وهو المتوقع بإذن الله سيقيض التوازن السياسي الذي كان المشترك قد نجح في فرضه على الساحة السياسية اليمنية وسيعيد المشروع الوطني إلى المربع الأول فلا ينبغي ان يكون المشترك كالتي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا وبقي لي ان اذكر بأن موقف المشترك هذا يقوي الشكوك التي تتحدث عن اعتماد المشترك على الورقة الخارجية لحماية نفسه بعد جنوحه إلى هكذا موقف واقول لم يفت الوقت بعد فالحق احق ان يتبع ولا بد ان نعي أن الخارج لا يعصم من أمر الله.

 


في الخميس 31 مايو 2007 12:30:11 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=55342