البحث عن الغد في الغد وليس في ماضي الأئمة
حسن الأشموري

عطفا على الغد الذي سيأتي عليه المقال وحول الماضي الفضائحي الذي ألصق بنا منذ حكم الأئمة لا نخشى اليوم أن نسير في الظلام وتحت الشمس بالوحدة وبالجمهورية وبالثورتين رغم المكر الليلي والنهاري ، فقد أضحينا أخيرا مطهرون من الفضيحة التاريخية لحكم الأئمة كما يتبين لنا من طريقة تمسكنا بالغد، فهذا الرفض الواسع لإرهاب الحوثية في صعدة المدعوم بالعنف السياسي في صنعاء على كافة التشكيلات الحزبية يعني أن لاعودة لفضائح ماضي الأئمة هذا الماضي الذي كان كله كارثيا منذ أن هبط علينا الأمام الأول من إقليم مجاور، حتى صار حينها البحث والوصول للغد اليماني هو السؤال الصعب وأحاديث المستحيل وغيبيات المعجزات، ورغم أن الغد الحضاري اليماني بعد أن وصل متأخرا حتى الآن يستوطن دائرة الحلم والخيال والأمنيات على عكس حال أزمنة أمم أخرى حسمت نقاشاتها وخطواتها نحو الغد، إلا أن البعض اليماني لا يزال مرتبكا باختياره حول وسيلة وكيفية الوصول للغد ، فلدى البعض الغد هو الوصول عبر الطريق إلى الماضي هكذا يفكر الحزبيون في الإصلاح والاشتراكي والقرويون القوميون وهم جميعا من ناحية الإيديولوجيات أقوام ماضوية فلكل منهم إمامه الماضوي وكتابه الماضوي ، ولذلك وجدوا أنفسهم في صفوف إمام الحوثيين وإن عن مسافات، وكلهم كما نلمس يبحثون عن الغد في الماضي بأدوات الماضي ولا تختلف صنائعهم كثيرا عن صنائع الإرهابيين الحوثيين وشقيقهم في القتل تنظيم الظواهري "القاعدة" ، فهؤلاء الحوثية يبحثون لنا عن غد من ماضيات الأئمة التي سادت بعنفها واستعبادها لليمانيين وصبغت مجتمعهم بالعنصرية الاجتماعية والمذهبية وجعلوا اليمانيين فيه شركاء في الضياع مثلما كانوا شركاء في الفقر والجهل والأمراض، هذه الشراكة هي التي يسيل عليها ولها لعاب الإرهابيين الحوثيين، لكي يعودوا غصبا عنا ليستقروا في الماضي لا بأنفسهم فقط ولكن بنا وبالغصب يعني إمام بالغصب وعلى عينك هل رئيتم جنونا كهذا، وهذه لمن لا يفقه لاتأتي بغد وإنما تبقينا على وقائع الماضي باضطرابه وتعفنه ليستمر ضعف اليمانيين بسقوط آمالهم في أيام لا غد لها ، ولا يعي هؤلاء الماضويون جميعا أن قضية البحث عن الغد لا تكون في الماضي أبدا إلا في حالة البحث عن مراحل التحضر للإستفادة منه أو كشف الخطأ لتجنبه ، لكن ماهذا الماضي الفضيحة واللقيطة الذي يبحث الإرهابيين الحوثيين في إعادتنا إليه والأمر بإجابة واحدة فقط هو ماضي الفراغ الحضاري الذي غيبونا فيه عن مشاريع الحضارة بسببية أطوار انتقال الإمامة إلى أئمة والأدهى من ذلك أننا غيبنا «بضم الغين» وحيدنا «بضم الحاء» عن مسار التحديث في وقت كان غيرنا يحدث نفسه بمن حكمه، وبمقابل هؤلاء الحكام التحديثيين طمس كل أئمة أجدادنا صلتهم وصلتنا بالمستقبل بل وبالحضارات اليمانية السبئية والمعينية والحميرية وغابت قداسة هذه الحضارات عن كل فترات الحكم الإمامي على أنواعه لصالح قداسات الأئمة. فلم يكن هناك من يتحدث عن البناء الحضاري والمعرفي وحتى السرد التاريخي لدور الأجداد اليمانيين وإضافاتهم للتحضر الإنساني، وجهل «بفتح الجيم» اليمانيون في قرون السيوف والرماح الإمامية كل شي عن تاريخهم فلا باحثون للتاريخ عن الحضارات الثلاث ولا عن انجازات الحضارات الثلاث ولا ما في الأرض عن الحضارات الثلاث ولا عن وسائل الحضارات الثلاث ولا ما يمكن الإستفادة منه من الحضارات الثلاث فضلا عن الحضارات الأخرى من قتبانية و أوسانية، لم يكن هناك باحثون في أي من ذلك لأن الأئمة لم يكونوا معنيون بالبحث عن استنباط حضارة أو تتبع ما في الحضارات لأنهم لم يكونوا يملكون أي مشروع حضاري ولم يكونوا راغبين في نقل اليمانيين لغد حضاري آخر، وكل ما كتب عن الحضارات اليمانية بجهود نوابغ فردية ظهرت فقط بعد غد الثورة لم تكن لتليق بأرض نشأت عليها حضارات عدة، ووصل بنا الجهل والإتقان في التخلف أننا انتظرنا قرونا طويلة لنقرأ فقط نقشا يمانيا وجد على حجر حميري مرمي في الصحراء أو في واحدة من السواقي ومناطق الرعي وحتى عندما وجدنا ذلك الحجر لم نستطع أن نقرأه لجهلنا الإمامي الشريف فاستقدمت الثورة بعد أن صارت غدا يمانيا متخصصا إثيوبيا من الأمهريين من الضفة الأخرى من البحر الأحمر ليقرأ لنا خط أجدادنا على أحد نقوش أجدادنا، لأننا لم نكن بماضي معرفي في وجود أئمة كان همهم الحفاظ على قدسيتهم من باب الحفاظ على تخلف مقدسيهم، على أساس أن الأئمة اعتبروا أن أسباب بقائهم في السلطة لن يأتي إلا من باب استمرار التخلف اليومي لمن كانوا رعاياهم ، وكان هؤلاء الرعايا للأسف وللصدفة العجيبة أجدادنا، وحافظ الأئمة بدون ملل أو كلل على تخلفنا تأسيسا على تأويلات مذهبية ظالمة في فهم طبيعة الحكم ونوع الحاكم وقضى هؤلاء الذين يسعى الحوثيون لاسترجاع تخلفهم جل أعمارهم وأعمار أولادهم وسلسلة طويلة من أحفادهم في قتل بعض على قاعدة التفاضل بخروج إمام طامع في الحكم على امام قائم في الحكم ، ولم يكن يحدث أي خروج بدون القتل والدمار والفوضى لليمانيين ، كان ذلك في كل قرون وأزمنة الأئمة فما تحتاجه لتكون إماما إلا أن تكون هاشميا علوي النسب ولايهم وجود العلوية إذا كنت صاحب همة وعرفت كيف تزور الانساب مثل كل هؤلاء المزورين المنتسبين ثم تحمل سيفك لتقتل إماما آخر من «الباغين على الحق» وتغتصب منه الحكم وتقتله بمن معه من اليمانيين بمن معك من اليمانيين لتجد لنفسك بعد سفك وإزهاق الأرواح والأنفس غد ماضوي بكل تخلفه لتحكم به من بقى حيا من بين قتلى الفريقين على أرض يمانية جعلوها هم فقط حتى الثورة وحتى الاستقلال دائما خربة، والصورة ذاتها هي التي تتكرر اليوم في اليمن الذي وجد نفسه أخيرا يمسك بالغد ولكنه لم يتمكن من التقدم فيه بفعل الأيادي التي تجذبه من كل زاوية جهوية وحزبية، والحل فقط لنعبر في الغد هو السير وفق الإيقاع الذي تفرضه اليمن علينا لا الذي يفرضه الأئمة الحزبيون في صنعاء أو الإرهابيون في صعدة.


 

في الجمعة 01 يونيو-حزيران 2007 11:21:13 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=55344