ما أشبه المبادرة ما أشبه المخاتلة!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

صالح يوجه وزارة الداخلية بـــ" التحقيق الفوري والكامل في جريمة قتل المتظاهرين في العاصمة صنعاء يوم الخميس 24نوفمبر وإحالة مرتكبي هذه الجريمة إلى العدالة من أي طرف كان.. معرباً عن أسفه لاستمرار القوى والعناصر التي لا تريد الأمن والاستقرار والسلام في الوطن والتي تعمل على إشعال فتيل الحرب وإثارة الفوضى كلما لاحت بارقة أمل في تحقيق الأمن والسلام في الوطن ".
الفاعل هنا ليس بحاجة لاكتشاف، فكما هو ثابت وجلي للعيان بأن الرصاص من قواته وجماعاته المرابطة في ذات المكان الذي سبق وأن انطلقت منه رصاص الموت خلال الأشهر المنصرمة ومع علمنا ويقيننا بان الضحايا هم من المناوئين الرافضين منح الرئيس أية حصانة أو ضمانة أو سلطة شرفية وأن هؤلاء الشهداء هم من الشباب العزل القادمين من ساحة التغيير؛ إلا أن صالح هذه المرة سارع بإدانته للجريمة وبدعوته وزارة الداخلية بالتحقيق الفوري وإحالة مرتكبي الجريمة للعدالة.
ما أشبه اليوم بالبارحة! إنه ذات السيناريو الذي انتهجه صالح بعد قيام دولة الوحدة وعقب توقيع وثيقة العهد والاتفاق في عمّان فبراير 94م، تصوروا الرجل يبدي أسفه إزاء الحادثة الأخيرة، بل ويوجه أصابع التهمة لقوى وعناصر لا تريد للوطن الأمن والاستقرار والسلام ؛ فالقتلة الفجرة هنا لا علاقة لهم بصالح ونظامه العفن، إنهم مجرد عناصر بيد قوى معارضة لحكمه وجل فعلها هو إشعال فتيل الحرب وإثارة الفوضى.
في الأمس كان صالح يوجه ويدعو ويعلن براءته من كل جريمة نكراء طالت قيادات سياسية وعسكرية وأمنية جنوبية، لطالما نكث والتف ومكر وبدد وانتهك الكثير كيما يتخلص من شركائه في الوحدة المحققة سلماً وطوعاً ورغبة، ليست المرة الأولى التي يلقي عن كاهله تهم القتل والفساد والعنف والإرهاب وإثارة النعرات المجتمعية وتأزيم الحياة السياسية والديمقراطية؛ فمثل هذه الأشياء مثلت له وسيلة ناجعة ومجدية أبقته في كرسيه ثلاثة عقود ونيف.
كأنني أسمعه اليوم وهو يدين ويشجب الاغتيالات السياسية الحاصلة لرفاق النائب البيض بعيد تحقيق الوحدة ! كأنه هو ذاته الرئيس المعلن للحرب من ميدان السبعين، الرئيس نفسه الموقع لوثيقة العهد، الموقع لتوه مبادرة هي أشبه بوثيقة العهد المغدور بها فور توقيعها، إنها نفس التصرفات والأفعال المنتهكة لروح الوحدة واتفاقياتها وأسسها وجوهرها الجميل والرائع.
من يقرأ الآلية التنفيذية لمبادرة الخليج سيجدها زاخرة بالتلاعب اللفظي وبكثير من الخبث والخسة والحيلة والعبث والالتفاف على ثورة اليمنيين، إنها تكشف وبجلاء حقيقة المرض الخبيث الذي استوطن نخاع وبصيرة ووجدان النظام السياسي- سلطة ومعارضة – القاتل لكل بارقة أمل يراد منها التأسيس لنظام ديمقراطي مختلف كلياً عن هذه الحالة القاتلة والمهلكة والمدمرة للإنسان ولتطلعاته وآماله ورغباته في التغيير.
الجحيم طريقه مفروش بالنوايا الحسنة، الوحدة كذلك كانت ضحية عبارات وجمل منمقة خادعة وملتبسة، وثيقة العهد أيضاً فما من سطر فيها إلا وكان قنبلة موقوتة الفاعلية!.. أتذكر الآن وبحسرة وألم كيف أن بندها الأول كان مقوضاً لها؟ فلم تقبض داخلية صالح على أحد من المتورطين في الاغتيالات السياسية الحاصدة لكوكبة من قادة الحزب الاشتراكي وحلفائه.
 من هذه النقطة بالذات نفذ وتسلل الخلاف إلى أن بلغ أوجه بحرب شاملة قضت على كل شيء تقريباً "الوحدة الشراكة، الحوار، الأمل، التغيير، الديمقراطية، الاستقرار، الحكم المحلي الكامل الصلاحيات، إخلاء المدن من المعسكرات، محاربة الإرهاب والتطرف، النزاهة والكفاءة" وغيرها من مفردات وثيقة العهد والاتفاق المؤسسة لدولة اتحادية ديمقراطية.
لا أعتقد أن الرئيس الناكث بشركائه والمتستر على القتلة والمجرمين وهو في ذروة هيبته وسلطته وسطوته سيكون رئيساً مختلفاً وبعد أن صار مخلوعاً وضعيفاً، إنه يعرف القتلة ويمدهم بالسلاح والعتاد الحربي والمال والغذاء وحتى القات والماء والخيمة.
وبرغم دعمه وعلمه بماهية الجرائم المقترفة من قواته وعصاباته طوال سنوات مضت نسمعه الآن وبعد أن باتت سلطته بيد نائبه؛ يوجه ويستنكر ويدعو ويطالب، لم يبق غير أن يعلن ثلاثة أيام حداد على ضحاياه ويمنح القتلة أوسمة ونياط الواجب والشرف.

في السبت 26 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:31:10 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66344