فاتكم القطار ......
محمد علي محسن
محمد علي محسن

من يزرع الريح يجني العاصفة، يبدو أننا كذلك،فبعد عقود ثلاثة أو يزيد نجد أنفسنا كمن يبدأ حياته من أول وجديد وكأن ما جرى ليس إلا عاصفة حلت من السماء لا من صُنع أيدينا نحن اليمنيون، كل ما لدينا الآن لا يتعدى هيكل دولة هش نخره سوس الفساد والمحسوبية والنفاق والكذب والصمت والعبث، نكتشف فقط اليوم كم هي حاجتنا ملحة وعاجلة للدولة القوية الحامية لكل مواطنيها.
ألم يقل فيلسوف اليمن الراحل عبدالله البردوني رحمة الله تغشاه في كتابه (اليمن الجمهوري) بأن من سمات النظام الجمهوري الإيجابية هي وصول شخص من عوام الشعب اسمه علي عبدالله صالح إلى سدة الرئاسة،ولكن هذا الضابط التيس -وفق تعبير الشهيد إبراهيم الحمدي- أو قولوا راعي الغنم البسيط والفقير بعد ثلث قرن ونيف صار فرعون وهامان، فمن كان سبباً في علوه وتأليهه واستكباره؟ أين كنا وكيف صمنا عن الكلام إزاء أفعال لا تمت بصلة للجمهورية ونظامها وتقاليدها ودستورها وشعبها؟.
إننا والحق يقال كزارع الحيلة وينتظر الغنى لا الفقر،فالدولة لم تكن ولو مجرد فكرة تراود مخيلة من يحكم البلد بطريقة عابثة ومستهترة تذكرنا بحقبة الدولة اللاهية العابثة التي سادت في العصور القديمة وأطلق عليها الإغريق القدماء (دولة أزانيا).
الواقع المشاهد أظنه أكبر قرينة وبرهان لماهية الدولة العابثة اللاهية بكل شيء،من أهم منجزات الثورة أنها أزالت ورقة التوت عن كيان هش ومهلهل لتبدو الصورة عارية ومؤلمة حتى لأولئك الذين لطالما وقفوا وذادوا أو نافقوا وداهنوا.
لا عليكم.. قولوا بسم الله مرساها ومجراها،لا تلفتوا إلى الخلف،لا تنتظروا العاصفة فأنتم فيها، لا تخشوا الفاجعة إذا ما حلت بكم يا قوم، لا تندبوا حظكم اللعين الآتي بكم إلى بؤرة خراب وفوضى،قدركم أنكم من المأساة خلقتم ومن الظلم والمعاناة وجدتم،قدركم أنكم من هذه البلاد المنكوبة والمنهوبة.
دعكم من لعن الأمس ومن العيش في تواريخه الموجعة ومن موجة انتقام وثأر من الزمن الفائت ورجاله وتجاربه المريرة،فطلقة رصاص مسدس صوب الماضي تعني طلقة مدفع نحو المستقبل بحسب تعبير شاعر داغستان رسول حمزاتوف.
 ليشرع الجميع في ظرفية صعبة وقاهرة كهذه في دفع قاطرة الدولة،هذه القاطرة قد يكون شكلها وسكتها مخيباً للكثير وقد تكون انطلاقتها ومستهلها بطيئاً ومحبطاً ومع ذلك ينبغي على الجميع دفع قاطرة الدولة لتمضي رويداً رويداً فليس هناك ما هو أسوأ من غيابها ومن وقوفها.
 في هذه البلاد لم تقم أية دولة في ظل حكم الرئيس صالح، فعلى العكس من ذلك كان قد هد ودمر ما بقي من أسس وهيكل دولة كانت سائدة في الشمال بل ولم يكتف بمحو وإزالة ما أقامه أسلافه الرؤساء السلال والارياني والحمدي؛ إذ دمر وهد دولة مدنية مؤسسية كاملة البنيان في الجنوب.
 نعم إرث ثقيل وعلينا أن لا نرهق أنفسنا بجلد الذات،فكل ما نراه بأم العين لا يشير بثمة دولة من أي نوع،يكفي أن تشاهد قنوات الدولة أو تتصفح صحفها لتدرك حقيقة الدولة المغتصبة من عصابة لا من سلطة فحسب،لا أدلكم لقوات احمد ولا لكتائب يحيى وطارق ولا لطائرات محمد ولا ولا لكثير من الأشياء.
 فجميع هذه المسميات تنتمي إلى ما قبل الدولة،على هذا الأساس فلن تذعن وتقبل بأن تصير لكل اليمنيين سوى حين تكون في اليمن دولة لجميع اليمنيين، وبما أن الواقع هكذا فعلينا أن ندفع وبقوة هذه القاطرة،لا مجال لليأس،لا مكان للمراوحة والتوقف.
 المهم أن تمضي قاطرة قيادة الدولة ولا تتوقف،أيها الشيء افعل شيئاً فاللاشيء يقتلني، دعكم مما رسب في الذاكرة من ذكريات مؤلمة ومن إخفاقات وانتكاسات ومثالب ماضوية حدثت هنا أو هناك،فاليوم غير الأمس وثورة اليوم غير ثورة الأمس وقبيلي الستينات غير قبيلي الألفية الثالثة وصنعاء المفخخة بترسانة وعتاد وهيمنة عائلة صالح غير صنعاء عاصمة الدولة اليمنية ما بعد رحيله.
 القطار انطلق أو أنه على وشك الحركة،فالمهم أنه سيقل اليمنيين إلى مستقبل مستقر ومشرق،لم يفتنا القطار مثلما اعتقد صالح,فبعد أن صار قطاره مجرد كبينة قيادة له ولمقربيه وبعد أن انفصلت عنها كافة العربات؛سيتوجب على خلفه عبد الربه أن يلملم شتات سلفه بحيث ستكون الانطلاقة هذه المرة بكل العربات وبكل الركاب،وفي طريق مغاير وخطر،لكنه سيجتازه بكل ركابه وعرباته،حينها فقط سنقول: لقد فاتكم قطار اليمن الكبير ولن يضيره إذا ما وقفتم في سكته أو تخلفتم عن صعوده.

في السبت 24 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:35:37 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66628