جنرالات الخراب لا يبنون أوطاناً
محمد علي محسن
محمد علي محسن

مطالبة الضباط والجنود برحيل قياداتها العسكرية الفاسدة أعتقد أنها تأخرت عقوداً عن موعدها، لذا أعجب اليوم حين أقرأ أو أسمع الناطق العسكري اللواء علي سعيد عبيد محذراً من خراب ودمار الوطن إذا ما تمددت واتسعت دائرة الاحتجاجات المناهضة للقادة العسكريين الفاسدين، فهل رحيل العميد الشاطر أو اللواء محمد صالح الأحمر أو العميد مهدي مقوله أو غيرهم بات كارثة وطنية؟
الناطق الرسمي باسم اللجنة العسكرية أعتبر رفع مطلب الرحيل بأنه قد يؤدي إلى نتائج عكسية وأن الاستمرار في إقالة العسكريين قد يؤدي إلى تدمير الوطن الذي لن يستفيد من إقالة هؤلاء، لا أدري حقيقة ما هية قراءة الرجل المعروف باحترافيته المهنية وبحصافته الكلامية؟. فمع احترامي وتقديري للرجل ولتصريحاته المتزنة والمنضبطة والعقلانية ولمهمته الصعبة وغير مسبوقة ؛إلا أن كل هذه الحيادية الايجابية التي تمتع بها وفي ظرفية حرجة وخطرة كهذه لا نظنها ستحول دون مصارحته ومكاشفته في كونه جانب الصواب، فالوطن أكبر من أن يختزل صورته بحاكم مستبد أو جنرال مُضطَهِد أو قادة فاسدين ولصوص.
أسأل الناطق الحصيف: هل تغيير إمبراطور التوجيه المعنوي العميد الشاطر كان كارثة أم مصلحة وطنية ؟ وهل المطالبة اليوم بإقالة ديكتاتور القوى الجوية اللواء محمد صالح الأحمر سيكون كارثياً ومدمراً لأرباب الفساد أم للوطن وثورته وشعبه؟ قادة للأسف جل ما فعلوه هو السلب والنهب والسرقة للمال العام ولمقدرات هذا الشعب الفقير ولحقوق الموظفين وعامة الناس بل وأكثر من ذلك إذ كانوا قد تملكوا مؤسسات الدولة ولدرجة استعمارها وتوريثها.
عبث هؤلاء وصل إلى توزيع مساحة هذه البلاد إلى إقطاعيات وضيعات، فهذه ضيعة القائد الهمام وتلكم مزرعة اللواء فلتان، هذه مملكة الشاطر حسن وتلكم سلطنة اللواء صالح الأحمر، هذه قوات الفندم طارق وتلكم مصفحات الفتى خالد، هذه كتائب العوبلي وتينك ألوية أحمد، هذه طائرات عبد الخالق وتلك سيارات أجرة يحيى، هذه محافظة مقولة وتلكم محافظة حيدر.
وإذا كان واقع الحال أسوأ من هكذا، فهل المطلوب من الجنود والضباط -الذين هم غالبية الجيش - أن يكونوا أكثر تهذيباً وانضباطاً مع قادتهم –الذين هم القلة – وإلا فعلى الوطن الخراب ؟ حقيقة لم استوعب بعد تحذير الناطق باسم اللجنة العسكرية، فما قاله كان صادماً ومربكاً على الأقل لواحد مثلي ويدرك ما هية المظالم والفساد الممنهج في مؤسسات الجيش وعلى وجه التحديد التوجيه المعنوي والقوات الجوية والحرس الجمهوري وغيرها من الوحدات والدوائر التي أحالها أساطنة الفيد والنهب إلى هياكل نخرة لا دم فيها أو روح أو جاهزية يمكن الاعتداد بها عند الشدائد والمحن.
الوطن حدوده مفتوحة للتهريب،وسماؤه باتت فضاءً طليقاً لعبور الطائرات والصواريخ الأجنبية، وشواطئه وبحاره قبلة للقراصنة وسفن الديزل المُهرَّب ؛ لا أعتقد أنه سيتضرر إذا ما رحل هؤلاء القادة الفاسدون، أنه برحيلهم ينظف ذاته من درنهم ووسخهم العالق في بدنه وروحه منذ زمن دونما محاولة لغسله وتنظيفه.
 الوطن سيتعافى وينهض ويمضي إلى غاية المنشودة بتكاتف وتلاحم وعزيمة أبنائه المخلصين الصادقين،فالوطن ليس خيمة أو ديمة أو مسكن نأوي إليه أو قطعة تراب نموت من أجلها، لكنه أكبر وأعظم من أن يكون مجرد مساحة ارض ومجرد شخص أو جماعة من الناس،فالأوطان ليس لها مكان وبتعبير آخر لفولتير؛ فلا وطن حر من دون مواطنين أحرار.
الوطن الحقيقي هو ذاك الذي يمنح مستوطنه حرية العيش بكرامة وعزة وكبرياء،فمن يظن منكم أن الوطن يتأذى من قول الحق ومن استعادة روحه المفقودة إلى جسده المنهك ؛ فيتوجب عليه البحث عن مستوطن أخر يليق به كانسان فطره الله حراً. من يعتقد أن هؤلاء القادة هم الوطن وهم اكبر من الثورة ومن مبادئها وأهدافها، فيستلزمه غسل يديه ورأسه وتطهيرهما بالماء والصابون لئلا تصيبه عدوى أساطنة البر والبحر والسماء والمعاش والغذاء والدواء.

في السبت 28 يناير-كانون الثاني 2012 03:29:34 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66864