الربيع الإنساني 6
أحلام القبيلي
أحلام القبيلي

قبل البعثة

 ولد النبي صلى الله عليه وسلم وعاش يتيماً, ومع ذلك لم تنطبق عليه القاعدة التي تقول "فاقد الشيء لا يعطيه" فقد كان أباً حنوناً لكل يتيم.
وعليه أنزل "فأما اليتيم فلا تقهر" وقال "أنا وكافل واليتيم كهاتين وقرن بين أصبعيه الوسطى والسبابة"، ولم يؤثر في تربيته غياب الأب والأم، فهو أعظم الناس خلقاً وأقواهم شخصية, زكاه ربه فقال "وانك لعلى خلق عظيم"
 عاش شبابه طاهراً مطهراً من أقذار الجاهلية, لم يهم بفعل قبيح مما كان أهل الجاهلية يهمون به.
 
راعي غنم:

 رعى في بداية شبابه الغنم, هذه المهنة التي يحتقرها البعض ويرون أن أقل الناس شأناً هو راعي الغنم, وما من نبي إلا ورعى الغنم, فهي مهنة الأنبياء والرسل، لأنها تعلم الصبر والتحمل والرحمة والإحسان.. وشباب اليوم يأنف مزاولة الأعمال المهنية "وكلهم" يريد أن يكون أستاذاً أو دكتوراً أو موظفاً، حتى أصبح عدد المعلمين يفوق عدد الطلاب وعدد الأطباء يفوق عدد المرضى, ويشكون عدم وجود الوظائف.
 وشارك في إعادة بناء الكعبة وهو ابن خمسة وثلاثين عاماً بعد أن تشقّقت جدرانها بفعل السيول والأمطار، حيث شارك قومه في نقل الأحجار مع عمّه العباس بن عبد المطلب .
قال صلى الله عليه وسلم ": ( شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حُمُر النعم، ولو دعيت إليه في الإسلام لأجبت) إنه حلف الفضول.
وهو عقدٌ تمّ بين مجموعةٍ من قبائل مكّة كان منها بنو هاشم وبنو عبدالمطلب وبنو أسد وغيرها، واتّفقوا على حماية المظلوم ونصرته، ومواجهة الظالم مهما كانت مكانته وسلطته.. وما أحوجنا اليوم لمثل هذا الحلف، ما أحوجنا إلى حلف يحمي المظلومين, ولا يحمي الظالمين, ويجير الخارجين عن القانون، فهل تسمعني القبائل؟! وهل يعي كلامي المشائخ؟!.
ومن أهم الأحداث التي شارك فيها النبي - صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة -:
 
المبادرة المحمدية:
 
 اختاره قومه ليكون حكماً بينهم بعد أن اختلفوا في وضع الحجر الأسود، فأشار عليهم أن يبسطوا رداءً ويضعوا الحجر عليه، ثم تحمله كل قبيلة من زاوية، ويتولى بنفسه إعادة الحجر إلى الكعبة، وبذلك استطاع أن يمنع معركة كادت أن تقع بينهم.
وما أجمل هذا الحل وما أروع تلك الفكرة التي أراها تشبه فكرة المبادرة الخليجية التي عصمت دماء اليمنيين, وأخرجت البلاد من نفق مظلم.

يعرفهم ويعرفونه:

 وفي مجال الحرب شارك النبي – صلى الله عليه وسلم - في الدفاع عن مكّة وهو ابن أربعة عشرة سنة، عندما أرادت هوازان الهجوم على الحرم واستباحة مقدّساته لقتال قريش، واقتصرت مشاركته عندئذٍ على جمع السهام ومناولتها لأعمامه .
ولما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم سن الشباب اشتغل بالتجارة حتى عرف بين الناس بأمانته وصدقه وشاع أمره حتى بلغ خديجة بنت خويلد – رضي الله عنها- فبعثت إليه عارضة عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام، وأعطته أفضل ما أعطت غيره من التجار.
الصدق والأمانة أيها التجار, ولكم في رسول الله أسوة حسنة, إنها مهنة عظيمة زاولها الحبيب صلى الله عليه وسلم وزاولها الصحابة والتابعون, وكانت سبباً في الفتوحات الإسلامية السلمية، حيث دخلت دولاً بأكملها في الإسلام بسبب الصدق والأمانة في هذه المهنة.
إذاً كان الحبيب صلى الله عليه وسلم عضواً فاعلاً في مجتمعه, مشاركاً في جميع أحداثه, ولم يظهر فجأة ليقول للناس أنا نبي الله فاتبعوني، فهو رجل منهم وفيهم, يعرفهم ويعرفونه.
 ولما تقاربت سنه الأربعين حبب إليه الخلاء، فكان يهجر مكة كل عام ليقضي شهر رمضان في غار حراء، هروباً من أحوال قومه التي لم يطمئن لها قلبه لما فيها من مظاهر الضلال والفسق ولقد رأى العديد من علماء وفقهاء الإسلام أن في الخلوة فوائد ومميزات كثيرة منها:
- تجنب آفات اللسان وعثراته الكثيرة، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم".
- البعد عن الرياء والمداهنة.. والزهد في الدنيا.. والتخلق بالأخلاق الحميدة.
- تفقد أحوال النفس.
- حفظ البصر.. وتجنب النظر إلى ما حرم الله.
- التفرغ للذكر.. ويروى عن سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه – أنه قال : "كلم الناس قليلاً، وكلم ربك تعالى كثيراً، لعل قلبك يرى الله تعالى".
- تهذيب الأخلاق والبعد عن قسوة القلب.. وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي"
- التمكن من عبادة التفكر والاعتبار.
كما أن الخلوة تمنح الإنسان الصفاء الذهني والنفسي, وتمكنه من وضوح الرؤية وشحذ الهمة.. هكذا عاش النبي محمد - صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة طاهراً مطهراً من كل رجس ونجس، له مكانته العالية وسمعته الطيبة, ودوره الفاعل.
 
ويا محبي النبي تابعونا
وصلوا على هادينا
المصطفى طه نبينا
هو خير العالمينا
ابن عبد الله
alkabily@hotmail.com
في الخميس 16 فبراير-شباط 2012 03:45:46 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=67121