كلام في واقع مأساوي
محمد علي محسن
محمد علي محسن

في واحدة من تجلياته الفكرية المختزلة لواقع التوحد؛ قال الدكتور حمود العودي بان السلطة بعد حرب 94م قامت بتعميم كل ما هو سلبي وقبيح في محافظات الشمال إلى محافظات الجنوب والعكس أيضاً، إذ لم تؤخذ من محافظات الجنوب إلا كل ما هو سلبي وعبثي يتلاءم مع طبيعة هذه السلطة المستأثرة بكل مقدرات الدولة القائمة.
استذكر الآن حديث المفكر العودي وأقارنه إزاء واقع مأساوي فرض على الجنوب بالقوة والعنجهية، فمنذ اجتياح قوات النظام العائلي والقبلي لمحافظات الجنوب في حرب 94م والمواطن الجنوبي لا يلمس أو يشعر غير الشكوى من التهميش والاستعلاء والتمييز والظلم والنهب والفساد والتخريب والتدمير لكل منجز ومكسب ونظام ومؤسسة وسلوك وفكر وثقافة.
الوحدة قبل أن تجهز عليها الممارسة الوقحة والهمجية للسلطة؛ كان من مضامينها المتفق حولها تعميم كل ما هو ايجابي في الدولتين السابقتين، فمثلاً في الجنوب دولة قائمة بهيكليتها وبنيويتها وسلطاته وسيادتها ومدنيتها، ونظام رقابي ومحاسبي، ومؤسسات اقتصادية ناجحة، وخدمات أساسية وضرورية توفرها الدولة مجانية للمواطنين كالتعليم والتطبيب وغيرها من المكاسب الايجابية التي ينبغي أن تتمدد وتسود في محافظات الشمال.
 كذلك هو الحال بالنسبة لمحافظات الشمال التي يوجد فيها قطاع صناعي واستثماري عام وخاص، ومنشآت صحية وتعليمية وسياحية وفندقية، ومؤسسات تجارية وبنكية وتقنية، وفوق ذا وذاك تعامل علاقة تجارية ودبلوماسية منفتحة على الغرب والشرق، وهذه جميعها جوانب ايجابية لابد من تسويقها في الجنوب.
لكن الواقع كان له كلمة الفصل، فلم تمض سوى ستة أشهر ليكتشف علي البيض ورفاقه أن دولتهم لم تتوحد مع دولة وإنما مع سلطة خارج سياق الدولة، وان نظامهم لم يتقاسم السلطة والقرار مع نظام وحزب سياسي وإنما مع شخص وعصبة من النافذين المقربين.
 ليت المسألة توقفت عند هذه المحنة والأزمة السياسية التي لم تكن في حسبان القيادات الجنوبية بل انحدرت إلى هوة سحيقة ومميتة لكل أمل بمعالجة وإصلاح الأمر، إذ كان الحسم العسكري وبالا كارثياً على النظام الحامل لفكرة الدولة الحديثة ومغنماً وفيداً للنظام الذي لا يحمل مشروعاً أو فكرة غير خاصته وعائلته وقبيلته وعصبته المحيطة به.
ربما سأل أحدكم : ما جدوى الكلام وما قيمته للثورة والثوار الذين أطاحوا برأس البلاء والكارثة؟ أليس الرئيس جنوبياً ورئيس حكومته من الجنوب ومعظم الوزراء من الجنوب ! نعم لقد قرأت وسمعت البعض قائلاً: ها هي الدولة اليمنية قد أتت ودانت لقيادة جنوبية؛ فأرونا ماذا أنتم فاعلون؟.
ها هي المحافظات الشمالية بقبائلها وعشائرها ومناطقها ورجالها ونسائها وثورتها ذهبت جميعها لانتخاب الرئيس عبد ربه وجل ما تطمح به هو إعادة الاعتبار للجنوب وأهله ودولته ومشروعه وقضيته العادلة.
نعم؛ كأني بهم يقولون : هذه السلطة وسلمت لكم أيها الجنوبيون، فيا دعاة المدنية والنظام والقانون والحداثة والمواطنة المتساوية وغيرها من الشعارات والمطالب والقضايا الوطنية والحقوقية والحضارية؛ هل رأيتمونا يوماً بهذه القابلية والاستعداد للمضي خلف قيادتكم لبناء الدولة الديمقراطية العصرية؟
شخصياً أعتقد أن عودة الجنوب إلى طاولة الحوار والمصالحة الوطنية يجب أن تسبقها خطوات جريئة وعملية، فلا يكفي أن يكون رئيس الدولة أو الحكومة جنوبياً، أننا نتحدث عن كارثة ونهب وإقصاء وعسف وقهر وهيمنة ودم وقرابين وتمزق وانكسار وتخريب لم يقتصر فقط على بنيان الدولة ومؤسساتها ولكن تعدى ذلك إلى صميم ووجدان وعقل الإنسان ذاته.
الحل للقضية الجنوبية لا أعتقد أنه سيكون من خلال مؤتمر مصالحة وطني يضم كافة أطياف ومكونات القضية الجنوبية وبرعاية ودعم إقليمي ودولي، نعم نحن بمسيس الحاجة لمثل هذا الحوار الوطني ولكن المهم هو مدى توافر الثقة التي للأسف مازالت مفقودة.
 أحد قيادات المؤتمر المحترمين قالها وبصوت ربما غير مرغوب فيه : كل من نهب واستولى على عقار أو مؤسسة أو سفارة وكل من عبث وظلم وأساء لسلطته ووظيفته عليه أن يقدم اعتذاره ويعيد ما أخذه للدولة أو لصاحبه، فدون القيام بفعل شجاع وجريء من الناهبين والفاسدين أنفسهم لا يمكن إقناع الجنوبيين بجدوى الحوار والمصالحة).
نعم الثقة غائبة والظرفية ليست مواتية لخوض غمار قضية سياسية بهذا الحجم والتعقيد، أتفق مع منطق الشيخ المنتصر القائل بوجوب استعادة الحقوق المنهوبة وتعويض كل من طالة الضرر مادياً ومعنوياً، لكنني أتحدث هنا عن حاجة قصوى لاستعادة المجتمع الجنوبي إلى وضعه وسياقه الثقافي والحداثي.
 فالحاصل أن الثورة الشبابية والشعبية أفرزت معطى وواقعاً جديداً يصعب إغفاله وتجاوزه، فإذا كان النظام العائلي قد استطاع فرض ثقافته وأسلوبه ومنطقه الفوضوي والعبثي على الجنوب؛ فإن هذه الثورة قدر لها فرض ثقافة وأسلوب ومنطق عصري وحضاري مستمد من نضال أبناء الجنوب ومن ثورات الأشقاء في تونس ومصر وليبيا وسوريا والبحرين, وعليه يجب التأكيد أن المعادلة مختلفة، فلا الشمال هو ذاته المجتمع المستكين الخانع والقابل بظلم النظام العائلي العسكري أو أن الجنوب هو ذاته الحامل لراية التوحد ودولة المواطنة العادلة غير المحتكرة بجغرافيا أو قبيلة أو منطقة.
في الجمعة 09 مارس - آذار 2012 01:39:35 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=67391