من يوقف حقداً أسود؟!
أحلام المقالح
أحلام المقالح

جاء الصباح كعادته ؛ صباح شعرت فيه بالضيق حد الاختناق دون سبب ! الكهرباء كالعادة أيضاً غائبة عن المنطقة التي أقطن فيها وأنا أبحث عن خيط (خَبر) على صفحات المواقع الإلكترونية عبر لابتوب يعلل سبب انقطاع الكهرباء الطويل أو يسرّب لي ابتسامة تمحو عني الخوف والقلق، حينها حدثني أحد الزملاء القاطنين في صنعاء أن دوي انفجار يضج بالمكان ولم يُعلم بعد مكانه أو سببه..قلبي المقبوض ضاق أكثر فيوم واحد يفصلنا عن عيد الوحدة اليمنية ولا مفر من الجزع في إمكانية حدوث شيئاً قد يفجر الوضع السياسي من جديد..ما الذي حدث؟
جاءت الأخبار عبر صفحات الفيسبوك أن انتحارياً بحزام ناسف فجر بنفسه في وسط 900 جندي تابعين للأمن المركزي خلال بروفات للعرض العسكري بمناسبة العيد المقرر إجراؤه في اليوم التالي، لم يكن الأمر سهلاً حد الاستيعاب في تلك اللحظة خاصة مع ورود الرقم (90) كحصيلة أولية للشهداء آنذاك وبترقب بانهماك لما تناقلته صفحات الإنترنت كانت الإشارات تلوح إلى أن العدد مؤهل للزيادة وأن فاجعة ما تنتظر عائلة 100 شهيد ناهيك عن عائلات الجرحى، والدتي التي لمت رأسها بكلتا يديها فزعاً في أن يكون شقيقي أحد أولئك وقعت عيناها على قدم جندي بشاشة خرساء وتمتمت محمد..محمد، (محمد شقيقي الذي يعمل ضابطا بالشرطة الراجلة في صنعاء(، لا اعلم ما الذي تنفسته حينها في شاشة باتت حمراء حتى صرخت لولدها كما لم أشعر بتاتاً أنها غرست أظافرها في لحم كفي فأدمتها حين وثبت بي كي لا تسقط على الأرض فلا تعد ترى شامة ابنها تنتصف ساقه !تعلم جيداً أنه بمنأى عن مكان الانفجار ولكنها تصرخ وتبكي.
- كفي عن الصراخ أمي.
- اسكتي وعاودي الاتصال به فلربما ناداني أمي ولم أسمعه.
- تلفونه خارج التغطية، لا تقلقي هو يغط في نوم عميق كالعادة بعد سهر طويل في عمله، ابنك وتعرفيه.
اكتفت بالتحديق بوجهي وشاشة التلفاز وكلما رفعت سماعة هاتفي بمحاذاة أذني شخص بصرها وما تلبث أن تغمض عينها وأنا اهمس مقفل مقفل!.
ساعتان من التوتر لم تجف لها دمعة ولم أكف عن الكذب بمبررات باهتة لتعد لها طمأنينتها والتي لم تعد حتى سمعت ولدها ينادي من سماعة شاحبة: "أمي أنا بخير فقط أبكي لأجل أصدقائي المفقودين".!

صمتت كثيراً ثم نطقت (أبنائي هُم.. كيف سأراك يا محمد بلا بقية إخوتك..كيف سأنام..كيف سأصبح..كيف)؟ من أين لنا بقوة ربانية نحن الأمهات كي نتحمل مدُ هذا الوجع؟! من أين؟!!. هذا ما حدث لإحدى الأمهات الجزعات بأبنائهن، فما بالنا بأمهات 100 شهيد ماذا سيحدث لهن؟.
المنظر مروع فهل يمكن أن يكون هناك قلب بشر قد فقد الإنسانية ليقذف بنفسه بوسط الموت تحت أي ظرف كان ويودي بحياة 100 جندي وحياته أيضاً!.
القاعدة مرة أخرى..القاعدة تقتل بدم بارد.. الجاني مجهول حتى الآن.. المسؤولية غائبة عن أولي الأمر ولا جديد سوى أن الشهداء يرقدون بسلام وهناك جرح نكأ مرة جديدة وأظنه لن يندمل وهناك حقد أسود مازال يصب الموت على رؤوس الأبرياء.. فمن يوقف حقداً أسود؟!
في الخميس 24 مايو 2012 02:35:53 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=68243