الكهرباء..وعقلية طفي لصي
محمد علي محسن
محمد علي محسن

الكهرباء للمواطن العدني حياة قبل أن تكون مجرد إنارة مصباح أو مجرد خدمة ترفيهية, فهل تصور أحدكم حياته من دون هواء وماء؟ هل قدر لكم قضاء ساعة واحدة في لظى صيف عدن ومن دون تكييف أو تبريد للهواء والماء؟.
أسأل حكومة الثورة والوحدة؛ ألا توجد طريقة ما لوقف العذاب اليومي الناتج عن عجز في طاقة الكهرباء ! ألا يوجد في هذه البلاد ثمة احترام للمسئولية وواجبها إزاء معاناة أطفال ونساء وشيوخ ومرضى ! أعجب كيف أن ملايين الدولارات تنفق وتبدد على مشروعات ثانوية وعادية فيما وحين يتعلق الأمر بمشروع إسعافي وحيوي تفتر حماسة القائمين؟
في سالف الزمن كان للإنسان قيمه وللوظيفة تبجيل, لذا فحين تناقلت وسائل الإعلام نبأ انطفاء الكهرباء في حضرموت نتيجة لعجز أصاب مولدات منتجة للطاقة ؛ لم تقف الحكومة متفرجة حيال معاناة السكان متعللة بشحة الدولار أو قائلة : لا توجد للكهرباء أية اعتماد في الموازنة. في أيام قليلة وصلت المولدات من الخارج وبواسطة أسطول جوي تم إسعاف المدينة بحاجتها من مولدات الطاقة ومن مستلزمات التشغيل والصيانة.
في عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية جل ما لديها من الطاقة لا يزيد عن 270 ميجا، فيما استهلاكها للطاقة في ذروة فصل الصيف يزيد عن 300ميجا, وهذا ما دفع بكهرباء عدن إلى مواجهة الطلب المتزايد على الطاقة ولو بتشغيل المحطات بكامل قوتها التوليدية رغم خطورة المسألة على عمل المحطات القديمة التي باتت بحكم المنتهية بالنظر إلى عمرها الافتراضي.
مؤخراً سمعنا على لسان المحافظ أو القائمين على كهرباء عدن؛ بان الوزارة عززت المنطقة ب60ميجا وأن هنالك توجهات لعمل محطة بقدرة 500ميجا, ناهيك عما جاء على لسان حكومة الوفاق حول حصة كهرباء عدن من ال450 ميجا المقدمة من الإمارات العربية المتحدة إذ ستحصل على 150ميجا ومثلها لمحطة المخأ و100 لمحطة رأس كثيب بالحديدة.
وأياً كان الأمر؛ فعدن يستلزمها حالياً 150ميجا كطاقة طارئة وعاجلة لتغطية العجز الكبير, إما ما تحتاجه في السنوات القادمة فاعتقد أنه أكبر من 500 أو 1000 ميجا, أننا نتحدث عن عاصمة اقتصادية وتجارية لا قرية كبيرة! أننا نتكلم عن مدينة سياحية واستثمارية وصناعية وساحلية أيضا، ومع كونها كذلك؛ فأنها على أقل تقدير يجب أن تضاهي المسجد الحرام الذي طاقته 2000 ميجا.
 مقدار العجز وصل مؤخراً إلى 105ميجا وهذا الرقم مرشح للارتفاع إلى 150أو أكثر في حال زاد الصيف حرارة وفي حال استمر عمل المحطات القائمة بكامل الطاقة المنتجة وبذات الوتيرة والقدرة المعتادتين ودونما مراعاة الحالة الفنية والتشغيلية لهذه المولدات القديمة والتي هي في المعظم تجاوزت عمرها الافتراضي.
لطالما قلنا ونصحنا الحكومات المتعاقبة بضرورة الحل والمعالجة لمشكلة الطاقة المتفاقمة في البلاد,لسنوات وأصواتنا لا يكترث لها, أنها خير تعبير للبيت الشعري القائل :
 لقد أسمعت لو ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادي؟..
فكل الحلول كانت ترقيعية ووقتية, لم نلمس بثمة معالجة لقضية إستراتيجية وجوهرية تتعلق بحياة وتنمية وازدهار وطن وشعب, لم نسمع حتى اللحظة برؤية واسعة وشاملة لهذه الأزمة الخانقة الناتجة عن افتقار البلد لطاقة تعادل طاقة المسجد الحرام ولا نقول لطاقة دول مثل البحرين 4000ميجا أو المغرب 7000ميجا أو مصر 35000ميجا أو السعودية 37000ميجا.
لا أقول لكم أن طاقة اليمن عام 90م كانت تضاهي طاقة ماليزيا وبواقع 1000ميجا ! اليوم ماليزيا تقترب من العشرين ألف ميجا، بينما بلادنا - وفق تصريح لوزير الكهرباء الدكتور صالح سميع – مازالت جاثمة عند 850ميجا. ولكم أن تتصوروا حجم الكارثة التي نعيشها جراء هذه الطاقة الضئيلة غير كافية لمدينة ثانوية تدعي انتمائها لعصر يعتمد كل شيء فيه على الطاقة !.
 يجب التأكيد على أنه وما لم يتم وضع رؤية وطنية إستراتيجية مستقبلية ؛ ستظل كل الحلول مجرد معالجة آنية وترقيعية لن تفلح بوقف الطلب الكثيف على الطاقة. نعم هنالك طاقة مفقودة نسبتها مهولة ! ونعم أيضاً توجد مشروعات سيتم تنفيذها خلال السنوات القادمة في عدن ومأرب وتعز وغيرها من المناطق ! لكن تلكم المشروعات مجتمعة لا تكفي لعدن أو صنعاء.
أننا إزاء معضلة كبرى تستدعي منا توظيف جل الموارد والإمكانيات المتاحة وغير متاحة كي يقام مشروع استراتيجي وحيوي, الواقع أنني قرأت ما كتبه وزير المالية الأسبق د سيف العسلي؛ فأصابتني الدهشة والحيرة كون مثل تلك الأفكار لم يؤخذ بها من القائمين على الكهرباء في ذاك الحين, ما عاناه أيضا الشيخ صالح بن فريد من عنت ومماطلة ورفض وقح لهو دليل وبرهان أيضاً على أن أزمة الطاقة يمكن معالجتها لولا الإدارة المركزية البيروقراطية الفاسدة.
قبل الختام وقبل مطالبة الحكومة باعتماد مشروع استراتيجي وطني والبحث له عن تمويل أجنبي ومحلي ؛ يجب على هذه الحكومة دعم مسألة الاستقلال المالي والإداري للمناطق, بحيث تتحمل هذه المناطق كامل المسئولية عن مشكلاتها الإدارية والمالية والوظيفية والفنية, فهل يعقل أن تظل المناطق مجرد إدارات تحصيل وإصلاح وحضور وانصراف؟
هل يعقل أن منطقة كهرباء كعدن - بما تمتلكه من كادرات هندسية وفنية ومن خبرات إدارية ورقابية – ليس بمقدورها حل مشكلة علاوة استحقاق لموظفيها؟ حقاً أنها لمأساة كبيرة حين تظل إدارة الطاقة بهذه العقلية العقيمة ! حُط مولد من المنصورة بدِّل مولد في خور مكسر.. طفِّي لحج لصّي عدن.. زد 60ميجا في الحسوه، ضف 60في الحديدة.
في الجمعة 08 يونيو-حزيران 2012 12:55:21 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=68404