رمضان.. القيم والمثل الأخلاقية العليا!!
نجيب أحمد المظفر
نجيب أحمد المظفر

جعل الله شهر رمضان بما فرض فيه من صيام نهاره عن الطعام والشراب والجماع وسائر الأخلاقيات التي لا يقرها دين، ليكون بمثابة مدرسة تغرس وتربي في النفوس القيم والمثل الأخلاقية الفاضلة العليا، كما تدرب المسلم على قهر هواه وشيطانه ونفسه الأمارة بالسوء، ليتقن العيش في هذه الدنيا مستعلياً على شهواته ومتحرراً من عاداته، مرتقياً بأخلاقه، ساعياً للزيادة في كمالاته، وهل المقصد من الصيام إلا الظهور بمظهر من أثمرت فيه عباداته فدلته على الخير والصلاح الذي يجلب النفع للنفس والآخرين، ونهته عن الفحشاء والمنكر والفساد بكل أشكاله وألوانه ليٌكف عن الناس شره وطغيانه، وهذا هو المفهوم الحقيقي للتقوى التي لأجلها شٌرع الصيام قال الله:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
إن إحياء الفقه لمقصد الصيام في المجتمع بهذا المفهوم وابتكار الوسائل المعينة للناس على تمثل هذا المقصد كفيل بإحداث ثورة أخلاقية في المجتمع تختصر عليه طويل المسافات وتقتحم به كبري العقبات، فنحن اليوم بأمس الحاجة لخطاب رمضاني يضع الناس أمام حقيقة أن أوضاعنا هي انعكاس لأخلاقنا، فمتى ما تغيرت تغيرنا إما إلى الأحسن أو إلى الأسوأ، مصداقاً لقول الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فصلاح الأخلاق دال على صلاح العبادات وصحتها، لأن الأخلاق ثمرة من ثمار العبادة المقبولة التي يعد قبولها ثمرة من ثمار إخلاصها وصوابها بل قد بين النبي صلي الله عليه وسلم بأن الأخلاق جماع الدين حينما أجاب على من سأله قائلاً: ما الدين يا رسول الله فقال له صلي الله عليه وسلم:(الدين حسن الخلق).
ومن هنا فإن الصائم الحق هو من صائم عن الأخلاق الذميمة، ليثمر الصوم فيه أخلاقا حسنة فاضلة يتعايش بها مع الناس، وتؤهله ليسابق بحسن خلقه على الفوز بجنة عرضها السموات والأرض وعدها إن صدق فيه قوله صلي الله عليه وسلم: (من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار أنتم شهداء الله في الأرض أنتم شهداء الله في الأرض) وتجعله يتطلع لمرافقة محمد صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى التي وعد أن يرافقه فيها من تحقق فيه قوله صلى الله عليه وسلم:(إن من أقربكم مني منزلاً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا).
إننا اليوم نتطلع لأن نرى مجتمعنا الذي يٌقبل مسابقاً على تلاوة وختم وحفظ القرآن وقد أثمر فيه القرآن تخلقاً بأخلاقه التي حوتها سوره وآياته المنزلة جملة واحدة إلى السماء الدنيا في رمضان، كما نأمل أن نرى أولئك الذين يدخل عليهم رمضان ليكون مؤذناً بتجردهم من كل الأخلاق والقيم، وقد عزموا هذا العام على أن لا يفارقهم رمضان إلا وقد تجملوا فيه بأخلاق الصائمين القائمين حتى لا يكونوا من أولئك الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم:(من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ولا ممن قال فيهم أيضاً:(رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا التعب والنصب).
فهل للجميع اليوم أن يجد العزم لنجعل من رمضان هذا العام مدرستنا التي تحلينا بالأخلاق والفضائل وتخلينا من الأوزار والرذائل، وذلك من خلال وقوفنا مع أنفسنا وقفة نحصي من خلالها أخلاقنا السيئة لنعد العدة التي من خلالها نجتث في كل يوم من أيام رمضان خلقاً سيئاً نبني على أنقاضه خلقاً حسناً نكتسبه كل يوم؟ ثم هل لمؤسساتنا القائدة والموجهة للرأي العام أن تٌهدف مضمون ما تخاطب به المجتمع لتسهم في قيادة الناس وتوجيههم للخير والصلاح الذي نحن أحوج ما نكون إليه لإقامة بنائنا المجتمعي المنشود على تقوى من الله ورضوان ليكن مجتمعنا خير مجتمع نخرج به للناس والعالم من حولنا؟. 
في الثلاثاء 17 يوليو-تموز 2012 02:43:39 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=68822