تحرير وطن من نخبة وأغلال ماضية !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن
            
تحرير عدن أم حضرموت أم شبوةأم الجنوب؟ تحرير تعز أم الحديدة أم مأرب أم الشمال؟ كلما أوغلنا في تواريخ الماضي؛ كلما وجدنا أنفسنا في خضم جدل بيزنطي لا ينتهي، لا شيء تبدل اليوم، فأغلب الظن أننا كجمل المعصرة الذي يظل يدور ويدور ولكن حول دائرة قطرها لا يتعدى متر في متر.
كنت أعتقد بأن ثورات الشباب العربي ستتمخض عن قيادات ورؤى وأفكار جديدة؛ بل وجريئة خارج المألوف والمعتاد، كيف أفكار وقيادات جديدة وجريئة؟ يعني أن نسمع ونرى قيادات وأفكار تتماهى مع المد الثوري الشعبي الذي اجتاح أولا جمهوريات العائلات في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا وسيأتي غداً على بقية الأنظمة الصنمية سواء الملكية أو الجمهورية.
إلى اللحظة الراهنة وجل الكلام يدور في ذات الماضي اللعين الذي لولاه ما ثار اليمنيون أو الليبيون أو المصريون، لنتحدث عن واقعنا المعاش والمشاهد، ولنسأل أنفسنا : ما الجديد في هذه الثورة ؟.
لا شيء، فالجميع منهمك في شعارات وأهداف وإيديولوجيات قديمة عفي عليها الزمن،لا جديد هنا، لا مستقبل ننافح من أجله ! لا أفكار يمكنها اختراق حالة الجمود والمراوحة في ذات المكان والشعار والهدف !.
 فبرغم أن كل ما حولنا تغير وتبدل؛ إلا نحن فسنظل نجتر ونلوك ما مضى مع فارق هو أن بهائم الأنعام واقعية وعملية أفضل منا، فعلى الأقل اجترارها أكثر موضوعية وفائدة من اجترارنا الذي يعد طوبائياً وراديكالياً منهكاً وقاتلاً لصاحبه أكثر من أن يكون نافعاً وواقعاً.
للأسف هذه الثورة لم تستطع إفراز قيادات تحمل أفكاراً ثورية خارقة لكل ما هو معتاد وقديم، الكل منهمك في مسألة ترميم وصيانة جدار متصدع وقاعدة مختلة، لماذا لا أرى من يؤسس لعهد جديد قادم.
 ليمن موحد وديمقراطي ومستقر وناهض مساحته أكبر من عدن وصنعاء وحضرموت وإب وتعز والضالع، وطن آخر يتعدى القبيلة والمنطقة والطائفة والجنوب والشمال، وطن المستقبل الذي ينبغي أن يؤسس بنيانه بعيداً عن مثالب وصراعات الماضي والآن وليس غداً.
وطن يتحرر فيه مواطن زبيد وتهامة وعدن ولحج وأين وجد هذا الإنسان؟ لا أعلم لماذا علي البقاء أسيراً لأفكار ضيقة أنانية لا تستطيع مبارحة أنانيتها وفوضويتها؟ شخصياً لا أويد فكرة تفكيك وتجزئة ما هو مفكك ومجزأ بالفعل ؛ بل أؤيد فكرة لملمة وتوحيد ما هو مبعثر وممزق في كيان قابل للنمو والحياة والاستدامة والنهضة والاستقرار.
معظم هذه الأصوات المسموعة، أغلب الوجوه الحاضرة في المشهد، جل الأفكار القيادات التنظيمات القائمة، فكل ما لدينا اليوم لا أعتقد أنه جدير بقيادة البلاد والعباد الى رحاب المستقبل الجديد المؤسس بنيانه وعماده على أسس ومعايير وطنية ومدنية وديمقراطية ووحدوية تتقاطع جزئياً وكليا مع حقب ماضوية زخرت بالصراعات والتناحرات والهيمنة والتهميش والإقصاء والنفي وغيرها من الأمراض المزمنة التي نعرف جميعاً أنه لا علاج لها من غير توافر بيئة وطنية صحية خالية من آفات المناطقية والقبلية والجهوية ومن دون وجود دولة يمنية مختلفة في جوهرها وشكلها وغايتها.
مؤسف حقاً حين تكون القوى السياسية غير مؤهله لأن تحمل على عاتقها مسألة مغادرة مشكلاتها وثاراتها وإيديولوجياتها وقياداتها ومرجعياتها وأفكارها التاريخية القديمة، أقول هذا الكلام ؛ لأنني أحسست بمدى الاغتراب الذي تعيشه اليمن وابتعادها عن ملامسة مشكلاتها وتحدياتها الحاضرة والمستقبلية.
 فالحاصل أن القوى النخبوية والفكرية والسياسية لم تكن جاهزة لعملية انتقال خارقة واستثنائية وتاريخية كهذه التي جاءت بها ثورات الشباب العربي، هذا التخلف السياسي والفكري والنخبوي بدوره صنع بيئة متخلفة غارقة في صراعات وخلافات جدلية ماضوية شخصية بعيدة الصلة عن واقع جديد، ومختلف كليا يقتضي منها فعل الكثير كيما تصير جزءا منه ومن أفكاره ومشكلاته وتحدياته وأدواته وثوراته .
 على هذا الأساس فإن ما نحتاج له يتمثل بتحرر اليمن شعب ونخبة وطليعة وقبيلة وعقلية وثقافة من كل ما له علاقة وثيقة بثقافة الهيمنة والاستعباد والتمييز والفساد والبطش والتنكيل والقتل ووالخ من الأشياء المدمرة للعدالة والتعايش والمواطنة والحاضر وحتى المستقبل الذي ننشده ويستحيل العبور إليه ما لم يتحرر اليمنيين من عقليات وأفكار ونخب وخلافات وثارات ماضوية كهذه التي يزخر بها المشهد السياسي اليوم.
 
 
في الإثنين 06 أغسطس-آب 2012 04:57:08 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=68994