بشار وكيف صار ملكاً على جمهورية ؟ !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

تخيلوا مثلاً لو أن الشاب بشار لم يكن نجل رئيس البلاد ورمزها وقائدها وديكتاتورها حافظ الأسد! فهل كان سيحظى الفتى بكل هذه الترقيات العسكرية والمدنية والمهنية التي انهالت عليه وبسخاء حاتمي وخلال مدة قصيرة لا تزيد عن عشر سنوات وفي كنف دولة تعج بالكثير من الشباب المتفوقين الذين هم أفضل وأجدر من أبن الرئيس، ناهيك عن وجود مئات والآلاف من القيادات السياسية والعسكرية والمدنية والبعثية والقومية التي تم تجاوزها بعد وفاة الأب حافظ سنة 2000م كي يخلفه نجله بشار وليس غيره من قيادة الدولة والحزب والجيش .
أجزم أن النظم السياسية العربية تمثل أسوأ اغتصاب للدولة الحديثة، فما من سلطة وحكم لجمهورية أو لمملكة؛ إلا واعتبرت الدولة ومقدراتها ومؤسساتها ووظائفها ومواردها وقوتها ملكية خاصة تستأثر بها لوحدها وتوزعها وتمنحها وتوهبها لمن وكيف ومتى شاءت؟
لماذا أتحدث هنا عن الرئيس بشار دون سواه من ورثة الجمهوريات العائلية كجمال مبارك وأحمد علي وسيف الإسلام وغيرهم ممن أطاحت بوراثتهم للرئاسة ثورات الربيع العربي؟ أولاً لسبب يتعلق بكونه أول منتهك لجمهورية أفلاطون وأرسطو وجاك روسو وووالخ من الفلاسفة القدماء والحداثيين .
 فبرغم مضي أكثر من ألفي عام على فكرة الجمهورية الأولى التي بشر بها ووضع أساسها أفلاطون باعتبارها خير فكرة ونظرية لسلطة الشعب المناقضة لسلطة الملك الواحد المطلق؛ كان النظام السوري أول المبشرين بوراثة الجمهوريات، إذ مثل الرئيس بشار بشارة شؤم واغتصاب فج ووقح وفاحش طالما ظلت رغبة تراود الرؤساء العرب المعاصرين؛ لكنها لم تصر حقيقة وواقع سوى بعيد جملكة سوريا .
 فمنذ ذاك اليوم العار الموافق 11/6/2000 الذي رقي فيه العقيد بشار إلى رتبة فريق وعين قائداً عاماً للجيش و القوات المسلحة ومن ثم اختارته القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بكامل أعضائها وبالإجماع لمنصب رئيس الجمهورية؛ بدأت جمهوريات العائلات تمارس فاحشة التوريث جهاراً نهاراً وعلى ملايين الشعوب العربية التي راحت ممزقة ومنقسمة ما بين قلة مؤيدة قائلة بشرعية آتية من سفاح وبين غالبية صامتة قابلة أو مكرهة على رؤية الاغتصاب والفاحشة تمارس أمامها .
الملك/ عبد الله الثاني، تسلم سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية في السابع من شهر شباط 1999م، يوم وفاة والده جلالة الملك/ الحسين بن طلال ـ طيب الله ثراه ـ ومع كون الأردن مملكة إلا أنه وقع لغط وسخط إثر تولي ابن الملك حسين وليس شقيقه ولي العهد الأمير/ الحسن بن طلال باعتباره ولياً للعهد مذ عقود .
 وإذا كان هذا اللغط والاستياء قد وقع في دولة ملكية كالأردن أو حتى السعودية أو الكويت أو الإمارات، التي بلا شك يخضع ملوكها وأولياء عهدها لضوابط وشروط تحول دون توريث الآباء أبنائهم، فكيف ونحن نتحدث عن سوريا الجمهورية التي رفعت ابن الرئيس من طبيب عام 88م مروراً بترفيعه إلى رتبة نقيب في إدارة الخدمات الطبية عقب عودته من لندن 94م كطبيب متخصص في طب العيون، إلى رتبة رائد 95م، مقدم ركن 97م نظيراً لتفوقه في دورة أركان الحرب وتقديمه أول بحث علمي أكاديمي في الجيش العربي السوري نال عليه درجة عالية، عقيد ركن 99م ومن ثم فريق ركن قائداً للجيش يوم 11يونيو 2000م .
فمن رئيس للجمعية العلمية السورية للمعلوماتية ومشرف على ندواتها ومعارضها السنوية ومشجع الشباب للإطلاع على علوم الكمبيوتر والتقنيات الحديثة؛ إلى قائد عام للجيش والقوات المسلحة، ورئيساً للجمهورية يوم 11يونيو، إلى انتخابه قائداً لمسيرة الحزب والشعب يوم 18يونيو وأميناً عاماً للجنة المركزية يوم 20يونيو .
إلى انتخابه أميناً قطرياً للحزب يوم 24يونيو، إلى مهزلة مجلس الشعب يوم 27يونيو ومسرحية الإجماع - أيضاً -على مقترح القيادة القطرية وتفصيل المادة الدستورية اللعينة الحائلة دون ترشح الفتى الصغير، بحيث قدر لمجلس الأمة تعديل السن من أربعين سنة إلى 34سنة، كما حدد 10يوليو موعداً للاستفتاء الشعبي، إلى إعلان نتيجة الاستفتاء يوم 11يوليو، وانتخاب الولد خليفة لوالده ولفترة سبع سنوات دستورية، وبنجاح منقطع النظير نسبته 97,29بالمئة من مجموع المشاركين في الاستفتاء .
بشار.. الفتى الذي ولد في دمشق سنة 65م وأبوه قائد عسكري ووزير للدفاع ربما، والتحق بالمدرسة لأول مرة ووالده في كرسي الرئاسة، وأكمل تعليمه الأساسي والثانوي والجامعي فيما أبوه لا يزحزحه مزحزح عن حكم سوريا وشعبها العربي الصابر على القهر والذل والاضطهاد والفساد والهيمنة والبطش والنفي والقتل .
وغيرها من الممارسات الفجة والمهينة لكرامة وحرية المواطن السوري، وتحت يافطة المقاومة والممانعة والرفض والمواجهة وووالخ من المفردات الكبيرة التي مازلنا نسمعها الآن ودونما أدنى احترام لمشاعر الشعب السوري الذي تحصد أرواحه الآلة العسكرية يومياً وتدمر مقدراته وممتلكاته وينفى أطفاله ونساؤه وشيوخه إلى دول الجوار .
لتكن السعودية وقطر وتركيا داعمة لثورة الشعب السوري! ولتكن أميركا وإسرائيل والغرب يخوض معركته مع إيران وبرنامجها النووي من أرض الشام! فهل هذا مبرر لنصرة طاغية ومستبد ليفتك ويقتل ويدمر ويحرق ويهلك؟ لتكن سوريا وشعاراتها ورمزيتها هدفاً ينبغي إسقاطه من الدول الرجعية والامبريالية ؛ فهل ما يقوم به النظام السوري من فظائع بحق شعبه يعد مشروعا ومتحضراً يستوجب الفخر والنصرة؟.
دعكم من الكلام عن المقاومة والممانعة، فمثل هذه الشعارات لم تعد تنطلي على أحد، خاصة بعد الثورات الشعبية التي يحسب لها إماطة اللثام عن واقع زائف ومضلل وضعيف لا يقوى على احتمال صرخات شباب غاضب لم يجد وسيلة غير الانتفاضة الغاضبة, لتكن النتيجة محبطة ومخيبة لآمال الثائرين الحالمين بتغيير الصورة النمطية.
 لكن الثورات لا تحقق بمجرد إسقاط الرئيس وعائلته ومنظومته؛ بل يجب أن تؤسس هذه الثورات لدول ديمقراطية مستقرة، فأياً يكن موضع الرئيس بشار وأنصاره وحلفائه من هذه الثورات؛ فإنه في الأول والأخير آخر من يحق له الحديث عن النظام والجمهورية والشرعية والدستور والمقاومة وغيرها من المفاهيم الثورية القومية التحررية، التي تم اغتصابها بفجاجة وجهارة من أبيه ثلاثين سنة ومن ثم بصعوده بسرعة الصاروخ من طبيب أسنان إلى منصب الرئيس .
 

في الخميس 23 أغسطس-آب 2012 11:50:53 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69118