صرخة لرئيس الجمهورية وحكومة الوفاق لإنقاذ حياته .. عبد القادر يعني أننا مازلنا أحياءً !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

عبد القادر فتى عشريني, كان حلمه قبل مرضه أن يحصل على منحة دراسية تعفي أهله عناء دفع مصاريفه ومستلزماته, لم يتسن له الابتهاج بنجاحه في امتحان الثانوية العامة، كما ولم يبتعث لدراسة الطب أو الهندسة أو يجلس في قاعة الجامعة أسوة بأترابه الدارسين.
 فجأة ودونما إنذار باغته مرض لعين ونادر شيوعه بين اليمنيين أسموه الأطباء بضمور نخاع العظام (أبلاستك أنيميا)، فمنذ اللحظة المشؤومة التي عرف فيها عبد القادر وجعه ودائه ؛ وجل أمنيته مغادرة بلاده إلى الأردن أو مصر أو الهند, لا ليجلس فيها على مقعد الدراسة مثلما كان طموحه وإنما ليرقد على سرير مستشفى كيما يتعافى ويشفى من مرضه المنهك.
عبد القادر مات والده وهو يؤدي واجبه بشرف وصمت وزهد، قلما تعثر عليه في زمن كهذا, مات في ثكنته العسكرية وكما قيل لنا متأثراً بجلطة قلبية أودت بحياته في المكان الذي نذر أجمل سنين عمره طلباً للشهادة في سبيل حياض وطنه وبين زملائه الشرفاء الذين عاش معهم وشاطرهم إلى أن جاءته المنية ذات مساء قارس وشيع جثمانه الى قريته الصغيرة حيث ووري الثرى قبل عقد ونصف تقريباً وفي وقت مازال فيه طفله الصغير عبد القادر ينتظر عودته بشوق ولهفة الأطفال الصغار.
لا أدري ما إذا كنت أكتب اليوم مأساة طفل ثُكل وجه أبيه ومن دعابته ورعايته، أم أكتب عن مأساة شاب يافع فقد وطنه وفي لحظة زمنية هو في أمس الحاجة لرعاية واهتمام حكومته ودولته؟ في حقيقة الأمر مأساة عبد القادر هي مأساة وطن لا يشعرك بثمة صلة وحميمية وتبجيل لآدمية الإنسان.
 إنها مأساة شعب تفتك بأكباده الأمراض ولا يجد الدواء والمستشفى, مأساة وطن كله فلم يكن عبد القادر سوى عنوان فاجعته ومرارته وحزنه الذي ينبغي أن يوقض فينا ما بقي من ضمير ومن حياة وتعاضد وشعور بالواجب والمسئولية حيال مسألة علاجه في الخارج وعلى نفقة الدولة.
فما معنى الأوطان ؟ وما وظيفة الحكومة والرئاسة والدولة إذ لم تكن جميعها من أجل إنقاذ حياة مواطن تقطعت به السبل ؟ وما قيمة الكلام عن الإنتماء والمواطنة والعدالة والواجب والتضحية والكرامة إذا كان شاب مثل عبد القادر لا يجد من يعالجه ويخفف من ألمه ؟.
مائة ألف دولار قيمة عافية عبد القادر, ومع هذا المبلغ الزهيد مقارنة بما ينفقه ويبدده المسئولون على سفرياتهم ورحلاتهم ومقتنياتهم وعلاجهم ؛ سيموت المريض وأهله ألف ميتة, وسيبيعون ويرهنون كل ما بحوزتهم من أرض وماشيه دون تمكنهم من جمع مصاريف السفر والإقامة، ولا نقول قيمة العلاج الباهظ المكلف للغاية, ولأسرة فقيرة معدمة إلا من مرتب تقاعدي زهيد تتقاضاه شهرياً من مكتب البريد.  
الجبل لا يحتاج إلى جبل, لكن الإنسان يحتاج إلى الإنسان, "قولة" صاحبها لافونتين وأظنها خير تجسيد لحالة عبد القادر ومرضه الذي يستدعي منا جميعاً وقفة رجل واحد , فكما قيل – أيضاً- بان اليد تغسل الأخرى, والاثنتان تغسلان الوجه.
 فديننا يحثنا على التعاون على البر والتقوى ورسولنا ومعلمنا وقدوتنا يقول: المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشُدُّ بعضُهُ بعضاً) و(مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثلُ الجسد, إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى)، فكل أعضاء الجسم متضامنة كي يستمر ويحيا وفق تعبير إيزوب.
 وعبد القادر هنا لا يمثل نفسه ومنطقته مثلما قد يعتقد البعض ؛ إنما هو هنا بمثابة ضمير جمعي يتأوه ويتوجع وينتهك, وإذا لم نستشعر بفداحة عنائه، فأننا في هذه الحالة كمن يشيع وطناً وشعباً لا فتى يافعا اغتالته يد الخذلان والنكوص,إننا ننتمي إلى أوطاننا مثلما ننتمي إلى أمهاتنا بحسب قولة لهايل, فإذا كان اجتماع السواعد يبني الوطن, واجتماع القلوب يخفف المحن ؛ فان عبد القادر ليس إلا وطناً مختزلاً لوجهنا , ومحنته ليست إلا قلبنا النابض حياة ومحبة وتفاؤل ؛ ومتى توقف خفقانه فذاك يعني موتنا؟.
عبد القادر يجب أن تتكفل الدولة بعلاجه كي يعود سالماً معافى إلى أُمه وأهله وأصدقائه وقبل هؤلاء جميعاً إلى وطنه, إنني هنا استصرخ الضمائر الحية, أناشد كل مسئول في الدولة, كل إنسان لديه القدرة على مساعدة هذا الشاب, كل الخيرين والفاعلين, كل وسائل الإعلام, كل الناس الطيبين الذين يعنيهم حياة إنسان في مقتبل عمره ؛ فيروا صورة عبد القادر حاضرة في وجوه فلذات أكبادهم, وفي وجه وطنهم المنكوب بسقمه وعجزه, فابتسامة عبد القادر يجب أن تشرق في سماء وطننا وحلمه وأمله في الحياة ينبغي ألا تغيب وتأفل في نفوسنا وناظرينا .
قبل أيام فقط قدر لي رؤيته وجهاً لوجه, كان عائداً لتوه من رحلته المضنية إلى عدن كيما يتزود بصفائح دموية تبقيه حياً ولو لبضعة أيام, أنه الأمل الوحيد الذي يدفعه لغسل دمه أسبوعياً, قلت له : لا تبالي إذا ما هزل بدنك وشحب وجهك, فالشحوب والخمول والاصفرار كلها أعراض منتهاها قريباً وحين تعود لنا من رحلة العلاج, كلا لن نتركك لمصيرك المحتوم, لن ننتظر إلى حين تنتهي أيامك الباقية من الشهرين المحددة لنهاية علاجك بغسيل الدم, أنت وأمثالك الفتيان أحق منا جميعاً في السفر والعلاج والحياة أيضاً.
ستنتصر أيها الفتى على مرضك اللعين, وستعود ابتسامتك وقهقهتك ونظارتك وأحلامك وكريات دمك أكثر من طبيعتها, فلا تبتئس إذا ما خذلك وطنك أو جحدك ناهبوه, ستسافر بإذن الله وستعافى من سقمك اللئيم وستعود لأمك الملتاعة فزعاً وقلة حيلة ووجماً عليك اليوم, ستعود لإخوانك وأصحابك وأهلك وقريتك وجامعتك ووطنك.
 أتدري لماذا أكتب وجعك بتفاؤل وأمل كبير في نجاتك من براثن الموت المتربص ؟ فلأن رحيلك يعني موتاً لنا كلنا ضميراً وأملا ومسئولية وواجبا وإنسانية وحياة وحكومة ودولة ومجتمعاً, كما وأن بقاءك يا عبد القادر لا يعنيك وحدك ؛ وإنما يعنينا جميعاً فعلى أقل تقدير أننا مازلنا أحياء ولم نمت شعباً وحكومة ودولة وصحافة وأخلاقاً وحياة وووالخ.

في الإثنين 10 سبتمبر-أيلول 2012 02:56:04 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69285