القبيلة حضارة وبناء.. كيف؟
محمد علي محسن
محمد علي محسن

بعد حرب 94م كنت قد تناولت ظاهرة تمدد القبيلة في محافظات الجنوب، حينها كتبت موضوعاً في صحيفة الأيام وحمل عنوان (حزبي يبحث عن قبيلة).. ربما كان العنوان تأسياً بكتابات ساخرة للرائع/ عبد الكريم الرازحي بعيد تحقيق الوحدة والتي نشرتها صحيفة الشورى متسلسلة أسبوعياً وتحت عنوان واحد هو( قبيلي يبحث عن حزب) .
 وقتها كان الفارق شاسعاً ما بين قبيلي الشمال الذي بات همه الانخراط في عضوية الأحزاب السياسية عقب التوحد وإعلان التعددية الحزبية وبين حزبي الجنوب الذي وجد ذاته باحثاً عن بطاقة شيخ في مصلحة القبائل، بلا شك المقاربة صعبة للغاية ما بين الحالتين، فالقبيلي الباحث عن عضوية حزب أعده حالة متطورة عن الحزبي الباحث عن بطاقة شيخ قبيلة من لدى مصلحة القبائل .
اليوم أجدني أكتب عن مؤتمر القبيلة المنعقد في العاصمة صنعاء وتحت شعار (القبيلة حضارة وبناء) فلا أعلم كيف لمجتمع مازالت القبيلة فيه مقوضة لكل فكرة حضارية ومدنية ؛ ومن ثم تكون القبيلة برهان تحضر وانتماء للحداثة والنهضة؟.
 ما أعلمه هو أن القبيلة في اليمن تعد سبباً رئيساً وجوهرياً في تخلف وضعف الدولة اليمنية؛ فيكفي التأكيد هنا بالإشارة إلى دراسة بحثية صدرت قبل عامين عن مؤسسة حقوقية؛ إذ أوردت أرقاماً ونسباً كدلالة لخضوع المؤسسات الحكومية لهيمنة النخبة القبلية، فحوالي 65% من وكلاء المحافظات والوكلاء المساعدين البالغ عددهم 139 وكيلاً ووكيلاً مساعداً، هم من أبناء شيوخ القبائل.
كما ويشكل شيوخ القبائل وأبناء شيوخ القبائل حوالي 62% من محافظي المحافظات، و50% من أعضاء مجلس النواب، وحوالي 35% من أعضاء مجلس الشورى، فكل أسرة من الأسر المشيخية الكبيرة، لها عضو في مجلس النواب أو مجلس الشورى، وعضو في المجالس المحلية ومحافظ أو وكيل محافظة أو وكيل محافظة مساعد.
 أما الأسر المشيخية الكبيرة التي ليس لها ممثل في السلطة التشريعية، فتعوض في السلطة التنفيذية، فيعين 2 أو 3 من أفرادها وكلاء محافظات أو وكلاء محافظات مساعدين.. وبشكلٍ عام فإن شيوخ القبائل وأبناء شيوخ القبائل يستحوذون على ما يزيد قليلاً عن نصف المراكز العليا في مؤسسات السلطتين التشريعية والتنفيذية.
فقد خلص تحليل فريق البحث للانتماءات الاجتماعية لشاغلي المواقع العليا في هاتين السلطتين عام 2009، إلى أن شيوخ القبائل والمنتمين لعائلات مشيخية يشكلون حوالي 50.5% من أعضاء مجلس النواب، 35% من أعضاء مجلس الشورى، 62% من محافظي المحافظات، وحوالي 64.75% من وكلاء المحافظات والوكلاء المساعدين.
 نعم ؛ فالقبيلة لم ولن تكون إلا فكرة متخلفة مناهضة مناقضة لفكرة الدولة المدنية الحديثة القائمة على معيار المساواة بين كافة مواطنيها ودونما تمايز أو فروق مثلما هو الحال في القبيلة، كما أن شغل السلطة أو الوظيفة في الدولة يقوم على أساس الكفاءة والقدرة بينما المشيخة لا يستلزمها غير رابط الدم ووصية وارث .
 في كل الأحوال الدولة والحزبية والحضارة والنهضة جميعها مفاهيم قائمة على أساس الانتماء الواسع والأكبر الذي يتجاوز الانتماء للقبيلة والفئة والعصبة الاثنية.. البعض تجده منافحاً عن القبيلة بكونها كياناً مجتمعياً يصعب تجاوزه والقفز عليه, خاصة في ظل واقع كهذا الذي يصير الحديث فيه عن دولة المؤسسات والعدالة والمواطنة المتساوية أشبه بنظرية الكتاب الأخضر وصاحبه المهووس القذافي الذي ظل عقوداً ينفي بكونه رئيساً لجماهيريته العجيبة, كما وظن شعبه زمناً بكونه مالكاً لثروته وقراره .
لكننا مع ذلك نقول بأن القبيلة يجب أن لا تبقى حجراً كأداء في طريق بناء الدولة اليمنية، فأياً كانت المبررات والحجج التي يتم تسويقها مع كل فعل تقوم به القبيلة؛ كأن تسمع أحدهم قائلا: القبيلة موجودة في الأردن وليبيا ومصر وتونس والخليج؛ فعلام هذا القلق والفزع من مؤتمر قبلي شعاره الحضارة والبناء؟ ومتى كانت القبيلة رافضة للتحضر والتمدن؟.
 الحقيقة أن مثل هذا الكلام فيه الكثير من التضليل والخداع والمكر، فالقبيلة في الأردن أو العراق أو الخليج مازالت بالفعل كياناً قائماً؛ لكنها ليست فوق الدولة والنظام والأحزاب والدستور والسيادة والحكومة, أما القبيلة في اليمن فمازالت حائلة دون قيام دولة ونظام وأحزاب وسيادة ووحدة وطنية وغيرها من مفردات الحضارة الإنسانية المعاصرة .
أتأمل اليوم جنوباً فلا أرى غير أطلال دولة ونظام كان قائماً هناك قبل أن تجتاحه قبائل الحروب والغنائم.. أنظر في حال التعددية الحزبية؛ فلا أجد شيئاً إلا وناله عبث وخراب ما قبل التحزب والتحضر.. أسأل الآن:أين قبيلي الرازحي الباحث عن حزب سياسي بعيد تحقيق الوحدة؟ أين ذهب رفيقي الباحث له- بعد كارثة حرب 94م -عن بطاقة مشيخ في صنعاء؟.
 لا إجابة سوى أن الاثنين انتقلا من حالة البحث عن الحزب والقبيلة إلى حالة البحث عن الدولة، وشتان ما بين الانتماء للدولة والحزب وبين الانتماء للقبيلة والمنطقة! بين سلطة دولة فوق العشيرة والقبيلة والطائفة والسلالة وبين قبيلة وسلالة وطائفة سلطانها وهيلمانها فوق الدولة والنظام والحزب والشعب وووو!!. 
              
في الخميس 11 أكتوبر-تشرين الأول 2012 02:43:56 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69594