عن عودة المعاهد العلمية
محمد مصطفى العمراني
محمد مصطفى العمراني

مثلت المعاهد العلمية التي ألغيت قبل سنوات تجربة تعليمية تستحق الدراسة الموضوعية، خاصة وأن الظروف التي تعيشها بلادنا الآن تشبه إلى حد كبير الظروف السياسية والفكرية التي شهدتها بلادنا إبان تأسيس المعاهد العلمية التي أغلقت بقرار سياسي أستهدف قصقصة أجنحة التجمع اليمني للإصلاح الذي كان يدير المعاهد العلمية.. ومن جهة أخرى مثلت تلك الخطوة استجابة للضغوط الغربية التي مورست على البلدان الإسلامية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر واستهدفت التعليم الإسلامي تحت لافتة مكافحة التطرف ومحاربة الإرهاب.
ما زلت أذكر أن الشيخ/ عبد الله بن حسين الأحمر ـ رحمه الله ـ تغيب عن حضور جلسة البرلمان التي خصصت للتصويت على قرار البرلمان بإغلاق المعاهد العلمية ودمجها مع مدارس التربية والتعليم، تغيب الشيخ الأحمر احتجاجاً على تلك الخطوة التي استهدفت المعاهد العلمية التي وصفها الأحمر حينها بـ (المؤسسة التعليمية الشامخة وبإحدى منجزات الثورة والجمهورية).
شنت صحيفة "الصحوة" ـ يوم كانت المنبر الإعلامي شبه الوحيد للإصلاح ـ حملة إعلامية ضد ذلك القرار السياسي، فكتبت " الثورة" تعليقاً على تلك الحملة بأن الإصلاح يتباكى على إدارة المعاهد، لأن المنهج هو نفسه ما كتبته "الثورة " يومها كان مغالطة ليس إلا، فالمنهج الذي كان يدرس بالمعاهد يختلف عن معاهد المدارس العمومية، كما أن المنهج التعليمي بشكل عام تعرض بعد ذلك لعملية تغيير واسعة وبضغوط وإشراف غربي.
الحقيقة أن الإصلاح استفاد من المعاهد العلمية، فتلك المعاهد كانت بمثابة المحاضن التربوية الذي خرجت عشرات الآلاف من الشباب الذين يحملون فكر الإصلاح الإسلامي إن لم نقل منضوين في عضويته، كما أن المعاهد العلمية وسعت من قاعدة الإصلاح في عموم اليمن وأعطته زخماً وحضوراً كبيراً على الساحة، فحيثما وجدت معاهد علمية وجد للإصلاح حضوراً وأنصاراً والعكس.
يقول البعض إن المعاهد وجدت لتواجه الفكر الماركسي المتنامي حينها، لكن الشيخ عبد المجيد الزنداني حدثني ذات مرة أن الرئيس الراحل الشهيد/ إبراهيم الحمدي ـ رحمه الله ـ لكي يقلص من نفوذ وسلطات مشايخ القبائل قرب بعض العلماء منه وأثمر قرب العلماء منه أن وافق على إنشاء مكتب الإرشاد الذي أداره الشيخ الزنداني ووافق كذلك على إنشاء المعاهد العلمية التي تبناها الشيخ الزنداني كفكرة وأشرف على تأسيسها، ثم سلم إدارتها للقاضي الفسيل وساعده في إدارتها أو إدارة بعضها الشيخ عمر أحمد سيف رحمهما الله وهما لم يكونا في الإصلاح الحزب.
 أرتكب الإصلاح خلال إدارته للمعاهد بعض الأخطاء ولكن هذه الأخطاء من وجهة نظري لا تبرر على الإطلاق إغلاق المعاهد العلمية، كما أن المؤتمر الحزب اتبع بعد إغلاق المعاهد العلمية وتفرده بالسلطة سياسة إقصاء ظالمة، فعزل المدراء المنتمين للإصلاح وأعاد توزيع المعليمن المنتمين للإصلاح بما يشتت شملهم ويفرق جمعهم ودفع التعليم الثمن..
شخصياً لم أدرس في المعاهد العلمية رغم أنني لحقت آخر سنواتها ولكنني حضرت دورات ومخيمات في أيام العطلات الصيفية في معهد أبو عبيدة بن الجراح بالحزم بإب والذي كان يديره الأستاذ/ رشاد شعلان ـ رحمه الله ـ وللأمانة التاريخية كانت المعاهد العلمية مؤسسة تربوية وتعليمية إسلامية استفاد منها كل من درس فيها، حتى أن بعض الشخصيات من غير حزب الإصلاح من المؤتمر وبعضها من الاشتراكي المعروف يومها كخصم فكري للإصلاح وللمعاهد اعترفوا لي في لقاءات ومناسبات بأن التعليم في المعاهد العلمية كان أفضل بكثير من المدارس التابعة للتربية وقال لي أحدهم : ابني الذي درس بالمعاهد مستفيد جداً مقارنة ببقية أولادي الذين درسوا في المدارس العادية.. قلت له : هل ابنك هذا عضو في حزب الإصلاح؟ فقال : لا ولكنهم كانوا يستقطبون الكثير من الطلاب في الإصلاح.. فقلت : الاستقطاب لن يتوقف بإغلاق المعاهد بوسعهم تحويل البائعين في الأسواق لإصلاحيين لو أرادوا.
هناك شعور عام بأن التعليم تدهور كثيراً بعد إغلاق المعاهد وهناك حنين من كثير من الناس للمعاهد العلمية وزمنها، بل إن بعضهم ترحم على التعليم بعد إغلاق المعاهد العلمية.
باختصار.. المعاهد العلمية تجربة تعليمية رائدة وإن لم تخل من أخطاء وقد توقفت بقرار سياسي وستعود بقرار سياسي، خاصة وأن اليمن يشهد ظروفاً مشابهة لظروف نشأة المعاهد.

 
 
في الخميس 18 أكتوبر-تشرين الأول 2012 02:25:05 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=69673