بلا سكن أو مأوى نساء على قارعة الطريق
فكرية شحرة
فكرية شحرة

(من الذي يضمن حق العمر الذي ذهب بلا أوراق ثبوتية) المرأة.. ذلك المخلوق الضعيف الذي يبهر العالم بقوته، كانت ولاتزال محط جدال لا ينتهي عبر العصور الممتدة عن حق لها وحق ليس لها. وكلما أدركت إنصافاً من رب الناس انتزع منها هذا الشعور مجموعة قوانين بشرية وعادات قبلية وعرف متخلف وظالم، يجحف في حق الشطر الأرق لمجتمع ذكوري تسيطر عليه فكرة الذكورة المتسلطة.
إنه لمن المؤلم أن نجد نساء في منتصف العمر أو أواخره يجبن الشوارع باحثات عن شيء يشبعن سلطان الجوع بعد أن شبع منهن سلطان الزمان وقذفهن بعيداً عن مملكة المرأة الأثير بعد أن كن الفتاة الوادعة في منزل الأب الحنون أو الزوجة المكرمة في منزل الزوج الأليف، أصبحن نزيلات الشوارع والطرقات وأسيرات لإحسان المارين أو غضبهم.
نجدهن كثيراً ما يزاحمن أرباب الشوارع من المتسولين في مد أيديهن لكل عابر أو ربما اعتنقن مذهب الدجل والشعوذة أو ربما سلكن درب السرقة والاحتيال، وكما يقال فتش عن المرأة يقال أيضاً فتش عن الرجل وراء كل قصة امرأة سلكت الدرب الصعب.
إنها قصص لنساء لم يجدن المعيل أو أسباب الرزق لأنهن لم يتمكن من الالتحاق بأي نوع من التعليم ولا يحسن سوى التعايش مع الحياة بكل تضاريسها القاسية البشعة، حكايات تدل على القصور المخيف من دولة لا تلتفت لعجائزها وفقرائها بأي من الضمانات فلا دور للعجزة تضم الضعفاء الذين ترميهم أكف المقربين أو إعانات تكفيهم ذل السؤال.
وهي حكايات تدل على القصور العجيب في كل القوانين الوضعية والتي لا تلزم الرجل بسكن بقدر ما تتكل لمرؤته (لقبيلته) وكرمه، فالقانون اليمني ـ مثلاً ـ كما أفادنا الأستاذ المحامي/أمين الربيعي ـ: (يأخذ بنظرية الذمة المنفصلة بمعنى أن كلاً من الزوجين ذمته منفصلة عن الآخر وتعتبر الزوجة تتصرف بأموالها كما شاءت والزوج كذلك وإذا انتهت العلاقة بين الزوجين بالطلاق فيأخذ كل شخص حقوقه فنلاحظ أنه إذا كان للزوجة ذهب أو فلوس دين لدى الزوج يجبر على تسليمها، إذا وجد إثباتاً يدل على أنه أخذها وإلا فلا يلزم بشيء أما مقابل عملها معه فليس لها لأنه ملتزم بالإنفاق عليها وهي ملزمة بمساعدته.
وكذلك إذا كان على الزوج ديون أو أموال اقترضها فلا يلزم تسليمها من أموال زوجته، أما اذا ساهمت في بناء منزل أو أي من أموال الزوج من مالها كراتب كانت تتقاضاه أو ميراث لها أدخلته مع زوجها فتأخذ بقدر ما أدخلت من أموالها.
أما في حالة أنها شاركته الحياة وبناء بيت أو قام بالتجارة وحقق الأرباح الكثيرة فليس لها شيء كون أموال الزوجة شريعة وقانوناً منفصلة عن أموال الزوج وعليها أخذ أموالها أولاً بأول أو أخذ مستندات بيدها بأموالها أو ما تستحقه) فالقانون اليمني لا يلزم الرجل بسكن أو نفقة لزوجة عاشت معه ثلاثين عاماً تسانده مادياً ومعنوياً وهي التي لا تملك من الدنيا سوى بيت الزوجية وعطف الزوج أو شفقة الأبناء إن وجدوا فإذا انقلب شريك العمر أو جحد الأبناء حق الأم المسنة وخلفوها هاربين من الالتزام ببر أو طاعة.. ولم يكن هناك أوراق تثبت حقوقها لدى الزوج فليس لها سوى قارعة الطريق تأويها.
فمن لعجائز يتسولون العطف والبر قبل أن يتسولوا لقمة تبقيهم في مزيد من الألم والمعاناة.
السيدة/لطفية فارع، تخبر عن قصتها المؤلمة وقد اعتادت أن تجلس بقرب أحد المخابز مدثرة بخمارها الساتر الذي يخفيها عن أعين الفضوليين فتقول:(بعد ثلاثين سنة زواج أعطيته كل ما أملك من ذهب وما حصلت عليه من بعد أبي تزوج برضاي كي ينجب فقد شاء الله أن يحرمني هذه النعمة وبدلاً من أن يتركني أكمل بقية عمري مستورة طردني للشارع بلا مكان آوي إليه إلا أناس تحسنوا علي بديمة وأنا بلا أهل.. آخر إخوتي مات العام الماضي وأقارب من بعيد لا يريدونني وما عاد معي إلا الله والشارع وأهل الخير).
أما السيدة آمنة ـ التي يصل عمرها إلى الستينات والذي توفي زوجها وتركها وحيدة مع وجود خمس بنات تزوجن جميعاً وتركن منزل الأب وولداً وحيداً لا تعرف عنه شيئاً. تقول الحاجة آمنة: إبني خرج من البيت ومن المدرسة ولا أدري أين ذهب، ناس يقولوا في صنعاء وناس يقولون دخل السعودية تهريب وأنا أنتظره بعد ما طردني المؤجر ولا أدري أين أذهب.
أما السيدة ن:م. فهي امرأة أربعينية قد اختارت الأسواق مقراً لها فبجوار التسول يمكنها نشل أشياء ثمينة من حقائب النساء كالتلفونات أو الذهب وهي تبرر ذلك فتقول: زوجي أصيب بحالة نفسية جعلته يطلقني ويطردني أنا وأولادي من بيت أهله والذين تركونا بلا مساعدة وتقول لجأت لمشايخ واشتكيت إلى المحكمة فألزموا أهل طليقي بنفقة مبلغ قدره 5000 ريال.
وتقول هذا المبلغ ماذا يفعل لي ليس سوى حق إسعاف أحد الأولاد إذا مرض لعيادة من العيادات هذا ما تعتقد الدولة والناس أني استحقه أنا وأولادي...).
أما الحاجة صفية فقصتها تبوح بمدى امتهان المجتمع الريفي للمرأة فقد نزحت من ريف بلدتها فراراً من ظلم وجور أخيها تقول: (زوجني أخي شغار وتزوج أبنة الرجل الذي تزوجته إلا أنها كانت طفلة صغيرة فلم تعش معه وأنا أنجبت ولداً قبل أن يطلقني من زوجي كما طلق هو وحرموني ابني وزوجي والآن وبعد هذا العمر وبعد أن تزوج وربيت له أولاده إلا أنه ما زال أخي يمد يده علي لو عملت شيئاً أو ذكرت أبني ويطردني من بيته وأبيت عند الناس فقلت أروح لي من عنده لأني كبرت وتعبت من قسوته).
وكالمستجير بالرمضاء من النار استجارت الحاجة صفية وغيرها من ظلم الأقربين بظلم الأباعد من الناس وغيرها عشرات القصص الحية في الشوارع والأزقة تحكي إهمال دولة لا تفكر بعجائزها ومشرديها ومجتمع ينقصه التآلف والتراحم وبشر ذهبت الرحمة من قلوبهم وضاقت بهم وبأخلاقهم دنياهم.
 
في الجمعة 08 مارس - آذار 2013 02:42:24 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=71065