ثورة على الثورة أم على صناديق الانتخاب ؟!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

عزل رئيس منتخب ديمقراطياً وعلى منوال ما حدث للرئيس مبارك الذي تم عزله أيضاً بثورة شعبية عارمة قبل عامين وانتهت ببيان تنحي وتسليم السلطة للجيش؛ بكل تأكيد هذا العزل الدراماتيكي والسريع للرئيس محمد مرسي كان قد أحدث جدلاً واسعاً على مستوى النخب والشارع وفي وسائل الإعلام المختلفة.
فهذه الثورة الشعبية المطالبة برحيل الرئيس، وبعيد سنة كاملة فقط من انتخابه ديمقراطياً كانت قد وضعت هذه المسماة " الديمقراطية " تحت مجهر من النقاشات والتحاليل والتعاريف والنقد والتقييم والتصويب والبحث في صميم المفهوم الفلسفي والنظري والتطبيقي للديمقراطية ذاتها باعتبارها المفردة الأكثر تأثيراً واستهلاكاً في العصر الراهن .
نعم يحسب لثورة مصر الأخيرة أنها لم تكن فقط ثورة هدفها الإطاحة برئيس منتخب يستمد مشروعيته من انتخابات حرة ونزيهة وشفافة ؛ بل يحسب لهذه الثورة أنها هدت ونسفت فكرة الانتخابات وصناديقها التي ينبغي أن تكون الوسيلة الوحيدة لحكم الشعب ولتفويض سلطته وإرادته الحرة في تتويج الحكام أو خلعهم وعزلهم .
 فلزمن طويل ظلت الديمقراطية مبتسرة بالانتخابات الحرة والنزيهة بكونها الأداة المثلى التي توصلت لها الحضارة الإنسانية ، الآن فقط تتكشف حقيقة هذه الأداة التي أثبتت ثورة مصر أنها ليست كافية للحكم بمشروعية هذا الحكم أو ذاك، ففي النهاية يبقي الهدف والغاية هو الأساس والأصل في أية ممارسة للديمقراطية ولوسائلها المتعددة الأوجه والتي من بينها وسيلة الانتخابات الحرة والشفافة كشرطية وضابط منظم للعملية الديمقراطية .
احد المفكرين الليبراليين رأى في ثورة الشارع المصري تجربة جديدة سيكون من مترتباتها إعادة النظر في الممارسة الديمقراطية لسلطة الشعب ومن خلال صناديق اقتراع برهنت التجربة التاريخية أنها لم تكن سوى أداة غير عادلة أو معبرة في الغالب عن إرادة المجتمعات وعن خياراتها وتطلعاتها وقضاياها ، ففي كثير من الأوقات كانت حصيلة هذا التغيير المنشود كل اربع أو خمس سنوات كاملة صناعة رؤساء وحكومات لا تختلف كثيرا عن تلك الأتية عبر الانقلابات العسكرية .
ادولف هتلر لم يأت على ظهر دبابة كي يحكم ألمانيا عسكرياً، فلا أحد بمقدوره نفي حقيقة كونه منتخبا ديمقراطيا ، ومع ذلك لم يستطع أحد وقف جنونه الذي كلف بلده ودول العالم قرابة خمسين مليون إنسان كما وكلف وطنه وأوطان عدة عقود من الزمن ومليارات من المال كيما تعمر وتصلح ما خربته الالة العسكرية ، فهل ما فعله هتلر هنا تم بتفويض من شعبه ؟ وهل كان لزاما على المواطن الألماني الانتظار سنوات ريثما يزاول سلطانه ومن خلال صناديق اقتراع وفي موعدها المحدد ؟ .
في أمريكا وإسرائيل وبريطانيا وفرنسا وسواها من الدول الديمقراطية يطرح اليوم السؤال التالي : هل سلطة الشعب متجسدة بانتخابات حرة كل اربع أو خمس سنوات أم أن سلطة الشعب يجب أن تمارس وفي كل الأوقات ؟ هل الديمقراطية الحقة تكمن باليتها وأداتها المحققة نسبيا غالبية في البرلمان أو في رئاسة منتخبة أم أن الديمقراطية في جوهرها تعني الغاية المرجوة التي ينبغي أن تتحقق للشعب ؟
هل سلطة الشعب يمكن ممارستها فقط في صناديق اقتراع جامدة وفي أوقات محددة ووفق تقاليد وأعراف ونظم كلاسيكية عقيمة أثبتت الممارسة السياسية للأنظمة بفقدان المشروعية الشعبية في كثير من القرارات السياسية الخاطئة ؟ وهل الرؤساء والحكومات والبرلمانات المنتخبة بشفافية وديمقراطية بالفعل تتجسد فيها إرادة الشعوب أم أن هذه الشعوب ليست سوى أصواتا انتخابية يسعى للفوز بها الانتهازيين والوصوليين والفاسدين والعسكريين عند كل استحقاق انتخابي ؟ .
الواقع أننا إزاء تبدل سيلقي بظله آجلا أم عاجلا على ممارستنا للديمقراطية ، فسوى كنا مع ثورة المصريين المطيحة بالرئيس مرسي ، أو كنا من انصار المنافحين عن شرعية الرئيس الأتية من قرابة 13مليون مواطن مصري قالوا بنعم وفي صناديق انتخابات الرئاسة المنصرمة ؛ سيبقي ما حدث في مصر مؤخرا محل نقاش مستفيض لا يتوقف على المدى القريب .
 كما ولن تقتصر هذه الثورة على عزل الرئيس مرسي أن لم نقل محتكرة بميدان التحرير ؛ بل يمكن القول أنه تبعات هذه الشرعية الشعبية سيكون لها انعكاسها وتبعاتها على الديمقراطية عامة وعلى سلطة الشارع ذاته الذي يمكنه خلق معادلة جديدة تتميز بالديناميكية والفعالية والسرعة ، وهذه جميعها مفقودة في سلطة مكتسبة من صناديق انتخابات طالما ظلت سلطة المواطن حاضرة في المواسم الانتخابية فيما عداها فتكاد غائبة وغير قادرة على تجريد من أعطته مشروعية ما .
فالشرعية في مفهومها الحداثي لا تأتي فقط من تفويض شعبي عبر صناديق الانتخاب أو أغلبية وعقد اجتماعي بين الحاكم والمحكومين ؛ إنما اقترنت هذه الشرعية بمسائل أخرى إضافية فوفقا وحديث للمفكر والكاتب محمد حسنين هيكل خص به قناة " سي بي سي" السنة قبل ثلاثة اشهر تقريبا ؛ فإن هذه الشرعية لم تعد مقتصرة بغالبية انتخابية أو بعقد اجتماعي بين الرئيس ومرؤوسيه .
فالشرعية تمتد هنا إلى مسألة تحقيق العدالة وبما يضمن حماية الطبقات ، وكذا اتساق المفوض بالإدارة والحكم مع العصر ومواكبة قيمه ودونما قيود ماضوية من شأنها عزله وتكبيله بحجة التزامه ومواكبته للعصر القديم ، ناهيك عن حق الأجيال اللاحقة والتي لا ينبغي التصرف بها من أي حاكم أو جيل بعينه ، فمتى تم التصرف بهذه المقدرات والموارد سيكون الحاكم بدوره قد نكث بعقده مع هذه الأجيال .
الحديث في مسألة الشرعية يطول ويتوسع ، فلربما أخذنا إلى سياقات ونقاشات لا تنتهي ، ومع هذا فأن ما جرى في مصر من ثورة على ثورة بكل تأكيد سيكون له أثره على مفهوم الديمقراطية وأدواتها وغايتها ، فيكفي القول إننا إزاء وسيلة ديمقراطية قوامها الجماهير الشعبية الثائرة في الساحات بدلا من تكون مجرد صوت في الصناديق .
نعم ثورة الشارع تمثل حالة مبتكرة وطارئة على قالب التغيير الآتي بواسطة الانتخاب ، فمن الآن وصاعد لن تكون الانتخابات الأداة الوحيدة لتغيير الحكام؛ إذ سيكون الشارع أداة إضافية وقوية ومؤثرة وإن لم يكن اليوم ففي الزمن القابل.

في السبت 13 يوليو-تموز 2013 06:05:45 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72418