شريعة الله وشرائع الكهنة والطغاة !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

الإمام يحيى بن حميد الدين دعا قبائل اليمن إلى الجهاد بُعيد وفاة أبيه سنة 1904م كوكيل لله لإحياء شريعته الإسلامية باعتبارها منطلقاً لثورته ودعوته ضد الأتراك وطغيانهم السني المضطهد للأقلية الزيدية ؛ لا كقائد وطني وثائر مناهض للوجود الأجنبي العثماني في اليمن.
الإمام محمد بن علي الإدريسي استعاد نفوذ والده على إقليم عسير باسم الشريعة ؛ بل وقاتل وبشراسة من يفترض انهم أخوته في الشريعة والإسلام الحكم الإمامي في شمال اليمن وبقايا وجود للخلافة في إسطنبول.
الشهيد القاضي محمد الزبيري قضى نحبه ثمنا لفكرة الجمهورية الإسلامية المحكومة بشرع الله، قُتل غيلة سنة 65م وبعيد إعلانه لحزب الله في مؤتمر عمران, قاتله لم يكن شيوعياً جاحداً بدين السماء أو انه قومي مؤمن بمبادئ عبد الناصر أو ميشيل عفلق وصلاح البيطار؛ بل كان قربانا لفكرة التمكين لشريعة الله المهددة من المصريين وأشياعهم من القوموجيين والناصريين والبعثيين والدستوريين والشيوعيين، قُتل أبو الأحرار برصاصة قبيلي جاهل جشع نصرة للشريعة الإسلامية وحكامها الميامين البررة من آل حميد الدين الحاملين لراية الإسلام وشريعته المنتهكة بفظاظة وجحود من ثوار جمهورية سبتمبر.
بابا أو ربان اجتاحت جيوشه الشرق نصرة وتمكينا أيضا لشريعة الرب ولصليب اليسوع المنتزع من قلوب وطقوس وبقاع شرقية كثيرة يجب إخضاعها بقوة البطش والجبروت الذي تمًتع به أوروبا وشعوبها، نعم تم اجتياح بلاد الشرق تحقيقا لمشيئة الاله؛ لا امتثالاً لرغبة بشرية جامحة ومتعصبة، فلقد كانت صرخة بابا أو ربان الشهيرة " هكذا أراد الله " بمثابة الوحي المقدس الذي لا يزوغ عنه سوى الكفرة والمنافقين والجاحدين.
جمهورية الضباط الأحرار آل مصيرها في كنف الهيمنة العصبية القبلية السلالية الدينية التي مثل الخلاص منها غاية محورية وأساسية لثورة 26سبتمبر 62م، وحدة اليمن لم تسلم هي الأخرى من هذا المآل المأساوي إذ كان مصيرها حزيناً ومهيناً..
 فالقوى القبلية والدينية المقوضة لحلم الأجيال اليمنية المتعاقبة بالثورتين والجمهوريتين هي ذاتها الوائدة للجمهورية الواحدة قبل عشرين سنة، كما وهي نفسها الواقفة الآن بوجه ثورة الشباب وبوجه الحوار الوطني وبوجه عملية الانتقال السياسي وبوجه الدولة الديمقراطية الحديثة المرتكزة على قاعدة المواطنة المتساوية والعدالة المجتمعية.
لقرون ومجتمعنا تمزقه الحروب العبثية، لقرون ومجتمعاتنا العربية والإسلامية في حروب مقدسة لا تنتهي، فمنذ وفاة الرسول والمعركة دائرة بين فسطاطي الكفر والإيمان، فأحيانا أخذت المعركة شكل الهلال والصليب وغالبا حملت راية الشرعية والشريعة، طائفة رفعت المصحف المقدس حيلة ومكرا يقابلها فرقة لبست ثوب الحق الإلهي، في كلا الحالتين الجميع في صراع سياسي لا صلة البته له بالدين، فكثيراً ما كان الصراع من اجل الاستئثار بالسلطان ونادراً جداً ما كان لمصلحة الدين وشريعته.
أغتصب بنو أمية واستباحوا دولة المسلمين لقرن وثلث باسم الشريعة والشرعية، العباسيون حكموا واستبدوا قرونا تحت يافطة الشريعة والشرعية، وكذلك فعل المماليك والأيوبيون والعثمانيون والبرامكة وسواهم من القوم الذين تعاقبوا على دولة الخلافة عسفا وبطشا، أو كان لهم شرف تمزيقها وتفكيكها إلى دويلات وإقطاعيات متناحرة كل واحدة منها تعد نفسها محاربة في سبيل الحق المطلق.
جنوب السودان انسلخ عن شماله بداعي غيرة وحمية جنرالات الانقلاب العسكري على شريعة الإسلام، قُتل ملايين البشر في أفغانستان وباكستان والجزائر والشيشان وكشمير واليمن ومصر وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق باسم هذه الشريعة, ضاعت أوطان وغرقت شعوبها في أتون فوضى وخراب وعنف وإرهاب لا يتورع عن رفع شارة الجهاد الدموي نصرة وتمكينا لهذه الشريعة المنتهكة في كل أصقاع الإسلام.
الخلاصة أننا وطوال قرون لم نفق من خدر الفهم المشوه والقاصر المختزل لشريعة السماء بقراءة فرد أو جماعة، ففي كل الأحوال هذه الشريعة يصعب فصلها وتجريدها عن سياقها البشري وكذا مكانها وزمانها، أعطوني أناس منزهون من مداهنة الحكام الظلمة، زاهدون عن المال والسلطة، مخلصون، ربانيون في قولهم وفعلهم ؛ وقتها أصدقكم إنني سأكون أول من يصدق بان حركة طلبان وتنظيم القاعدة وجماعة الجهاد وسواها تنافح في سبيل عدالة السماء الغائبة.
فحيثما توجد المصلحة هنالك شرع الله، لكن كهنة السلطان جعلوا من هذه الشريعة شرائع للقهر والخسران والباطل والبغي والعدوان، ومن شريعة الله وسيلة إبليسية تقربهم زلفى من الحكام كما وتمنحهم سطوة ومنفعة وقداسة وسلطة دينية كهنوتية لاهوتية لا تقنين لها أو أصل في أية شريعة ودين سماوي أو وثني، فما من عدالة سماوية مزهقة مهرقة لأدمية الخلق!, وما من شرعية ممنوحة من الله ورسوله ولحاكم ظالم مستبد ! وما من شريعة عادلة خالصة لوجه الله؛ إلا وصارت مطية وشماعة للمتنطعين والمنتفعين والمرائين والدجالين وووالخ!.

في الأربعاء 21 أغسطس-آب 2013 04:42:24 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72768