شراهة للمال وجنون للسلطة!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

رحل نجاد وقبله بالطبع رافسنجاني وخاتمي, وفي الأمس القريب أُنتخب الرئيس حسين روحاني ومن خلال انتخابات شفافة ونزيهة، لم يخط بنيامين نتانياهو حين وصف مؤخراً بلده إسرائيل بواحة ديمقراطية في محيط مستبد، ومعه كل الحق؛ إذ أنني لا أستطيع حصر أسماء رؤساء الحكومات الذين تناوبوا على منصب الرجل الأول في إسرائيل وفي ظرفية لا تتعدى العقد والعقدين.
في أوطاننا البائسة الوجوه هي الوجوه والقيادات هي القيادات، فمنذ نصف قرن من الزمن والأسماء هي ذاتها الأسماء التي تصدرت المشهد السياسي إبان حكم الاستعمار وأتباعهم من الطغاة الظلمة، وهم أيضاً في عهد الثورات والجمهوريات والديمقراطيات الشفافة والنزيهة، فحتى وبعد هذه الثورات العارمة والمكلفة جداً على مجتمعاتنا وأوطاننا؛ مازالت الوجوه هي الوجوه والأنظمة هي الأنظمة والثورات هي الثورات والحرس القديم المناهض بصلف لفكرة التغيير والتحديث هو ذاته الحرس الجديد الحامل على كاهله حماية العهد الثوري.
 أسأل وبحسرة ومرارة: لماذا الحاكم العربي لا يغادر سلطانه حتى بعيد ثورة أو انقلاب أو سجن؟, أين الخلل بالضبط؟, أهو بشخص من يتولى الحكم والذي وبمجرد جلوسه على كرسي الرئاسة إلا وجل همه وتفكيره وفعله منصباً في صيرورة سلطانه؟, أهو بمجتمعاتنا وطبيعة تكوينها ونشأتها وموروثها وجهلها وثقافتها الفظة العصية المقاومة لفكرة التحضر والتمدن وإيغالها في العصبية البدوية وفق تحليل ابن اروميتهم وقوميتهم واضع علم الاجتماع المفكر الفذ ابن خلدون؟.
نعم الرئيس مبارك حراً طليقاً بناء وحكم محكمة جنايات القاهرة, ونعم احمد عز وحبيب العادلي وزير الداخلية وصفوت الشريف, جميعهم أبرياء أحرار، فلماذا الكثير منا يعد إطلاق سراح مبارك جريمة لا تغتفر للقضاء المصري وللثورة المصرية؟, أليس الرئيس صالح أسوأ مليون مرة من الرئيس مبارك؟.. لكننا مع ذلك لا نعد بقاء صالح خارج السجن وقضبان المحكمة إهانة لثورة اليمنيين أو انتقاصاً وإساءة بالغة للعدالة المفقودة في هذه البلاد!!.
أعجب كثيراً حين تفيض حماستنا إزاء فساد احمد عز وجمال وعلاء مبارك وتجاه جرائم حبيب العادلي وتضليل صفوت الشريف وسواهم من أتباع نظام مبارك، فكأن هذه البلاد لم تكن فيها ثورة وقرابين وفساد وأتباع وقتل ودم وخراب, ما يجعلنا على الأقل نشفق على مبارك ونجليه, فثلاثتهم حوكموا بتهم لا ترتقي لمصاف جريمة فساد واحدة ارتكبها واحد من أقارب الرئيس صالح أو أعوانه..
فماذا تعني إعادة مبارك لثمانية عشر مليوناً من الجنيهات المستلمة من الأهرام كهدايا؟.. إنه مبلغ تافه وزهيد مقارنة بما نهبه صالح وأعوانه الذين باتوا من ذوي الملايين والمليارات والاستثمارات والشركات, ومع ما نهبوه واستولوا عليه نهباً وسرقة واختلاساً وفساداً جميعهم طلقاء أحرار؛ بل وأكثر من ذلك؛ إذ مازالوا في موضع الحاكم الناهي الواعظ المقوض الناهب الجلاد.
في المجتمعات الحرة الحكام يأتون ويمضون، حكامنا حالة نكرة عصية الفهم والإدراك، فلا احد من حكامنا سيكترث لسمعة وذكرى طيبة، لا أعلم ما إذا كان للمسألة صلة بالجينات والكروموسومات الوراثية؟, هل لهذه الشراهة والولع بالتسلط والمال ورغبة البقاء في الحكم لحين دنو المنية علاقة بالفاقة الشديدة المكتسبة من بيئة مسكونة بالحرمان والجفاف العاطفي والجزع والاضطهاد البشري, أم أنها نتاج عوامل بيولوجية وسيكولوجية يستلزمها البحث والدراسة العلمية؟.
لا أذكر كم هم الرؤساء الذين تناوبوا على البيت الأبيض وقصر الإليزيه ووووو, وكم هي الوجوه التي تواترت على رئاسة الحكومات والبرلمانات في إسرائيل والهند واليابان وتركيا.. قائمة طويلة من الأسماء والوجوه التي قدر لنا رؤيتها خلال عقدين من الزمن، المؤكد أن الواحد منا يستوجبه ذاكرة فتية كيما يستطيع حصر أسماء الرؤساء الذين حكموا دولاً تتربع صدارة العالم قوة واقتصاداً وسطوة ونفوذاً ومن ثم تواروا بعيداً عن أضواء السلطة والشهرة ولدرجة النسيان.
وحدهم الحكام العرب يتمايزون بكونهم لا يغادرون السلطة إلا بمغادرة المنية للجسد، فهذا مبارك ذو الـ85سنة ستظل روحه عالقة بإمكانية العودة للحكم، وذاك صالح لم يتورع لحظة عن استخدام حيله وألاعيبه ونفوذه كي يسترد ما يعتقد أنه حقه وسلب منه غصباً وخيانة، وذاك بشار الدم الذي لن يتوقف عن إبادة شعبه ودمار وطنه ما بقي فيه نفس ذائد عن سلطان ورثه عن أبيه.. وقبل ثلاثتهم معمر المعتوه الذي لو أنه تملك القنبلة النووية لاستخدمها ضد شعبه ولكانت الكارثة أفظع وأبشع على الشعب الليبي وعلى وطنه وثورته العظيمة المزهق في سبيلها قرابة خمسين ألفاً من خيرة شبابها ورجالها ونسائها, ويزيد عن مائة ألف ممن أهرق دمهم ومزق بدنهم ثمناً للحرية.. وهكذا دواليك بالنسبة لزين العابدين ومحمد واحمد وعبدالله وعمر وسعيد، اختلفت الأسماء والألقاب والأصل واحد.

في الإثنين 26 أغسطس-آب 2013 05:29:14 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=72820