السلطة غنيمة عظيمة !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

كان الرئيس الأسبق يقول : السلطة غرم وليست مغنماً" اليوم لا يستطيع قبول فكرة التمديد لخلفه الرئيس هادي ولو لأسبوع واحد؛ فكيف بحول أو حولين؟ الاجابة بكل تأكيد ستكشف وبجلاء حقيقة رئيس كاذب ومحتال لا يتورع الآن عن نحر وطنه وتمزيق شعبه قربانا لوهم عودته لسدة حكم طالما أطنب في قدحه وطالما ردد حكامه: أتعس الناس من يمتطي الليث أو يحكم اليمن، بيت شعري صاحبه شيخ ظالم لرعيته في مملكة الجعاشن.
"الوحدة خط أحمر والانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر والمؤتمر الشعبي العام صخرة ستتحطم عليها كل مؤامرات التمديد والتجزئة وحوار الغرف المغلقة "هذا هو مبتغى الزعيم علي عبدالله صالح وهذه هي خلاصة ما أراده من اللقاء التشاوري المنعقد عنوة واستجابة لرغبة رئيس مخلوع لم يستطع بعد تقبل فكرة اصلاح ما أفسدته سياساته وكذا هضم مسألة بكونه بات رئيسا سابقا وان هذه البلاد وأهلها تحت قيادة شخص آخر أسمه عبد ربه منصور، وأنه بمقدور الاخير ادارة الدولة الانتقالية بكفاءة وحنكة؛ بل وبإنقاذ هذه الدولة من غرق محتم وايصالها الى بر النجاة والأمان.
السلطة في هذه البلاد غنيمة عظيمة ،والسلطة وليمة مترعة برائحة الدم والبارود، والسلطة – ايضا – لعنة كبيرة على اليمنيين في الماضي وفي الحاضر ولربما الزمن القادم؛ ولأن السلطة والاستئثار بها من سلالة او قبيلة او منطقة أو طائفة او جهة أو شخص أو فصيل بعينه تعد المعضلة المزمنة التي لم يستطع اليمنيين علاجها على مدى القرون المنصرمة؛ فإن ما نشاهده في الوقت الراهن من نقاش وجدل أو قولوا خلاف محتدم حول ماهية الدولة اليمنية المستقبلية محوره الاساس صراع تقاسم للسلطة والهيمنة والنفوذ فكل فصيل يجهد ذاته وقواه كي يضمن لنفسه ولقومه مكانة ونفوذ في خارطة الدولة المركبة أو البسيطة أو حتى الدولة المجزأة.
 لذا لا عجب إذا ما تناحرت حولها القبائل والمناطق وإذا ما دُمرت واستُنزفت موارد البلد وفرصه وثوراته ووحدته أو برزت اليوم دعوات مطالبة بالتجزئة او بالتوحد، الأمر سيان بالنسبة للقوى القديمة الجديدة، فكلاهما يخوض معركته المعبرة عن وجوده ومصالحه الذاتية والقبلية والجهوية وكلاهما على استعداد لعقر التوحد والتجزئة وعلى قارعة المحاصصة الضيقة العائدة على الموحدين او المجزأين.

لا أؤيد فكرة استعادة الدولة الشطرية كما ولا أرى في الدولة الواحدة الكائنة حلا ناجعا وعادلا يمكن البناء عليه في المستقبل، فالإفراط في الحديث عن الدولة الجنوبية المستقلة عن دولة الشمال المحتل أظنه حديثا منافيا للمنطق والعقل ، كذلك هو حال الجزعين على التوحد من الفدرلة المتعددة او الثنائية، فمع كل ما حدث للتوحد من اساءة ومن انتهاك فظ وقاتل مازال هؤلاء يلهجون بذات الخطاب القديم الذي ردده الرئيس صالح قبل حرب 94م وبعدها.
فالواقع الذي ينبغي أخذه في الحسبان هو ان مشكلة اليمن واليمنيين كامنة في الحكم والتفرد بقراره ومركزته بيد شخص او عصبة، وعندما نقول بان المشكلة سببها الرئيس والمباشر سلطة محتكرة ممركزة بشخص او جماعة وفي بقعة ضيقة دون سواها من فئات وبقاع اليمن؛ فلاننا ندرك ونعلم بانه لا حل لهذه المشكلة المستديمة غير هيكلة الدولة وتوزيع سلطانها وقرارها وقوتها على كافة اليمنيين وأين وطنوا وحلوا جنوبا او شمالا؟.
 شخصيا لا أجد في الفدرلة الثنائية حلا عادلا لقضية الجنوب، كما واشعر بالقرف والقلق حين اسمع من كان سببا في قتل التوحد في نفوس وعقول وحياة وقد صار الآن مقاوما ومناهضا لكل اشكال الحلول الموضوعة على طاولة البحث والحوار، كيف لا ينتابني مثل هذا الشعور والرئيس المخلوع يستنفر قواه كي يستعيد ما فقده من مكانه وسطوه وحضور ولو من ناحية حرصه على وحدة سياسية سيذكر له التاريخ تمزيق عراها المجتمعية ؟
نعم؛ فهذه الاصوات المرتفعة اليوم نصرة وغيرة على توحد لم يعد قائما بمقدورها الاسهام في بلورة دولة اتحادية قابلة بالحياة ؛ لكنها مع ذلك أبت أن تكون إلا صوتا مغردا في فضاء القوى المهيمنة المستأثرة المتصارعة على حكم اليمن وفق الطريقة العبثية المألوفة منذ ألأزل.
أسأل هؤلاء الجزعون الوجلون: أين هي الوحدة جنوبا او شمالا؟ وأين هي الدولة ؟ واين المشكل وأين الحل؟ فما هو مؤكد ان النظام العائلي العسكري الجهوي لم يترك شيئا في الوحدة إلا وشوهه وعبث فيه دولة ومجتمعا وثقافة وتاريخا وحقوقا ووجدانا وذهنا وأرضا وبحرا ووالخ، فما من وحدة جنوبا إلا وطالتها ايدي العبث والنهب والسلب..
وإذا ما كان الواقع بثبت ويؤكد بان المشكلة لم تكن يوما وليدة مجتمع متعدد الإثنيات والاديان واللغات؛ بل نتاج لحالة مزمنة من الاقصاء والتهميش والاستحواذ الذي مارسته كل فئة مغتصبة للحكم ومقدراته ؛فإنه لمن السذاجة والبلاهة تصور الحل بغير توزيع هذه السلطة ومشاركتها مع كافة مكونات المجتمع المتوزع أهله على كامل جغرافية الدولة.
ختاما أود تذكير هؤلاء جميعا بان الكذَّاب عادة ما يعيش على حساب من يصغي إليهم، فكما قال اديب وايقونة تركيا الراحل ناظم حكمت "قد تستطيع الكذب على بعض الناس ولقليل من الوقت كما وبمقدورك الكذب على معظم الناس ولبعض الوقت ؛ لكنك لن تستطع الكذب كل الوقت وعلى كل الناس.
 فلربما افلح الكذب في تضليل الكثير من اليمنيين وفي حشدهم خلف حاكم فاسد خاض بهم معركة ثبت لهم بعد زمن إنَّها معركة خاطئة وخاسرة ومكلفة جدا؛ لكنه ابدا لن يفلح الآن في تأليب اليمنيين واستغلالهم في معركته المخاضة بذات الشعار القديم وبذات الخطاب الحماسي الغيور على توحد اوشك عقده على الانفراط .
 ربما غفل المؤتمر ومؤسسه حقيقة واحدة هي ان معاناة مواطن الجنوب لم تكن قط نتاج توحد مع مواطن في الشمال؛ بل بسبب توحد نظام سياسي في الجنوب مع لا نظام ولا دولة في الشمال ومع رئيس فاسد وكاذب ومخاتل غير جدير أو مؤهل لمشروع وحدوي وطني حداثي وتاريخي لا يتساوق مطلقا مع تفكيره الضيق ومع اساليبه وطرقه الملتوية وحيله الفاسدة التي ما فتئ يستخدمها الآن وبشكل عبثي معطل ومعرقل لحوار وطني شارف على نهايته.
 فبرغم انه ونظامه العائلي القبلي الفاسد سببا جوهريا في ما حدث للوحدة وللدولة وللجنوب وللشمال، وسببا في ثورة الشباب وحراك الجنوب، وفي فرض الوصاية الدولية على اليمن وفي اقحام دول مجلسي الامن والخليج، وفي ايصال البلاد الى حافة التفكك والتمزق والانهيار الشامل؛ مازال الرجل يسوق نفسه كغيور ووحدوي وزعيم وطني حريص على وحدة سياسية هو ممزقها الأول، وعلى شعب كان واحدا في زمن الدولتين وبات شعوبا وقبائل في عهد دولته الواحدة.
   
في الثلاثاء 24 سبتمبر-أيلول 2013 07:07:09 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=73136