وطن جامع لا فرق!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

إلى وقت قريب كان الوطن الجامع لشتات أيدي سبأ بمثابة الأيقونة الممدة لنا بإكسير الصبر واحتمال عناء العبث اليومي أو قولوا إن هذا الوطن ظل زمناً أشبه بأهزوجة جميلة مغرية تستحثنا دوماً وأبداً لإتمامها؛ لترتقي لمصاف سيمفونية خالدة نتغنى بها ونشدو جميعا كشعب ضاع من عمره وفرصه ومقدراته ، وأهدر من عرقه ودمه وجهده وحتى كبريائه النصيب الأكبر كي يعيش وينعم بوطن جدير بتضحياته ومعاناته المجترحتين في سبيله.

كيف بات وطننا الكبير الجامع لشمل كل أبنائه مختزلاً بجامع صلاة في السبعين؟!, فكلما أطلقنا العنان لأحلامنا كي تعانق النجوم وتغرد في فضاءات لا متناهية من التفاؤل عدنا ثانية وثالثة إلى ثرى انكسارنا وإحباطنا.

 فمن الكلام عن مؤتمر الحوار ومخرجاته الإيجابية المؤسسة لدولة اتحادية عادلة ومنصفة وجامعة لليمنيين- شمالاً وجنوباً- عدنا القهقري إلى الحديث عن أزمة جامع الصالح وقناة الصالح ومؤتمر الصالح وريمة الصالح وجمعية الصالح وأقارب الصالح وسلاح الصالح وشراكة الصالح وحصانة الصالح وتصريحات الصالح وتظاهرات الصالح وو.. إلخ من المسميات والأفعال العبثية الدالة على عقول مريضة بالهوس والجنون.

نعم انشغلنا في خضم جدل سفسطائي عبثي وفي مسائل تتعلق بمستقبل اليمنيين فيما الحاضر لا يتململ أو يتزحزح عن كونه استجراراً لزمن ماضوي مازال يبرهن ويثبت انه الأقوى والنافذ وأيضاً القادر على فرض منطقه وأجندته. معركة بكل تأكيد مازالت غير متكافئة نظراً لامتلاك قوى الماضي المال والسلاح والنفوذ وفي مجتمع غالبه يكابد فقره وجهله ومعيشته وسوء أوضاعه الحياتية اليومية.

فكلما قلنا بتعافي وطننا وبتخطيه لعتبات الانحدار والسقوط في كارثية الصوملة, عدنا ثانية إلى مجاهيل أسوأ من سابقها. الصوملة كان مستهلها لحظة استباحة القبائل الموالية للرئيس محمد سياد بري لقصر السلاح وبناءً وأمره المجنون الأرعن الذي ظنه منقذاً له ولحكمه وإذا به يفتح أبواب الجحيم كي تصل بنيرانها شعباً ووطناً ودولة مازالت وبُعيد ربع قرن غائبةً.

الرئيس صالح لم يفتح فقط خزينة سلاح أو مال أو حدود وإنما بلد برمته فتحه على مصراعيه فلم تقصر هذه القبائل؛ إذ نهبت خيراته وثرواته وموارده وحتى مساعدات وهبات الأشقاء والأصدقاء التي لم تسلم من هؤلاء الذين قتلوا الأمل في نفوس اليمنيين المتعبين المنهكين المحبطين.

حكومة باسندوة أقرت وعلى استحياء بضرورة التنفيذ لمخرجات مؤتمر الحوار وتحديداً تلك المتعلقة بمقررات لجنة 8+8 الخاصة بمعالجة القضية الجنوبية. قرار الحكومة يوم الأربعاء 18يونيو اشترط لاستيعاب الجنوبيين وجود شاغر في بلد لم يعد فيه شاغر لغير العبث والتخريب والتهريب والنهب والسلب كما ولا يوجد فيه حيز في البحر أو البر أو الجبال أو الوظيفة أو الاستثمار إلا وتم شغلها وتسويرها بسياج القبائل المستأثرة بكل شيء.

يأتي إجراء الحكومة عقب يومين فقط على نصب قطاعاً قبلياً خارج العاصمة صنعاء مساء الأحد 15يونيو والذي قام بنهب محتوى "دينتين" حاملتين لأشرطة تليفزيون عدن وهي من جملة المنهوبات من عدن بعيد حرب 94م وفي سياق عملية نهب منظمة لم تبقِ على شيء إلا وطالته يدا النهب والفيد.

 ومن ضمن منهوبات لا تحصى تم الاستيلاء عليها إثر دخول قوات الشرعية والوحدة إلى العاصمة عدن وقبيل نقلها إلى العاصمة صنعاء هنالك أرشيف كامل للتاريخ السياسي والنضالي للدولة الجنوبية والذي ظلت شاحنات العميد علي الشاطر تنقله من مكانه في مركز البحوث والدراسات التابع للجنة المركزية بمنطقة الفتح – قيادة المنطقة الرابعة حاليا – إلى العاصمة ولبضعة أيام.

كان حديثنا منصباً بوطن جديد جامع لكل أبنائه؛ لكننا مع ذلك عدنا للحديث عن أزمة جامع صلاة في السبعين.. نعم تفاؤلنا مفرط بزوال الغبن والضيم جنوباً وبوقف العبث والاضطهاد شمالاً ، كما ومازلنا ننتظر تنفيذ شيء مما تم إقراره أو رسمه على الورق.

نتطلع إلى عودة كثير من الحقوق إلى أصحابها، وإلى عودة قيادات وكوادر عسكرية ومدنية ودبلوماسية وحزبية وتجارية واستثمارية إلى وطنها كي تعمل وتستثمر وتستقر وتزاول حياتها الاعتيادية، وإلى قلب الشراكة الوطنية وبناء الدولة الاتحادية القابلة؛ لكننا وبعد مضي ثلاثة أعوام على الثورة ونصف عام على استكمال مؤتمر الحوار لم نعثر على أنفسنا.

إننا كمن أُفلتت من يده بوصلة مساره فزاغ بصره وفترت حماسته في خضم بحثه عن خيط أمل يدله لوطنه الذي فقد بوصلته زمناً ولا يبدو عثوره على بوصلة وربان سيجعل هذا الوطن يمضي بسلام غير آبه لقراصنة أو لصوص أوطان احترفوا العبث والنهب والقتل والخطف والتخريب وقطع الطريق.

فكل ما حولنا يخفت ويتوارى لحظة تلو الحظة وفي سراب أسميناه مجازاً تفاؤلاً مشروعاً, بينما هو يمثل حالة هروب من واقع لا يراد الاعتراف به كمُسَلِّمة وواقع فرضته القوى القبلية الناهبة المستبيحة لتهامة الشمال مثلها مثل عدن ولحج وحضرموت.

أجزم أن ربان السفينة يستلزمه فعلاً جريئاً وسريعاً وخطراً – أيضاً - لكنه على الأقل سيكون حلاً ناجعاً وحاسماً لهذه الوضعية العبثية القائمة على مقايضة موت شعب بحياة الزعيم وثلته، وأزمات الوطن بأزمة جامع أو قناة أو تنظيم أو سواها من المسائل الخلافية الماثلة التي هي أدنى وأقل من أن توقف وطناً ومجتمعاً وحكومة ورئاسة ودولة، بل ومرحلة انطلقت مسيرتها وينبغي لها ألا تتعثر أو تتوقف؛ فتوقفها وتعثرها هنا يخلق انطباعاً محبطاً وقلقاً وقاتلاً أحياناً.

في الأحد 22 يونيو-حزيران 2014 07:45:18 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=76132