سفَّاح اليمن..من برابرة كُثر!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

أفضل وصف لجلال بلعيدي هو السَّفَّاح.. إنه نسخة من أبي العباس الشهير بالسَّفَّاح. ولمن لا يقرأ أو يسمع بفظائع عبدالله بن محمد- أول خلفاء الدولة العباسية- فما عليه غير الإمعان بوجه وفعل سفَّاح اليمن " جلال بلعيدي " الشخص المعتوه المهووس الفاشي الذي لم يتورع عن ذبح أربعة عشر جندياً يوم الجمعة8 أغسطس في حضرموت ودونما يرفل له جفن أو يخالجه ندم وإثم .

 فبُعيد جريمته النكراء بحق الجنود العُزل الأسرى – على فرضية أنهم أُسروا في معركة وليس بكونهم مسافرين على متن حافلة – ظهر محتفياً ومتباهياً بفعله الشنيع وكأني به خير مجسد لأبي العباس الذي لم يتوانَ لحظة عن قتل تسعين شخصاً أموياً مسالماً ضيفاً لديه وسبق أن منحهم الأمان وأكرم وفادتهم؛ إذ امر بقتلهم جميعاً ومن ثم افترش مائدة طعامه على قتلاه وبدأ بتناول أكله, فيما أنين وآهات الضحايا يُسمع من الأسفل لكأنه موسيقى صاخبة راقصة في حانة ماجنة.

ليت المسألة مقتصرة هنا على شخص مريض مأفون مثل بلعيدي ، أو على جماعة داعش ، أو القاعدة ، أو انصار الشريعة ، أو سواها من الجماعات الإرهابية البربرية المقترفة لفظاعات حسبناها زمناً من التاريخ الهمجي الذي طويت فظاعاته بفعل التطور الإنساني الحضاري ؛ لكنها – و يا للأسف – مازالت ثقافة سائدة فينا وإلى اللحظة الراهنة التي يمكنك فيها رؤية جماعة ناشزة وهي مهللة مكبرة بذبحها للأدمية، فضلاً أنها كما لا تكتفي بالقتل إذ ولابد من أن تتشفى بالضحية تعزيراً وصلباً وتمثيلاً .

نعم مجتمعاتنا العربية متشبعة زاخرة بمثل هذه الفظاعات المشاهدة الآن وكأنها من عصور الهمجية البربرية الوحشية التي سادت المجتمعات البشرية قروناً. فبرغم تبخترنا بانتمائنا للعصر ولحضارته وثقافته ونظامه وقيمه الصائنة المبجلة للإنسانية؛ إلا أن فعلنا وممارستنا مازالت مستمدة ونابعة من ثقافة القتل والتمثيل والتعزير والتشفي والانتقام والثأر والاستحلال والسبي والسلب والاسترقاق والإذلال والاحتقار وهكذا دواليك من الأفعال البشعة المشينة المنتهكة لصميم الأدمية كقيمة سامية وعصرية .

في بيوت الله تحريض كريه وسافر حاض على الهلكة والسبي والغنيمة والاحتقار للآخر ، خطابنا الديني ناضح بالتكفير والترهيب والتفسيق والتحقير واللعن والتحريض على القتل وإباحة سفك الدم والانتحار ملغوماً ؛ وحتى الافتراء والكذب على الله ورسوله, احدهم يحدثك: النبي ترك الذبح وحرَّم المُثلة " وزاد أن أضاف بحديث " جئتكم بالذبح ".

يا إلهي!! هل بلغ بنا الافتراء لهذه الدرجة القبيحة المصورة لرسول الرحمة والهداية وكأنه ليس إلا سفاحاً بيده مدية تقطر دماً، أو حاملاً لجمجمة كافر ومارق، أو سابياً لقانية، أو غانماً لناقة ومال؟!.

هل الذبح والمُثلة تحتاج منا لتأصيل يبررهما؟ فما من نبي هداية ورسالة يكون فعله ذبحاً وسملاً وتمثيلاً! فالرجاء منكم ألَّا تماثلوا رسول الله بصحابته الذين وان حظوا بصحبته ومجايلته أو تشرفوا بالإسلام ديناً منزلاً نقياً عربياً مجسداً بنبي آيته وبرهانه قرآن وحي يوحى، فهؤلاء وعلى صحبتهم هم في النهاية أناس لا يرتقون لمصاف الأنبياء والرسل.

فهناك من السلف من آثر الدنيا فلم ينطق بكلمة حق إزاء أنفس تزهق ودم يهرق وعصبية تزدهر، وهنالك من المنكرات والفظائع المرتكبة ظلماً وزوراً باسم الله ونبيه ، وهنالك من الأفعال المشينة التي يصعب تفسيرها وتم نسبها زوراً وتضليلاً وافتراءً على الله ورسوله الذي توفاه الله ولم يذبح كافراً أو يُمثل أو يورث خلافته ؛ لأنه ببساطة نبي ورسول؛ فكيف يتم وراثته ؟ وكيف يقر طاغية أو سفاحاً أو سبطاً أو ولداً على دين هو خاتمه؟, فمثل هذا المنطق العقيم الشوفيني لو انه صحيح, لكان الأولى بنا تصديق- بكون أسباط يعقوب " إسرائيل "- هم شعب الله المختار .

النبي نهى عن المُثلة ولو بالكلب العقور، كما والإمام علي نهى قبل وفاته عن المُثلة بقاتله عبد الرحمن الملجم ، ومع كل هذا تم الذبح والمُثلة والصلب والحرق ولرفاة رميم ، ومن صحابه ولصحابه ودونما تتوقف ، بل واستمرت وانتشرت كجائحة لا تبقي أو تذر قوماً أو زمناً إلا واستباحته .

فقبل عهد السفاح كان عبدالله بن جعفر قد آثر الاقتصاص لمقتل الإمام علي بطعنات ابن الملجم الذي كان جزاؤه قطع يديه ورجليه ومن ثم لسانه وعلى اثرها فارق الحياة . وذاك عمير بن ضابئ حين اقدم على كسر احد أضلاع جثمان الخليفة الثالث عثمان بن عفان .

فالسَّفَّاح أول ما تولى الحُكم أمر بإخراج جثث خلفاء بني أمية من أجداثها وجلدها وصلبها وحرقها ونثرها رماداً . إنها السادية وفي اقبح وابشع صورة لها كما وسبق ممارستها من الخليفة معاوية بن أبي سفيان حيال حجر بن عدي ، ومن الخليفة يزيد نحو الحسين بن علي ومن الطاغية الحجَّاج لابن الزبير.

ومن الخليفة هشام بن عبد الملك الذي لم يكتف بقتل جيشه لزيد بن علي وهزيمة اتباعه؛ إذ أمر باستخراج جثته وجز رأسه وإرساله إليه ومن ثم صلبه عرياناً وحرقه ، ومن الخليفة جعفر المنصور نحو عبدالله بن المقفع مترجم التحفة الأدبية " كليلة ودمنة "، فالمنصور لم يستسغ وقتها نصائح بن المقفع المكتوبة له, فأمر بتقطيع بنان كاتبها ، بل وزاد في بشاعته أن قام بشوي ما استقطع من جسد الضحية وإجباره على أكلها إلى أن فاضت روحه .

وقبل ذلك كانت هند بنت عتبة قد شفت غليلها بنزع كبد الحمزة وأكلها وبوحشية قلما تماثلها حادثة في التاريخ الإنساني . لا أريد تذكيركم بإبراهيم الجزَّار وفظائعه ، كما لا أود الكلام بفظائع الأئمة في اليمن والتي ليس أخرها ما حدث لزرانيق تهامة من قطع للرؤوس وإجبار الأسرى على حملها إلى صنعاء .

فالحال أن لدينا إرثاً مثقلاً زاخراً بالفظائع ضد الإنسانية.. صحيح أن جز الرؤوس الآدمية ليست شرعة وعقوبة ابتدعها أسلافنا من أعراب الناقة والشاه بقدر ما هي محدثة وافدة إليهم من الأقوام الحاملة لراية التحضر والأنسنة .

ومع كل ما قيل وسيقال حول هذه الظاهرة الموغلة في توحشها, فإنه يجب الاعتراف بما حققته المجتمعات المتحضرة من إنجاز وتطور تقاطع كلياً مع قرون من الفظائع كهذه التي توطنت لدينا قروناً ودون محاولة جادة لنبذها ورفضها وتحريمها، بل وما يحزن أن هنالك من يسوق لهذه البربرية ويؤصل ويشرعن لها أو يبرر فعلها أو يعتبرها مسألة خلافية أسوة بالمسائل الأخرى مثل الشرب المثلث وكشف الركبة والغناء بغير أوقات الصلاة ووو إلخ .

في الإثنين 18 أغسطس-آب 2014 02:43:00 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=76651