الانتصار على التعايش وهم مدمر
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
  
قد تختلف الأمم- كمجتمعات بشرية إنسانية- في تاريخها وحضارتها, لكن تظل القيم الإنسانية لا يختلف عليها اثنان هي المساواة والحرية والعدالة وكل معنى له مفرداته التي لا تغير من محتواها, كل هذه كانت تنظمها الأعراف والعادات والتقاليد والموروث الثقافي التي تداوله البشر من أسلافهم ومع تطورات العصور والمجتمعات تحولت هذه الأعراف إلى نصوص وقوانين ودساتير تنظم العلاقات الاجتماعية وتوزن إيقاعاتها وترسي المساواة والعدل وتضمن الحرية الفكرية والنفسية.. هذا التطور محكوم بالتغير الطبيعي للحياة والانتقال من عصر إلى آخر ونحن في اليمن علينا مواكبة هذا التغيير والولوج في العصر الجديد ونحن نبذل الجهود للانتقال و للتحول المنشود لمواكبة تغيرات العصر وهناك كثير من المعوقات مهما اختلفت أدواتها ودوافعها كلها تصب في التمسك بالقديم كموروث عفا عنه الزمن وموقعه الآن في متحف الموروث للعادات والتقاليد وما يؤسف له أن هذا التأخر والتباطؤ في الانتقال يعود لتأثير القوى القبلية التي تقاوم هذا التغيير وتعيق التقدم فالقبيلة- كمكون اجتماعي- له دور فاعل ومحوري في التأثير على المجتمع ولأن القبيلة هي حاضنة التمايز العرقي والسلالي فهي ترفض المساواة والعدالة الاجتماعية ويتركز الرفض في مشايخ وأعيان القبيلة الذين يسترزقون من تمايزهم هذا ويمارسون الظلم والتهميش والاستبداد والإقصاء والاستحواذ على أبناء قبائلهم وعلى القبائل الأخرى وأكثرهم تضررا من خلع عن كاهليه القبيلة وتأثيراتها السلبية وتحول إلى مدني.

هذا الإرث متأصل فينا وكلما تأزم الوضع في الوطن تتضح كوارث هذا التأصل.. الثورة الشبابية حددت بوضوح طموحات وآمال الجماهير أساسها التعايش والمواطنة وفق نظام سياسي عادل وحر ومن دون شك سيقابل بمقاومة من القوى التقليدية قوى التخلف والإسلام السياسي بشقية والمرتزقة لمعاناة وآلام الجماهير وكنا بحاجة لاصطفاف جماهيري للقوى الجديدة وقوى التنوير من يسار أو يمين معتدل ونعول عليها لخلق وعي جماهيري و ثقافي وسلوك مدني يرفض الاستمرار بهذا الإرث، لكن الأزمات أثبتت أن بعض شخصيات محسوبة على اليسار عادت لجذورها العرقي والمذهبي لتصطف مع القوى التقليدية وقوى الإسلام السياسي بشقيه لتحيي هذا الإرث المرفوض وعندما وصفته بالكارثة لأنها تبرر استخدام العنف والتدمير والنهب والإقصاء وكل القيم النبيلة الذي يرفضها اليسار كمبدأ وثقافة وسلوك.

ما حدث للوطن يبرهن أن اليمن لا تستقر على حال ومن المزعج أن يستفيق الشعب القابض على طموحاته وآماله على أصوات تناديه نحن الشعب تلك ثورتك المنهوبة ونحن ثورتك المحبوبة يفرضون عليك ثورة تخصهم بمبرر قوى الفساد والإفساد نتاج الماضي الذي ثرنا عليه يقول صوت الحق فلنستعيد ثورتنا ونواصل مسيرتنا, لكن هناك من تخدعهم عقولهم ويتوهمون أن ذكاءهم الخارق أتاح لهم معرفة الحساب والأرقام، وخطوط الطول والعرض, لكنّه حجب عنهم أن الثورة الشعبية السلمية لا تقودها مليشيات مسلحة وأن من يراهن على البندقية فقد غاب لديه العقل أو تعثر وأن من يفرح ويحتفل بنصر مزيف انتهكت فيه كرامات وسفكت دماء ونهبت أموال واغتيلت دولة أو ما تبقى منها لا يمكن وصفه بثوري وطني بل حاقد ليس على خصومه فقط بل على الوطن ومصالحه.. 

أي ثورة تحرك مشاعر الحقد والضغائن يمكن وصفها بثورة الشياطين تغلي في أسافل الأرض، أمّا أقلامها وأفواهها الإعلامية ترقص وتنتشي… نهايتها معروفة وهي الفشل الذريع. لكنّ هدفها هو “أنّ كثيرين يضلّون في الأزمنة الأخيرة ويصطادون طموحاتنا وآمالنا ويعودون بنا لعهد السيد الذي خرج من عباءة الشيخ, فلنعمل سوياً على أن تخرج شباكهم من بحرنا فارغة..

كثيرون يسالون أين القيم الثورية وأين الأخلاق الإنسانية؟ هل صارت القيم هي ما اخترعته أساليب الناس الملتوية البعيدة عن كلّ منطق؟

ما نشهده في هذه الأيّام ليس إلا بداية عصر الهوس بالألوان والأشكال، وتعديل قاتل لكلّ ما هو طبيعي، لا بل وأكثر من ذلك، طمسٌ لكلّ والوطن ضحية لهذا الهوس.

الوطن ينهار وتنهار معه القيم والمبادئ والأخلاق ويعود الماضي بأسوأ صورة, كتل بشرية تتحرك مثخنة بالأحقاد والضغائن تنتشي بروائح الموت والدمار والهلاك تتغنى بالقيم المفرغة وأعمالها المقرفة وتنتشر كسرطان العنف في كل بقاع الأرض, لغة البندقية هي الأقوى, ميزان القوى ليس سوي وبالتالي العدل منقوص والحق حقهم والباطل لغيرهم من يستطيع ضبطهم غير ارحم الراحمين عندما يكون الموجود يرفض العنف ويضع ألف حساب للوطن وانهياره والآخر يعبث بكل هذا معتقداً أنه ينتصر على الجميع بما فيهم الوطن.

اليوم من يستخدم العنف أوجد مبرره لذلك من سلاحه الإرهاب حصل مبتغاة لأن الفوضى والحروب تنتج أكثر من صراع وتصنع أكثر من خصم وتبرر للقتل والدمار والخراب وتطمس كل منجز سياسي تحقق ولا تسمح للسياسة أن تستمر لتنجز مهامها بل تدخل الوطن في نفق لا يحمد عقباه.. حذاري من نشوة النصر لأنها وهم وأي منتصر في وطن خلق للعيش والتعايش.
في الأربعاء 08 أكتوبر-تشرين الأول 2014 10:02:11 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=77136