جمهوريات الجنرالات !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن

معارض سياسي من إسطنبول وقيادي إخواني من لندن وخبير في شؤون السياسة والاقتصاد من باريس وخبير قانوني من واشنطن وقناة حُرة من خارج مصر.

ألا توحي لكم المسألة بشيء؟! ألا توجد قناة حُرة متحررة من ربق الخوف والتبعية في بلاد أسمها المحروسة؟ ألا يوجد معارض سياسي مرموق يمكن استضافته من مصر ودونما خوف أو ترهيب أو عسف؟.

ألا يوجد بين تسعين مليون مصري خبراء في الاقتصاد والسياسة والقانون والديمقراطية كي يحدثونا عن الثورة والأزمة والانقلاب والانتخابات وما تلاها من أحداث مازالت ماثلة إلى اللحظة؟.

اعلم أن مثل هذه الأسئلة تبدو ساذجة ومستفزة للكثير، لكنها وبالنظر إلى واقع الحريات الآخذ بالتضاؤل والتلاشي يوماً عن يوم اعتبرها مشكلة قائمة تستدعي الاعتراف بها بدلا من نكرانها مثلما هو حاصل الآن ومن أولئك الذين يظنون انفسهم انهم يحسنون صنعا.

لست إخوانياً، كما وارفض أن أكون نصيراً لجمهوريات الجنرالات أين وجدت.. إننا إزاء حقبة تاريخية مختلفة كليا عن حقبة الخمسينات والستينات، فإذا ما كانت ثورات الأمس وانقلاباته قد أفلحت في ترسيخ حكم العسكر ولفترة دامت لأكثر من ستة عقود؛ فإن ثورات الحاضر اعدها مقدمة لتسوية تاريخية تأخرت كثيرا عن موعدها .

هذه التسوية بمثابة الإصلاح لمسار الثورات والجمهوريات الماضوية التي للأسف لم تنحرف عن جادتها فحسب وإنما زادت بتوقفها وعطبها ومن ثم انحدارها وهرولتها إلى حد لا نظير له في التاريخ السياسي.

البعض يستكثر علينا أن نعيش بسلام وكرامة وحرية، كأننا شعوب فائضة لا تستحق سوى القتل والقهر والاستعباد! تسأل وبصدق وتجرد: ألم تكن جنوب أفريقيا دولة تمييز وعنصرية؟ ألا يماثل وضعنا واقعاً مرت به دول عدة مثل البرازيل والأرجنتين وتشيلي وبوليفيا وفنزويلا وحتى تركيا والهند وإسرائيل وايران وسواها من الدول الناهضة الديمقراطية؟.. لا أحدثكم عن مجتمعات في دول أوروبا الشرقية أو إسبانيا أو البرتغال, وإنما عن شعوب متخلفة فقيرة مضطهدة ومع كونها كذلك قدر لها وخلال فترة وجيزة الانتقال من الأنظمة الديكتاتورية العسكرية إلى أنظمة ديمقراطية مدنية.

على فرضية عجز الإخوان عن إدارة العهد الثوري الجديد؛ فهل افتقارهم للرؤية والقدرة مبرر كافٍ لتسليم أوطاننا ثانية وثالثة ولمن كانوا سبباً في تخلفنا حضارياً وثقافياً وتنموياً وإنسانياً؟.. نعم الجنرال فرانكو كان طاغية اسباني كما ورائد نهضة كوريا الجنوبية والصين وتركيا وفرنسا لم يأتوا من صناديق الاقتراع وإنما من ثكنات الجيش.

ليكن الأمر على هذا المنحى، فعلى صحته اعده استثناءً ونادراً يصعب تعميمه كنموذج، فما يحدث الآن في مصر واليمن وسوريا وليبيا والجزائر والسودان لا يبعث على الاطمئنان، الواقع اننا تجاه مرحلة تاريخية وسياسية مختلفة كليا في ادواتها وافكارها وتحدياتها، ولأنها مختلفة نظريا وفعليا وموضوعيا فلا ينفع معها تلكم الادوات القديمة أيا كان شكلها ومبررها ونوعها.

ولأن مصر مؤثرة وفاعله بالنسبة لمحيطها على الاقل؛ فإنه لمن المؤلم رؤية مآل ثورتها وعلى هذه الصورة البائسة التي بكل تأكيد سيكون انعكاسها كبيرا وعميقا على عموم الثورات العربية .فالحالة لا تشيء بغير الطغيان العسكري العائد بقوة ومن خلال صندوق الانتخاب وهنا مكمن الماسأة.

فبدلا من يكون انتخاب اول رئيس مدني فاتحة لعهد ديمقراطي وثورة يناير مبتدأ لدولة مدنية صارا الحدثان استهلالة لعودة جمهوريات العسكر وطريقة للانقضاض على ثورات الحاضر وتحدياته ومطالبه .

في الثلاثاء 02 ديسمبر-كانون الأول 2014 05:07:37 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=77658