العقيدة واختلال الوعي
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
خدعنا وكان سهلاً جداً خداعنا، لتفريطنا للعقل والمنطق، لجعل مشاعرنا وأحقادنا وضيق الأفق مصدر إلهامنا، الإتقان بصورة عجيبة في المراوغة، في الهرج والمرج السياسي، اندفع الجميع خلّف الرؤية الخاطئة والتفسير المبتور للقضية، لهث البعض خلّف دعوات باطلة، كنا مهزوزين وكانوا لنا مسيرين عن بعد، في الوقت الذي كانوا يبثون فينا سمومهم ويدفعوا بنا نحو مبتغاهم، بتسريب الأفكار الفاسدة والمفاهيم الهدامة إلى أعماق النفوس زرعوا فينا بذور الكراهية وأسقوها وغذوها حتى تنامت وأنتجت ثمارها، ثمار أضعفتنا وخدمتهم، سوقت لقضيتهم وشوهت قضيتنا، كل ذلك تم بجنود مجندة بعناية لاستغلال تلك الآفة ولتجنيد تلك القضية لمصلحتهم الخاصة الضيقة على حساب قضيتنا العادلة .
الهدف الرئيسي من ذلك هو زعزعة العقيدة كي يختل الوعي وتضطرب الأفكار وتنعدم الرؤية الواضحة.. وشيئاً فشيئاً كانت النزعة المناطقية هي المدخل الحساس للسيطرة على نوازع الشباب الطامح والمدافع عن قضيته وأرضه، قضية جردوها من أبعادها سياسية وإنسانية و لم تسلما من استغلال البعض لها وصارت قضية للمناكفة والضغط وخلط الأوراق .
ما نعانيه اليوم غياب النظام والقانون، ومعايير ضبط إيقاع الحق، فوجدنا الباطل يزهو وصوته مرتفع ببجاحة، وجدنا الثرثار يزعجنا بهرج ومرج، ليخفي الحقائق ويروج للإشاعات، كل هذا في غياب الوعي والعقلانية، وطبول المناطقية تسمع حينما نتأزم لترقص أشباح البشر على أنغامها، كل مشكلة لابد أن تكون بداية لسلسلة من المشكلات والفتن، رباه أي خير سنحصده وقطار الحقن المناطقي الأعمى بلا فرامل ويسير بوثيرة دون توقف يمزق النسيج ويؤجج الصراع ويفرمت العقول، وضع كهذا رافض للديمقراطية والتعايش والتوافق وقبول الآخر يسعى لصراع طويل الأمد .
بدأت هشاشة المواقف منذ أن تحول الإعلام لوسيلة خطرة تدمر المجتمع، ترسخ الطائفة والمناطقية، تقتل السلم الاجتماعي، مهمتها تبحث عن نقاط خلاف لتؤجج صراع، تنعش الفتن ما ظهر منها وما بطن، توحي لك أنه نقد وهو في الحقيقة تطرق غير شريف لقضايا وطنية وإنسانية شريفة، كلما صرح المختلف تصريحاً مخالفا أزعجهم فتتحرك أبوقهم للرد بنفس المنطق الشيطاني، ليقتل التعايش والتنوع وروح قبول الآخر، وتتجاوز هذه الوظائف لتؤدي دوراً يخدم أطراف الصراع المختلفة وتأتي في إطار موقف سياسي معين وخلفية إيديولوجية وثقافية محددة، وتأتي كوسيلة للتأثير على الجمهور، وتشكيل الرأي العام وفقاً لما يريده الطرف الذي يستخدم هذه المصطلحات خاصة للتحريض ضد الوطن والدولة الضامنة للمواطنة، لرفض الشراكة والآخر من خلال إخراجه من طابعه الإنساني ونزع الصفة الإنسانية عنه ليسهل نفسياً وأخلاقياً محاربته وقتله وارتكاب أفظع الجرائم بحقه.
هناك من استعد للثورة، وأعد لها الفخاخ، وهناك من تذوق الطعم واصطادته الصنارة، فهلت علينا فتاوى لم تعد دينيه، تجاوزناها لفتاوى فكرية وثقافية بحقن مناطقي وطائفي وكراهية، فتاوى خطيرة ومدمرة، بعد أن تنتهي أزمة الحرب ستعرف حجم التركة الثقيلة التي خلفوها وراءهم لنشر الفوضى، وسيدون التاريخ مواقف كل الأطراف وسيدان كثير من المواقع والوسائل الإعلامية والأقلام التي وجدت خلال الأزمة لهدف خلط الأوراق وتوجيه مسار الصراع لخدمة أعداء الأمة والثورة والجمهورية .


في الخميس 12 يناير-كانون الثاني 2017 02:29:34 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=79096