حب الوطن وأطفال السياسة
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
تباهى كما يحلو لك بعلمانيتك ولبراليتك ويساريتك، ببرجوازيتك ورأسماليتك ويمينيتك، بعقيدتك وطائفيتك، بعرقك وسلالتك، بشرط أن لا يكون هذا التباهي مضراً بالوطن وقضاياه الكبرى، أن لا يكون هذا التباهي ممزقاً للنسيج الاجتماعي، منتجاً لصراعات سلبية وكره الآخر، أن لا يكون ضد التعايش واحترام المختلف والعيش معاً في وطن يجمعنا، عليك أن لا تفرط بالتباهي ليتفوق على الانتماء للوطن ويتحول لقضية تعلو عن قضيتك الوطنية ومشروع الأمة، حتى لا تكون أداة هدم وتدمير لطموحات وأحلام الجميع في الدولة المتوافق عليها شكلا وجوهر.
يجب أن يكون الارتباط بالوطن قوي، هذا الارتباط هو الكابح الذي يحد من التمادي بانتمائك السياسي والحزبي عن انتمائك الوطني، لتكون مخلصاً للقضية التي يحملها وطنك لتكون مخلصاً للقيم والمبادئ ليكون حب الوطن بعد حب الله وأعمق من أي حب أخر يحد من تماديك المضرة وخصوماتك السلبية.
الاستبداد يفرض نفسه على الجميع بتمزيق النسيج الاجتماعي والوطني، بحقن المجتمع بخصومات فاجرة، بتصوير شيطان منا وفينا ليشغلنا به عنه، وحينما يبدأ الشتات والهتك والشتم لبعضنا البعض، يستريح الاستبداد والطغاة على كرسي الحكم ليديرون تلك الصراعات ويوجهونها لما يخدمهم ويلبي طموحاتهم لمزيد من النهب والسلب والظلم والطغيان، ونفقد مشروعنا ووطننا لنعيش فيه مهانين محرومين مظلومين، فاقدي الإنسانية والكرامة جميعا ما عدى من يرضى عنه الاستبداد ويتحول لأداة تحت خدمته وتصرفه.
البعض إلى اليوم لم يمل ولم يكل وهو يشتم ويشيطن الآخر، حتى صارت التعددية مشكلة لدى البعض، يريد أن يكون ديمقراطي دون تعددية وقبول الآخر والاعتراف به، نحن قتلنا تلك الأحزاب، وبالتالي أجهضنا الديمقراطية، فتحولت الأحزاب غاية وليس وسيلة لتكون صهوة الحصان لامتطاء الديمقراطية ذات الشكل الوهاج الخاوي من الجوهر، يزداد وهجاً كلما اقترب من حاكم البلاد الذي يستمد حكمة من الطائفة والقبيلة ويمتطي الديمقراطية لزوم التبرج.
الأحزاب هي نحن الجماهير، المختلفين فكرياً وثقافياً وسياسياً منظمين فيها نمارس حقنا وفق الدستور والقوانين المعمولة، ونتنافس بحرية وشفافية، في برامج سياسية واقتصادية على تبادل سلمي للسلطة كخلق الله في هذه المعمورة، صحيح أن في كل حزب السيئ والصالح والوطني والأناني والباني والمدمر والنزيه واللص والفاسد، فيه نافذون يستغلونه ويستخدمونه في أعمالهم السيئة والأنانية، وكل حزب معني بصلاح حاله، وكل حزب يعتمد على قاعدته الجماهيرية التي تضغط لإصلاح الحزب من الداخل، ليتغير وفق متغيرات المرحلة والعصر، وكل دورة انتخابية يعاد بنا هيكلة و وثائقه، والحزب الذي لا يريد أن يكون جزءا من هذا التغيير نهايته فقدان قاعدته الجماهير ويصبح لا معنى له دون ذلك، أي أن كلاً يهتم بمكونه السياسي ليتفوق ويكون الأفضل بين الجميع، نحن في اليمن حالة شاذة نركز اهتمامنا بالآخر وننسى أنفسنا، نوجه سهاماً نقدنا الجارح ضد الآخر لنصيبه بمقتل أو نفتي بنفيه أو حظره، وكل ما نوجهه من نقد موجود فينا، لكن لا نتجرأ بنقد أنفسنا نقد بناء، نقدنا نقد هدام، يهدف لمزيد من صراع داخل المجتمع لا يساعد في تنمية سياسية وازدهار ديمقراطي، بل تدهور كل ذلك لصالح الاستبداد والطغيان.
نحن في عبث سياسي ألهانا عن مواصلة التحول والانطلاق للمستقبل المنشود الدولة الاتحادية، هذا العبث له ارتدادات، وهي الفشل في كل شيء، ونتحول لأداة في خدمة أعدائنا، ثم نرمي فشلنا لبعضنا البعض وهكذا ندور في نفس الدائرة، والاستبداد يتغير بتحالفاته وجلوده ولازال مسيطراً علينا، لأن فينا وقاحة أطفال السياسة في بعض المكونات، كفى السكوت عنهم، وهم يعبّرون عن توجهات البعض ويتكلمون باسمهم ولا نجد من يوقف وقاحتهم ويوقف قذارتهم ويجنب الوطن خبثهم وصراعاتهم، يتبرءا منهم، فوقاحتهم ترتد على الجميع وتتسبب لاحقاً بزوال من يتحدثون باسمهم بعد أن بدا كثير من الناس يشعرون بخطر وقاحة أطفال السياسة والله.. من وراء القصد.


في الخميس 26 يناير-كانون الثاني 2017 06:47:18 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=79203